إن الاستفهام المطروح أعلاه ليحاول تقصي الحقيقة الضائعة عن فعلية كون بنكيران رئيس حكومة تخوله صلاحياته الدستورية أن يكون آمرا حقا، طبعا في حدود رقعة تحركه كلاعب سياسي من الدرجة الثانية، آم انه مرؤوس بجهة غير تلك التي نص عليها الدستور تجعله مأمورا، إن لم يكن بأوامرها المباشرة، فبإرادتها المستترة التي تريد غير الذي أراد منه الشعب حين أفرزه و حزبه عبر صناديق الاقتراع على رأس نتيجة التشريعيات الأخيرة، على أساس تعاقد انتدابي لمناهضة الفساد و الاستبداد. أكيد نتفهم جيدا بحكم قوة الدستور أن ينخضع بنكيران لرئاسة الدولة التي يجسدها ملك البلاد، لكن ما لا نستسيغه هو أن يبدي بنكيران من الضعف ما يجعله في حكم المرؤوس لجهة افتراضية غير مرئية. إنها ليست سوى قطيع العفاريت و التماسيح الذي أشار إليه غير ما مرة في معرض حديثه عن جهات تعرقل تدبير حكومته و تتربص بمبادراتها، فهو إذ اختار هذه الاستعارة فإنما يريد أن يبين مدى تضخم هذه الكائنات التي لا يمكن إلا أن ينهار أمامها و يستسلم لسلطانها. كيف لا و سلاح التمساح الافتراس، و ليس أهون منه سلاح العفريت في الخبط. و للتدليل على فرضية الانطلاق، يكفي أن نسترشد بمؤشرين اثنين فقط، الأول يعود لما يمكن تسميته "العفو البنكيراني الخاص عن سالف الإفساد"، سوف لن نعلق على هذا الأمر من زاوية أن من "يعفو عن الفساد يغدو مشاركا فيه"، و لكن المهم هو أن هذا العفو ليس دليلا على قدرة للتسامح بقدر ما هو فوبيا من مواجهة قد يكون ثمنها سقطة غير مرغوب فيها ربما تأتي من ضربة عفريت أو هجمة تمساح. أما المؤشر الثاني، فهو موقف بنكيران المتجمد أمام قرار منع نشاط لشبيبة حزبه بمناسبة ملتقاها لوطني الأخير بمدينة طنجة كان مبرمجا حضوره كرئيس الحزب و لكن كرئيس الحكومة التي يقودها عن نفس الحزب، حيث موقعاه بين هذا و ذاك ينفصلان بالاتصال. فمهما بدا ذلك المنع موضوعيا شكلا من حيث صدوره عن الجهة ذات الاختصاص و إن كان قد بني على خلفيات و دواعي مبالغ فيها لإيجاد تبريرات كان الهدف منها رساليا بامتياز للمرسل إليه أي إلى الشبيبة و منها إلى الحزب ثم إلى بنكيران، و ذلك بنفس أسلوب هذا الأخير في المواجهة غير المباشرة، مع جهات يعرفها و لا يسميها، بل فقط ينعتها بنعوت منحوتة لضمان التشويق و الفرجة لدى المتتبعين. غير أن المواجهة تظل في النهاية مواجهة غير شريفة ما دام يستمر فيها انخساف الطرف الثاني عن الظهور إما قصدا أو تكتيكا في إطار اتفاق ضمني للعبة هزلية نصف جارية و نصف متخفية، يعرف فيها بنكيران خصمه و لا يملك منازلته.