أخيرا وبعد تكتم طويل أصدرت وزارة الخارجية المغربية بيانا يوم الخميس 25 أكتوبر، يقول إن الموفد الخاص للامين العام للامم المتحدة بان كي مون الى الصحراء كريستوفر روس الذي سحبت الرباط ثقتها منه، سيصل الى المغرب لاستئناف المفاوضات حول الصحراء. بيان الخارجية اكتفى بالقول بأن زيارة المبعوث الأممي "تندرج في اطار الجهود المبذولة لتحريك العملية السياسية الرامية الى ايجاد حل سياسي نهائي وتفاهمي للخلاف الاقليمي بشان الصحراء". ولم يذكر أي شيء عن سبب تراجع المغرب عن قراره السابق القاضي بسحب ثقته من كريستوفر روس. فعندما قرر المغرب من جانب واحد سحب ثقته من كريستوفر روس، صدرت العديد من التصريحات التي تدافع عن قرار المغرب وتعتبره منطقيا وواقعيا وينسجم مع مصلحة المغرب. فقد سبق لوزير الخارجية سعد الدين العثماني، أن وصف قرار المغرب سحب ثقته من روس بأنه قرار "جيد ومسؤول"، وأن القرار جاء بعد دراسة وتقييم شامل موضوعي لمسار المحادثات غير الرسمية٬ وأوضح أن التقييم خلص إلى تآكل مسار المفاوضات غير المباشرة٬ بعد انعقاد تسع جولات من اللقاءات غير الرسمية حيث أصبحت حبيسة أمور جزئية. بل، وذهب العثماني في تصريحاته إلى حد التأكيد بأن الحكومة المغربية لن تتراجع عن قرار سحب ثقتها من مبعوث الأممالمتحدة إلى الصحراء كريتسوفر روس، فقد قال العثماني أمام البرلمان "لا مكان لروس في أن يبقى وسيطا ما دام لم يلتزم الحياد". أما يوسف العمراني، الوزير المنتدب في الخارجية المغربية، فقد برر سبب قرار المغرب سحب ثقته من كريستوفر روس بالتراجع الذي عرفه مسار المفاوضات وحمل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة مسؤولية هذا التراجع بدعوى أنه لم يلتزم ب "الموضوعية والحياد الذي من المفروض ان يتقيد بهما كوسيط في عمليات المفاوضات". واتهمه بالعمل على "تحريف دور المينورسو، وسعيه الى تسييس مهمتها من خلال محاولة اقحامه لجانب حقوق الانسان في دورها وهو ما شكل انزلاق كبيرا الى جانب عدم إحراز أي تقدم في المفاوضات". نفس التأكيد على إصرار المغرب التمسك بقراره رفض وساطة كريسوفر، سيصدر عن مصطفى الخلفي٬ وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة٬ الذي سبق له أن أكد هو الآخر بأنه "ليس هناك أي تراجع عن موقف المغرب من سحب الثقة من المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء". وباندفاع أكبر وبلغة حاسمة اعتبر الخلفي أن "قرار المغرب سحب ثقته منه املاه واجب الدفاع والحفاظ على سيادته الوطنية على أراضيه"! كانت هذه تصريحات "كبار المسؤولين" التي عبر عن الموقف الرسمي المغربي طيلة خمسة أشهر الماضية، فما الذي تغير حتى غير المغرب موقفه، وأصدرت وزارة الخارجية بيانها "الخجول" الذي يعلن وصول كريستوفر إلى الرباط؟ ولن نفاجئ غدا إذا سمعنا نفس المسؤولين يناقضون تصريحاتهم السابقة، مرحبين ومنوهين بوساطة المسؤول الأممي الذي انتقدوه وحملوه مسؤولية الفشل والانحباس الذي تعاني منه المفاوضات. فحتى بعد صدور البيان الذي يكشف عن الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الملك محمد السادس والأمين العام للأمم المتحدة قبل أسبوعين، وهي المكالمة التي أكد فيها بان كيمون للملك تشبته بمبعوثه الشخصي إلى الصحراء، صرح العثماني قبل أيام مستبعدا قيام المبعوث الأممي بجولة جديدة في المنطقة إذا لم يتراجع عن موقفه المنحاز للبوليساريو مؤكدا أنه إذا حدث فيجب أن يعيد كريستوفر روس النظر في مواقفه! لكن العثماني كان صريحا، ولأول مرة صرح مسؤول مغربي محملا مسؤولية قرار صعب، ثبت اليوم أنه كان خاطئا أو على الأقل متسرعا، إلى الملك، عندما صرح رئيس الدبلوماسية المغربية، قبل أيام أن الملك هو الذي اتخذ قرار سحب الثقة من كريستوفر روس. وقال العثماني مبررا مسؤولية الملك في اتخاذ مثل هذا القرار بأن "قرارات مثل سحب الثقة من الوسيط الأممي أو سحب سفير من دولة أو إعادته، لا يمكن أن يكون في أي دولة من دول العالم قرارا يتخذ على مستوى الخارجية، بل هو قرار دولة يتخذ على مستوى رئيس الدولة". وبما أن الدستور المغربي لايسمح بمحاسبة الملك أو مسائلته، رغم أنه يمارس صلاحيات واختصاصات رئيس دولة، فمن سيحاسب على قرار سحب الثقة من روس؟ هل هم الموظفون، حتى لو كانوا بدرجة مستشارين أو وزراء، الذين أملوا على الملك اتخاذ مثل هذا القرار؟ أم هو رئيس الحكومة، لأنه أخل ب "واجب الدفاع والحفاظ على السيادة الوطنية للمغرب على أراضيه"؟! بالعكس، ما سنسمعه مستقبلا هو "اجتهادات" لتبرير القرار الخطأ، وقد استبق العثماني "جوقة" التبرير هذه، عندما حاول تفسير تراجع المغرب عن قراره. وحسب العثماني فإن المكالمة الهاتفية بين الملك والأمين العام الأممي "جاءت لتتوج مسار من المشاورات والتفاعلات. وهذا المستوى العالي من التفاعل يعطي ضمانات أكبر للنتائج المتوصل إليها"! وبعد صدور مثل هذه التصريحات عن مسؤول بدرجة وزير الخارجية يحمل فيها مسؤولية قرار اتضح نه كان "خاطئا"، أو على الأقل "متسرعا"، إلى الملك، يصعب أن نسمع غذا من يطالب بالمحاسبة أو المساءلة، ولن يعقد البرلمان بمجلسيه جلسات مغلقة أو عمومية للمطالبة بالتوضيح والاستفسار حول اتخاذ قرار والتراجع عنه خلال خمسة أشهر. ومع ذلك سيبقى من حق الرأي العام المغربي، أن يعرف ما الذي تغير حتى تغير موقف المغرب وتراجع عن قرار سحب ثقته من كريستوفر روس. هل أصبح روس أكثر نزاهة وحيادا كما طالب بذلك المغرب؟ أم هل اعترف روس بفشله في إدارة المفاوضات، كما اتهمه بذلك الجانب المغربي، وطلب فرصة أخرى لتجريب حظه، فسمح له المغرب باستئناف مهامه؟ وما الذي يجعل المغرب يتراجع عن قرار قال وزير الاتصال والناطق الرمسي باسم الحكومة إن "واجب الدفاع والحفاظ على السيادة الوطنية للمغرب على أراضيه" هو الذي أملى عليه اتخاذه؟ مجموعة أسئلة لن تجد طريقها إلى البرلمان، ولا إلى الصحافة "الوطنية"، ولا إلى الإعلام الرسمي، لأن بكل بساطة من اتخذ قرار سحب الثقة من روس هو الملك، ومن سيستقبل روس عند وصوله إلى الرباط هو الملك.