لم تكن المفاجأة في تبني «حزب الله» طائرة «أيوب» التي حلّقت الأسبوع الفائت في سماء فلسطينالمحتلة هي اكتشاف وجود طائرات من دون طيار في حوزة الحزب، فقد أعلنت مصادر إسرائيلية حيازته هذا النوع من الأسلحة في أكثر من مناسبة. كانت المفاجأة في المساحة التي قطعتها الطائرة والمناطق الحساسة التي حلّقت فوقها قبل اكتشافها وإسقاطها. وهذا، وفق أي مقياس، إنجاز عسكري كبير وفّره «حزب الله» بما هو قوة دفاع وطني، جنباً إلى جنب مع الجيش اللبناني، بعدما أنجز، وسواه، مهمات المقاومة والتحرير الوطني أو يكاد (مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم اللبناني من قرية الغجر). أما السجالات التي لا تزال دائرة حول هذا الموضوع فتستحق التعليق. أبرزها طبعاً تصريح الرئيس فؤاد السنيورة، رئيس الكتلة النيابية ل«تيار المستقبل» الذي رأى في تحليق الطائرة فوق أجواء فلسطينالمحتلة خرقاً للقرار 1701، بل استفزازاً لإسرائيل، لأن الطائرة حلّقت فوق المنشآت النفطية والغازية لإسرائيل ومفاعلها الذري في ديمونة، ف«كأنه إعلان حرب». بادئ بدء، يعترف الرئيس السنيورة بأن عملية تحليق الطائرة شكّلت «إنجازاً تقنياً وعسكرياً». فلعله والحالة هذه يفسّر لنا كيف كان للعملية أن تكون مثل هذا الإنجاز من دون أن تخرق الطائرة القرار 1701 ومن دون أن «تستفز» إسرائيل بالتحليق فوق مواقعها ومنشآتها الاستراتيجية والعسكرية والنووية؟ من جهة أخرى، لعل رئيس وزراء لبنان إبان العدوان الإسرائيلي صيف 2006 يتذكّر أن القرار 1701 يدعو «حزب الله» إلى وقف عملياته العسكرية، «كأنه» هو المعتدي على الجيش الإسرائيلي، بينما يطالب القوات الإسرائيلية بمجرد الانسحاب من الأراضي اللبنانية. لكن، ما معنى أن يكون التحليق «كأنه إعلان حرب»؟ ليس من حاجة لأن يعلن أحد «الحرب» على إسرائيل. لبنان في حالة حرب مع إسرائيل. وإلا فما هو توصيف العلاقة بينهما؟ وباسم ماذا تجري محاكمة وتجريم وإنزال العقوبات بحق المتهمين بالتعاون مع «العدو» الإسرائيلي؟ لم تعد هدنة العام 1949 ناظمة للعلاقة بينهما، أولاً لأن إسرائيل لم تعد تعترف بها؛ وثانياً لأن لبنان إذ اعترف بأن له أراضي محتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر، فإنه قد انضم إلى الدول التي ينطبق عليها القرار 242، أي تلك الخاضعة لمعادلة إعادة الأراضي العربية المحتلة العام 1967 في مقابل اتفاقية سلام مع دولة إسرائيل. وعادة ما تكون اتفاقيات السلام هي التي تنهي حالات الحروب. تحليق الطائرة استفزاز لإسرائيل «كأنه إعلان حرب». مَن يعلن ذلك، هل سوف يعتذر إذا لم تقع حرب بسبب تحليق الطائرة؟ وتحليق الطائرة خرق للقرار 1701. يمكن تسجيل هذا الخرق، بين «خروق» عدة مارسها لبنان لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، تقابلها خروقات الطيران الحربي الإسرائيلي الأجواء اللبنانية المستمرة منذ العام 1968 بمعدل مرات عدة في اليوم الواحد. فهل من طرف لبناني، رسمي أو شعبي أو أهلي أو حزبي أو إعلامي، يستغلّ هذا «الخرق» لينبّه هذا العالم الظالم الى أنه لا من سميع ولا مجيب في الأممالمتحدة ومجلس أمنها وجمعيتها العمومية، وما يتفرّع عنها من مؤسسات، ناهيك بما يسمّى الرأي العام العالمي، تجاه الشكاوى والمذكرات اللبنانية بالآلاف عن الخروقات الإسرائيلية لحدودها وسيادتها على الجو والأرض والمياه والبشر؟ وتحليق الطائرة «انتهاك» للسيادة الإسرائيلية على أجواء فلسطينالمحتلة، يريد البعض تصويره على أنه انتهاك لسيادة الدولة اللبنانية على اعتبار أنه يخرق حق الدولة اللبنانية في احتكار السلاح والإمساك بقرار السلم والحرب. هو كذلك. منذ أن قرّرت الدولة اللبنانية ضرب سيادتها بنفسها عندما منعت الجيش اللبناني من أن يمارس مهمته المركزية في الدفاع عن الحدود والرد على الانتهاكات الإسرائيلية ومقاومة غزوات 1978 و1982 حتى لا نتحدث عمّا قبلهما وبعدهما. والجواب هو بإعادة الاعتبار لسيادة الدولة عن طريق احتكارها السلاح بواسطة أي نوع من أنواع التنسيق بين قوتي الدفاع الوطني اللبناني القوات المسلحة اللبنانية والقوات المسلحة التابعة ل«حزب الله» وصولاً إلى أي شكل من أشكال الوحدة والاندماج بينهما، عتاداً وسلاحاً وعديداً. وتحليق الطائرة «رسالة» إيرانية تذكّر إسرائيل بالقدرة على المعاملة بالمثل: «تضرب لي مفاعلي أضرب لك مفاعلك». والاعتراض هنا: ليس لبنان منصة لإطلاق «رسائل» إيرانية إلى إسرائيل. ما من شك في أن إعلان مصدر رسمي إيراني أن الطائرة طائرته زوّد المعترضين بكل الحجج اللازمة لتأكيد فرضية «الرسالة» الإيرانية، ووفّر الغطاء اللازم لكل من يريد نزع أي هدف دفاعي وطني لبناني عن مهمة «أيوب». هذا موضوع للبحث بين قيادة «حزب الله» والقيادة الإيرانية. لكن، إذا اكتفينا من الرمزية بهذا الحد العبثي، نستطيع أن نلتفت للأساس: هل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تعرف العسكرية الإسرائيلية، تقريباً، نوع الأسلحة الصاروخية الدفاعية منها والهجومية (البعيدة المدى) التي تستطيع نشرها في حال الهجوم عليها، ومداها وقدرتها التدميرية، بحاجة لتذكير إسرائيل بأن لديها، فوق ذلك، طائرة استطلاع قادرة على حمولة محدودة جداً من الصواريخ والقنابل الخفيفة؟ للمناسبة، كل قضية الطائرة البلا طيار وثيقة الصلة بالموضوع النووي الإيراني. ما يستدعي السؤال الأهم: ما موقف لبنان الرسمي من النزاع حول حق إيران في التخصيب وإمكان تطوير سلاح نووي؟ هل انه مع العقوبات على إيران، أم ان كل ما يملكه هو صرخات «إجا الديب» الصاعدة والهابطة في أرجاء العالم منذ سبع سنوات عن قرب ضربة إسرائيلية، أو إسرائيلية أميركية، للمنشآت النووية الإيرانية؟ وإذا غادرنا قرع طبول الحرب، فالسؤال موجّه أيضاً للآذاريين في البلد الصغير الذي تجاوره ترسانة عسكرية تضم لا أقل من 300 رأس نووي ووسائل توصيلها: هل الآذاريون الرقم 8 يؤيّدون امتلاك إيران السلاح النووي، في مقابل امتلاك إسرائيل سلاحها النووي، أم انهم من أنصار تحويل الشرق الأوسط الى منطقة منزوعة السلاح؟ والسؤال ذاته موجّه للآذاريين الرقم 14 بصدد الشرق الأوسط المنزوع السلاح، يضاف إليه: هل هم معنيون بغير أولوية «الخطر الإيراني»، النووي أو غير النووي، ما يبرّر للعربية السعودية أن تباشر مشروعاً للتخصيب بمباركة أميركية، وما يفترضه من أرباح ترليونية للصناعة الحربية والنووية الأميركية؟ وما ينطوي عليه من التواطؤ ذاته بصرف النظر عن المعركة الرئيسية من أجل شرق أوسط خال من السلاح النووي؟ قال الذئب للحمل: عكّرت لي الماء.