دعا أطباء وباحثون، وزارة الصحة إلى توفير الأرقام والمعطيات بخصوص الحالة الوبائية التي تعرفها مدينة طنجة خلال الأيام الأخيرة، خاصة على مستوى عدد الإصابات، وسن المصابي ، وسرعة ضبط المخالطين، وعدد الحالات الحرجة، والمدة الفاصلة بين الاكتشاف ودخول مراكز العناية، وغيرها من المعطيات. وأكدت التصريحات التي استقاها موقع "لكم"، على أن هناك خلل ما، لا يوجد فقط في الشارع، وجب الوقوف عليه ومعالجته. واعتبر من التقاهم الموقع أن التضحيات والمجهودات التي يقوم بها الجميع من كل القطاعات ستذهب سدى وتستمر الوضعية في التعقيد، خاصة وأن عدد الوفيات في تزايد مستمر في الأيام الأخيرة، كما تسجل المدينة إصابات بشكل موسع بين المهنيين الصحيين بالمستشفيات العمومية.
وتأتي هذه التطورات، في الوقت الذي عبرت فيه النقابات الممثلة للعاملين في المجال الصحي، عن قلقها حيال الاختلالات التي يعرفها قطاع الصحة بالإقليم، والتي تتفاقم آثارها السلبية يوما بعد يوم، لتترتب عنها بؤرة مهنية صحية، وإنهاك غير مسبوق للأطقم، كما تشتكي النقابات من غياب الحوار مع المسؤولين، رغم دعواتها المتكررة مندوبة الصحة للقاء مستعجل لإصلاح وترميم ما يمكن ترميمه، لكن بدون جدوى، قبل أن يتدخل والي طنجة حيث أعلن عن عقد لقاء بين النقابات الخمس المكونة للتنسيق النقابي الصحي بإقليم طنجة، والمندوبة الجهوية لوزارة الصحة دون تحديد تاريخ لذلك حتى الآن. نقص كبير في المستلزمات وفي تفسيره لارتفاع عدد الإصابات في صفوف الأطقم الطبية، قال الدكتور شكري مسرار الكاتب الجهوي للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام جهة طنجةتطوانالحسيمة، إن "هناك نقصا كبير في المستلزمات الوقائية من ملابس وكمامات طبية ومعقمات كحولية". وأضاف في حديث مع موقع "لكم"، أن "الأمر يعود أيضا إلى عدم وجود تنظيم في طريقة دخول المرضى إلى المستشفيات"، مشيرا إلى "حالة مستشفى محمد الخامس حيث كانت الإصابات هي الأكثر في صفوف الأطباء والممرضين والأطباء المقيمين والداخليين وتقنيي الأشعة وعاملة نظافة وحارس خاص". وقال شكري مسرار، "في هذا المستشفى ليس هناك باب خاص لدخول المرضى وباب خاص للخروج، بل هو باب واحد يكون فيه الازدحام، وليس هناك قياس للحرارة في الباب والمعقمات الكحولية كما في الأسواق الممتازة مثلا وفي كثير من القيساريات والمحلات التجارية، إلى غير ذلك من الاختلالات". وزاد في حديثه مع موقع "لكم"، "زيادة على ذلك عدم احترام الناس للقواعد الاحترازية من وضع الكمامات، والتباعد الجسدي، وعدم المصافحة و التقبيل، فلما رفع الحجر تساهل المواطنون مع هذه القوانين فارتفع عدد المصابين خصوصا في المعامل والمصانع حيث العدد الكثير من العمال، مشيرا إلى أن البؤر الوبائية التي أعلنت عنها السلطات كانت بأحد معامل النسيج بالمنطقة الصناعية الحرة في جزناية، و مناطق أخرى بمغوغة ومرس الخير والعوامة". أما لماذا هناك أرقام مرتفعة لعدد الوفيات، قال الطبيب النقابي، "لا يمكن لنا أن نتنبأ بالأسباب لأننا نحتاج إلى دراسة علمية ميدانية لمعرفتها، خاصة وأن بعض القرارات التي اتخذتها السلطات المحلية غير مفهومة، كالسماح لمن خارج طنجة بدخولها بدون قيود أو حتى التأكد من خلو النازحين إليها بأنهم غير مرضى أو حاملين للفيروس". في الحاجة الى معطيات مُحَينَة ومفصلة أما بالنسبة للدكتور الطيب حمضي، الطبيب والباحث في قضايا السياسات والمنظومة الصحية، فقال، "إنه لا يمكن القطع بالإجابات إلا إذا تم توفير الأرقام والمعطيات الحقيقية بخصوص عدد الإصابات، وسن المصابين، وسرعة ضبط المخالطين، وعدد الحالات الحرجة والمدة الفاصلة بين الاكتشاف ودخول مراكز العناية وغيرها من المعطيات". وأكد حمضي في حديث مع "لكم"، أن "هناك حاجة ملحة ومستعجلة لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذه الوضعية التي هي مرشحة للازدياد سوءا ان لم تتم معالجتها من الأساس، أوان تشهد مناطق أخرى نفس المصير ادا ما تكررت نفس الأسباب". وقال حمضي، "نحن كمهنيين وكإعلاميين وكمتتبعين وكمواطنين وكباحثين في حاجة إلى معطيات محيّنة ومفصلة جغرافيا حول عدد الكشوفات اليومية، الحالات المكتشفة، وتلك المستبعدة، وسن المصابين، وأقسام الإنعاش، والأمراض المصاحبة، والبؤر، مشيرا إلى أن النشرة المختصرة التي تقدمها الوزارة يوميا لا يمكن أن تحل محل المعطيات الكاملة والمفصلة"، مؤكدا على أن "الجميع قدم تضحيات من أجل التغلب على الوباء، وبالتالي نحن في حاجة الى تفكير جماعي وذكاء جمعي وأُهبة جماعية لمواجهة الوباء والقضاء عليه". وأشار الطيب حمضي إلى أن "هناك عدة أسئلة واحتمالات، في انتظار إجراء أبحاث مستعجلة من طرف السلطات الصحية وتقديم المعطيات المفصلة لفهم ما يحدث وتجنب أسبابه وتكراره بطنجة أو بباقي المناطق، رغم أن هناك مشكلة تزايد الحالات المكتشفة، وتسجيل عدد من الوفيات بشكل مستمر في الأيام الأخيرة، بالإضافة إلى تسجيل إصابات بشكل موسع بين المهنين الصحيين بالمستشفيات العمومية". وأكد المتحدث أن "الجميع أمام ضرورة مستعجلة لمعرفة الأسباب التي أدت لهذه النتائج من أجل تجاوزها إيجابيا، وعدم إرهاق المواطنين والمؤسسات والمقاولات والسلطات في محاولات متكررة ومستمرة لتصحيحاإختلالات غير مُشَخَصَة". خلل في المنظومة الصحية وقدم الباحث الطيب حمضي، بعض الاحتمالات بخصوص ما يجري بمدينة طنجة على مستوى الإصابات، وقال لموقع "لكم"، "قد يكون الأمر يتعلق بعدم احترام الإجراءات الحاجزية والوقائية، وقد يكون الأمر يتعلق بخلل في المنظومة الصحية التي لا تصل الى الحالات الجديدة إلا بشكل متأخر، أولا تضبط المخالطين بالسرعة المطلوبة كباقي الجهات، مشيرا إلى أن هناك خلل في التكفل بالحالات المكتشفة والمخالطين ومن ثم خلل في الحج من التفشي". أما على مستوى تزايد عدد الوفيات، فقال المتحدث "هناك احتمال، خلل في مصالح الإنعاش: موارد بشرية، قلة أو عدم صلاحيات أجهزة طبية، مشاكل تأطير وتطبيق البروتوكولات"، مشيرا إلى أن "هذه احتمالات بغض النظر عن الكفاءات البشرية التي تعتز مستشفيات المنطقة بوجودها، كما أن وصول الحالات بشكل متأخر لأقسام الإنعاش بسبب التأخر في التشخيص والعرض على أقسام الإنعاش محتملا". وأضاف المتحدث، أن "انتماء الحالات المكتشفة للفئات العمرية الكبيرة ولذوي الأمراض المزمنة أكثر من الجهات الأخرى بالمغرب، ولو انه مبدئيا الهرم الديمغرافي بطنجة وتوزيع الأمراض المزمنة غير مختلف عن باقي جهات المغرب". وبخصوص تزايد الإصابات وسط المهنيين، قال الباحث، "هناك احتمالات منها، عدم توفر وتوفير وسائل الحماية الجماعية والفردية بشكل كاف، وعدم احترام الإجراءات المنصوح بها مهنيا، بالإضافة إلى إصابة الطواقم الطبية بالإرهاق لأسباب متعددة، هذا فضلا عن مشاكل في تدبير الازمة الصحية". عودة العمال إلى طنجة دون مراقبة أمر غير مفهوم من دهته، اعتبر مصطفى بن عبد الغفور، النائب الأول لرئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة الشمال، في تصريح لموقع "لكم"، أن "عودة العمال من مختلف جهات المغرب إلى طنجة للالتحاق بمكان عملهم، دون مراقبة ودون تحاليل أو قياسة درجة حرارتهم أمر غير مفهوم، متأسفا على عدم مرافقة عودتهم بالإجراءات المطلوبة، لنتفاجأ بعد أسبوعين أو ثلاثة بأرقام وإصابات". وأشار المتحدث، إلى أن "عودة العمال من خارج طنجة جاء بعد أن تم استئناف الأنشطة الصناعية والتجارية حيث تعذر مثلا الوصول إلى 30 في المائة التي طلبت من اليد العاملة المحلية، وبالتالي كان مطلب المناطق الصناعية أن يعطى الإذن للعمال والعاملات من خارج طنجة ليعودوا ويستأنفوا عملهم، وللأسف لم ترافق عودتهم الإجراءات المطلوبة". ضرورة انخراط المجتمع المدني الجاد وفي تقدير مصطفى بن عبد الغفور، "كان لا بد من انخراط المجتمع المدني في ظل هذه الجائحة من أجل التحسيس، متأسفا على عدم إعطاء هذه الفرصة للمجتمع المدني الجاد والحقيقي الذي يسمعه الناس الذي له امتداد حقيقي للقيام بهذا الواجب، من أجل التعاون والتعبئة الشاملة، لأننا أمام فيروس فتاك يهددنا جميعا، وليس التعامل مع الجمعيات التي يختارها أعوان السلطة". وقال بن عبد الغفور لموقع "لكم"، "فعلا، اتضح أن هناك ثغرات معتبرا أن قرارات منتصف الليل لم تكن سليمة، داعيا إلى اتخاذ قرارات مبنية، مشيرا إلى أن المواطن إذا لم تقنعه بالقرار سيتملص منه حتى وإن كان يخاف من العواقب القانونية كما يحدث مع قضية الكمامات". وأبرز المتحدث، أن "ولاية طنجة لا تتوفر على خلية إعلامية ولا على ديوان للوالي بشكل مهيكل يسمح له بإصدار بلاغات متتالية، مشيرا إلى أن البلاغات المتضاربة التي صدرت، حيث خلقت نوعا من الارتباك وهي كلها بلاغات شفوية، مما يترك فرصة للتأويل والاجتهاد"، وهو ما أدى حسب بن عبد الغفور إلى "وقفة احتجاجية في شارع جزء منه تابع لمقاطعة بني مكادة والجزء الآخر محسوب على مقاطعة امغوغة مما ترك نوع الارتباك وعدم الوضوح". أما بخصوص تأثير ما يجري على النشاط الاقتصادي والتجاري، قال النائب الأول لرئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات بجهة طنجة،"إن التأثير كان كبيرا جدا، حتى على مستوى سمعة ومكانة المدينة، خاصة وأن وسائل الإعلام تفاعلت مع البلاغات والقرارات حيث تم الترويج لها على نطاق واسع، مما خلق نوعا من الرعب في نفوس الساكنة وزوارها". واعتبر بن عبد الغفور، أن "المفارقة أن المدينة وهي بهذا المستوى من الإصابات فهي مفتوحة في وجه الجميع، فقط ساكنة المدينة هي المحاصرة، هذا إذا علمنا أن بعض رجال السلطة للأسف خارج مكاتبهم مما يتعذر على المهنيين من التجار مثلا، تسلم الإذن بمغادرة المدينة لجلب سلع جديدة تناسب فصل الصيف". واعتبر المتحدث أن "الإجراءات التي سبق وأن اتخذتها الحكومة على المستوى الوطني كانت لها إيجابيات كثيرة جدا، لأنها كانت واضحة وكان هناك نوع من التواصل، وكانت هناك أيضا بلاغات تصدر كل لحظة وعند كل قرار، وبالتالي كانت هناك تعبئة شاملة وانخرط الجميع"، مشيرا إلى أنه "عندما تحول الأمر إلى طابع جهوي ومحلي لم تتخذ التدابير الكافية من أجل الحفاظ على المكتسبات ثم تفادي المحظور الذي وقعنا فيه". تساؤلات ودعوة لتشكيل لجنة من جهته اعتبر الباحث والفاعل المدني بطنجة عدنان معز في تصريح لموقع "لكم"، أن "الجميع يتساءل عن سبب ارتفاع عدد وفيات المصابين بالفيروس"، مشيرا إلى أنه "مما زاد من غرابة الأمر أن وزير الصحة أصبح يزور طنجة من حين لآخر لمتابعة الأمر، كما أنه تم إغلاق مجموعة من الوحدات السكنية والصناعية مما يظهر أن هناك شيئا ما يحدث". وأضاف عدنان معز "المفروض أن تكون هناك لجنة مختصة من خبراء وأطباء تعطينا الأسباب الحقيقية لهذا الإرتفاع المهول في عدد الوفيات"، متسائلا: "هل هناك تطور للفيروس ؟ هل هناك تقصير ؟ هل هناك جديد في الملف لا نعرفه ؟ كل هذه الأسئلة لا يمكننا الإجابة عنها إلا عبر دراسة ". واعتبر معز، أن "ما يؤلم أكثر هو أن عدد كبير من المصابين هم من الأطر الصحية، كما أن هناك معاناة وإرهاق شديد خاصة للأطر والعاملين في المجال الصحي الذين واكبوا العمل منذ البداية"، مشيرا إلى أنه "كان من المفروض أن تكون هناك شروط احترازية قوية حتى نتفادى إصابة هؤلاء الكوادر الصحية التي هي أصلا قليلة، وهو ما يجعلنا نتساءل ما الذي وقع ؟" وأشار المتحدث، إلى أن "هناك وحدات صناعية وتجارية، لا تلزم بالإجراءات والشروط الإحترازية"، وهذا ما جعل وزير الداخلية يهدد مجموعة من الوحدات بالإغلاق، داعيا السلطات المحلية اليوم أن تقوم بعمل ومجهود مضاعف لجعل الجميع يحترم الشروط الاحترازية . وأضاف معز، "ما لا نفهمه هو صعوبة خروج الساكنة من مدينة طنجة، في حين سهوله الدخول إليها للالتحاق بعملهم دون مراقبة"، مؤكدا "على ضرورة وضع استراتيجية واضحة وشفافة وتشاركية للتعامل مع الوباء، وأن تكون هناك قرارات مبنية على أسس علمية، أمام هشاشة هذا الوضع ، لان القرارات المتضاربة تجعل ردود الأفعال قد تكون معاكسة كما وقع في سوق بني مكادة"، معتبرا أنه "في البداية اتضح أن المغرب له إمكانات مجابهة هذه الطوارئ، قرارات كبرى اتخذت، لكن على المستوى المحلي لا بد اليوم من إشراك باقي الفرقاء من أجل التحسيس والتوعية لتجنيب مدينتنا أهوال هذه الجائحة".