هل أصبح كل من يغرد خارج السرب، خارجا عن الإجماع الوطني، ومهددا للحمة الوطنية؟ أي حمق، وأي جنون هذا، الذي أصبحنا نطالعه بشكل متكرر في مواقع إلكترونية، لا تمل من نشر الترهات، ومن ممارسة الابتزاز المكشوف، ضد أكثر من جهة؟ الإجماع الذي يؤطر الظرف الحالي في المغرب، هو الاتفاق المبدئي على أن المرحلة استثنائية، وأن الحالة الوبائية في البلاد، تستدعي من المواطنين والمواطنات، احترام حالة الطوارئ الصحية، والتقيد باجراءات وتدابير الحجر الصحي المتخذة من طرف السلطات المعنية في الدولة. أما غير ذلك، فهو مجرد عهر إعلامي لا أقل ولا أكثر! إذا حدث أي تجاوز حقوقي، فإن الأمر يستوجب الإدانة، وإذا حدث أي إخلال بمقتضيات الدستور، فإن التنبيه إلى ذلك، يصبح واجبا وضروريا لصيانة التشريع الأساسي في الدولة، وإذا تجاوزت الحكومة حدود اختصاصاتها، فإن المجتمع يراقب ممارساتها، ويواجه أي تعسف، أو شطط من جانبها بكل الطرق المشروعة، وإذا حدثث أي تجاوزات، من طرف أي مسؤول داخل الدولة، مهما علا شأنه، أثناء ممارسته لمهامه المؤطرة بالقانون والدستور، فإن إعلان حالة الطوارئ الصحية في البلاد، لا تحول دون ربط المسؤولية بالمحاسبة! وفي هذا الاطار، فقد نشرت بعض (المواقع الالكترونية)، بأسلوب يفتقد لوازع الأخلاقيات في ممارسة مهنة الصحافة، أن وزير الصحة السابق، الحسين الوردي، مسخوط الملك، -في إشارة لقرار اعفائه من مهامه الوزارية بسبب مشروع الحسيمة منارة المتوسط- وأنه يغرد خارج الإجماع الوطني، ويدفع في اتجاه تفكيك اللحمة الوطنية! أتدرون لماذا كل هذا الجنون؟ السبب، هو أن الرجل، الذي مارس مهنة الطب، قبل ان يكون وزيرا سابقا للصحة، أعطى رأيه حول دواء كلوروكين، وحول مدى نجاعته في معالجة فيروس كورونا، بشكل يستشف منه، أن ما تقوله الحكومة بخصوص فعالية الكلوروكين غير دقيق! هل هذه جريمة تستوجب تكليف مواقع" إليكتريكية" بالهجوم على الرجل، كما لو أنه ارتكب جريمة خيانة الوطن؟ هل أصبح الكلوروكين من المقدسات في المغرب في زمن كرونا؟ أم أن هناك من رأى في كلام الرجل، خطرا على مصالح خاصة لشركات معينة، فأطلق العنان لمواقع التشهير لكي تنهش في لحمه؟ أم أن الأمر لا يخرج عن نطاق التملق الصحفي عبر نافذة الإجماع الوطني؟ هذا النوع من الممارسات في الإعلام، تنم عن تخلف رهيب في الذهنية، وعن جهل مطلق بأبجديات العمل الصحفي الجاد والمسؤول.كما تؤشر على وجود تحول خطير في وظيفة الصحافة في المغرب، من صحافة تبحث عن الخبر، وتقتفي أثره، في كل مناحي الحياة السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية، إلى صحافة للتشهير، والسب، والقدف، وانتهاك حقوق وحريات الناس في الرأي والتعبير! كل من يسوق اليوم لفكرة الإجماع الوطني بشكل تعسفي، وخارج إطار السياق الذي أشرنا لها في بداية هذا المقال، فإنه يبيع للمجتمع بضاعة فاسدة، وغير صالحة للاستهلاك نهائيا، ومكانها الطبيعي في تقديري الشخصي، هو مزبلة التاريخ! تسويق فكرة الإجماع الوطني خارج اي سياق موضوعي، فعل بئيس، وعندما يقترن هذا الفعل، بالسب، والقذف، والتشهير، يتحول الى سلوك سلطوي، قمعي مرفوض، يتعارض مع الخيار الديمقراطي كثابت دستوري في المملكة، ومع كل القيم الحقوقية والإنسانية النبيلة!