بعد المأساة الإنسانية التي لا زالت فصولها تجري على أرض سوريا، بتواطؤ دولي مكشوف مع العصابة الإرهابية الحاكمة، هل يمكن أن نقول أن الستار أُسدل على زمن الربيع العربي؟ بعبارة أخرى، هل توقفت الثورة في سوريا، أم أن هناك دولا عربية أخرى مرشحة لكي تصلها ارتدادات الزلزال الثوري الذي ضرب في تونس أول مرة؟ من يقف عند المشاهد الدموية المؤلمة التي تنقلها "الكاميرا الخفية" لأبطال سوريا، قد يصاب بحالة من الأسى الممتزج بالتشاؤم، بسبب المجازر الوحشية التي يرتكبها فرعون سوريا وجنوده، دون أن يتحرك ضمير "العالم الحر" لإنقاذ شعب أعزل من حرب إبادة لا ترحم بشرا ولا حجرا ولا شجرا. إذن، الصورة كما تصلنا من أرض الصمود الأسطوي، تحمل رسائل غربية مزدوجة، رسالة تبشيرية موجهة لأنظمة الاستبداد المتبقية في البلاد العربية، تطمئنهم بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، من انتقال الثورة إلى بلدانهم، ورسالة إنذارية لبقية الشعوب العربية، بأن نفس مصير الشعب السوري ينتظرها إن هي فكرت في الثورة. إذا كان البعض لا يحب طرح نظرية المؤامرة عند تفسير الأحداث والوقائع السياسية، فإننا نعتبر بأن هذه النظرية لا زالت لم تفقد راهنيتها في تفسير كثير من الأحداث الداخلية والخارجية. فلا يمكن تناول حدث أو واقعة سياسية، دون ربطها بأبعادها الإقليمية والدولية، خاصة أن تاريخ المنطقة العربية شاهد على الأطماع الإمبريالية الغربية، وبالتالي فإن ما حصل ويحصل على طول الخريطة العربية، لا يمكن أن تكون أحداث داخلية بحتة، بل لها خلفيات خارجية متعددة. وما دمنا نتحدث عن ثورات الربيع العربي، فإن ما حصل في تونس من ثورة مفاجئة لم يتوقعها أحد، وامتدت إلى دول عربية أخرى، أصاب العالم بالذهول بما في ذلك الدول الغربية، التي لم تستطع أجهزتها الاستخبارية والأمنية والبحثية أن تتوقع حصول هذا الزلزال الذي أحدث رجة قوية في الجغرافيا العربية. وكان لهذا الزلزال تداعيات كبيرة على بعض الأنظمة السياسية العربية، التي تحولت من أنظمة شمولية استبدادية إلى أنظمة انتقال ديمقراطي، لكن هناك أنظمة سياسية، لم تنتقل إليها الثورة، لعدة أسباب داخلية وخارجية، واحتفظت فيها أنظمتها - رغم أنها لا تختلف عن الأنظمة الساقطة- بزمام المبادرة، فعمدت إلى إحداث بعض الإصلاحات السياسية الجزئية لتفادي الزلزال. لكن السؤال الذي يفرض نفسه، هو هل تجاوزت الأنظمة الاستبدادية العربية المتبقية مرحلة الخطر؟ إن ثورة الشعوب على الظلم والاستبداد، أشبه ما تكون بالزلزال، يحدث فجأة وبدون سابق إنذار، ومهما بلغت أجهزة الأنظمة الاستخبارية والأمنية، فإنها لن تستطيع رصد زمن حدوثها، وإذا اندلعت فلا تردّها شرطة ولا جيش... والحالة التونسية ليس ببعيدة عنا، فلو كانت الحلول الأمنية والقمعية ذات جدوى في مواجهة ثورة شعب، لكان نظام بن علي قد أفلح في إخمادها، سيما وأنه نظام بوليسي قمعي، كان يضرب به أسوء مثال في قمع شعبه، وكما لم تنجح أجهزته في توقع الثورة لم تفلح في إيقافها... في سوريا كذلك نظام استبدادي قام على قهر الشعب وإخضاعه بالقوة، ورغم ذلك عندما دقت ساعة الحقيقة، وأعلن الشعب عن إرادته بإسقاط النظام الظالم، لم ترده وحشيته وهمجيته ، بل استمر في ثورته لأكثر من عام ونصف، ولا زال يقاوم حرب الإبادة الطائفية التي يشنها القتلة على شعب أعزل إلا من إيمانه بوعد الله بالنصر القريب. تأسيسا على ما سبق، فإن الأنظمة العربية التي لم تصلها ارتدادات زلزال الشعوب، ستكون مخطئة إن هي ظنت أن زمن الربيع العربي قد ولىّ وانقضى، وأنها أصبحت في مأمن من حدوث ارتدادات زلزالية في أي لحظة، إذا لم تسرع لإحداث تغيير حقيقي في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لأن الاحتقان الشعبي لا زال قائما في هذه الدول بسبب الأزمة الاجتماعية التي وصلت إلى مستوى خطير، وإنّ أي تماطل أو التفاف على مطالب الشعوب بالإصلاح، فإنه يعرّضها لخطر الزلزال الثوري، لأن الشعوب التي لم تثُرْ على أنظمتها يحدوها أمل في تغيير أوضاعها دون إراقة الدماء، أما في لحظة فقدانها لهذا الأمل، فلا يبقى أمامها إلا طريق واحد: الثورة...