عندما سئل مسئول في شركة هيونداي الكورية المتخصصة في صناعة السفن العملاقة (أربع سفن في اليوم) والسيارات (12000 سيارة في اليوم) عن سبب عدم قدرة أي من الدول العربية إنشاء مصنع بالقدرات الإنتاجية لشركة هيونداي، عندما سئل مسئول في شركة هيونداي الكورية المتخصصة في صناعة السفن العملاقة (أربع سفن في اليوم) والسيارات (12000 سيارة في اليوم) عن سبب عدم قدرة أي من الدول العربية إنشاء مصنع بالقدرات الإنتاجية لشركة هيونداي، أجاب بأن العرب وبرغم وفرة مواردهم إلا أن هذه الموارد تعود ملكيتها لعائلات وهذه العائلات حتى وإن امتلكت الإرادة إلا أنهم لا يثقون في أحد خارج العائلة "أما نحن“ يضيف "فبفضل النظام الاجتماعي التآزري الذي نتمتع به عززنا الثقة في ما بيننا ومنحنا الفرصة للأفضل من خلال فتح الباب أمام المنافسة البناءة، فمثلا نحن نحقق أرباحا سنوية بقيمة 46 مليار دولار 6 في المئة منها تخصص لمجال التطوير وجلب الخبرات من الجامعات الكورية وعبر العالم“. الاستبداد إذن هو ما رأى فيه هذا المسئول الكوري سببا مباشرا لعدم تحقيق الإقلاع الاقتصادي. لكن هذا ليس صحيحا إذا ما قارناه بعوامل نجاح نهضة كوريا الجنوبية في أول الأمر. ففي مطلع الستينات كانت كوريا خارجة للتو من حروب إقليمية جعلتها تبدو كمعظم دول إفريقيا جنوب الصحراء. وبعد صراعات سياسية لا متناهية قاد الجنرال سونج هي انقلابا ضد حكومة ديمقراطية وحكم البلاد بالنار والحديد لكنه عرف بأن الأولوية يجب أن تكون للأفواه الجائعة. فكان أن أصابت كوريا التنمية والديمقراطية في آن واحد. كان المغرب قد دشن في فاتح يوليوز 2011 حزمة من الإصلاحات الدستورية سمحت بمساحة أكبر للمشاركة السياسية ووسعت من حجم الحريات لكن هذه الإصلاحات لم تحمل تغييرا يذكر يلامس مستوى عيش المواطن البسيط الذي لايزال يعاني من الفقر والبطالة ونقص في الخدمات الصحية وغيرها من المشاكل الاجتماعية المتزايدة في ظل أزمة مالية تفرض إعطاء الأولوية القصوى للإجراءات الكفيلة بالتخفيف من آثارها وتجاوزها في مدى منظور. هذه الإصلاحات السياسية والتوسيع في مجال الحريات ليست هي من أكسب حزب العدالة والتنمية أغلبية المقاعد النيابية. إن الذي عزز ثقة الناخب المغربي في الإسلاميين هي الأرقام الكبيرة التي تحدث عنها ووعد بتغييرها من قبيل 8.5 مليون أسرة معوزة، مليون عاطل عن العمل، نقص في 700 ألف وحدة سكنية، 30% نسبة الأمية، 26% نسبة الحرمان من الولوج للصحة ... . هذه الأرقام المخيفة هي التي دفعت المغاربة إلى استباق التغيير الذي حصل في بلدان الربيع العربي فوضعوا ثقتهم في نزاهة و جدية أصدقاء بنكيران لكي يعملوا على التخفيف من وطأة هذه الأرقام. فالسؤال الذي يشغل المواطن المغربي ليس هو من يحكم؟ أو كيف يحكم؟ بل من يضمن رغيف الخبز. عندما وصل الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا إلى الحكم في 2003 كانت البلاد ترزح تحت مستويات مقلقة من التسرب المدرسي والفقر والبطالة والجريمة المنظمة بالإضافة إلى ارتفاع الدين الخارجي إلى 250 مليار دولار مما أفقد الاقتصاد ثقة المنظمات الدولية المانحة والمستثمرين. وكان أصبع داسيلفا المقطوع في حادثة عمل دليل على أنه سينتصر للطبقات الفقيرة وهو ما أثار المخاوف لدى الأثرياء. لكن المفاجأة كانت أن الرئيس الجديد لم يشغل تفكيره بمطاردة أصحاب رؤوس الأموال بل قام بإحصاء الأسر الفقيرة وأعطى لكل أسرة راتبا شهريا (بولسا فاميليا) على أن تلتزم الأسر بإرسال أطفالها إلى المدرسة والإلتزام بالحصول على الأمصال واللقاحات بشكل منتظم. كما أعطى للفقراء قروضا بأسعار فائدة مخفضة وهو ما شجع على خلق الثروة حيث تقول الإحصاءات بأن أكثر من نصف سكان البرازيل زاد دخلهم في العقد الأخير بنسبة 68%. أما درس الديمقراطية فأعطاه الرئيس لولا عندما رفض عند نهاية ولايته الثانية القيام بتعديل دستوري للفوز بولاية ثالثة وآثر دعم مرشحة حزبه ورئيسة الوزراء ديلما روسيف. نسوق هذه الأمثلة الحية ونحن نعلم أن القوى الكبرى في المغرب وأعني بذلك شركاء الحكم من الملك والنخب السياسية لا تزال في صراع من أجل السيطرة على ذروة المشروعية العليا التي تعلو ولا يعلا عليها، والمشروعية في المغرب كما في غيره من البلدان الإسلامية ما بعد الاستقلال كانت ولا تزال لمن يلبس العباءة الدينية؛ الدين الذي يعتبر الملجأ الأساسي الذي يستعصم به الناس في أوقات الشدة والضيق، وليس الدين الذي يحقق الحرية، يغزو الآفاق، ويصنع الحضارة. إن مبدأ دولة الرفاهية في بلد كالسويد يمثل الأساس الأول لكل مشروعية ذلك أن الدولة ملزمة بأن توفر لمواطنيها كل الضمانات الصحية والاجتماعية والوظيفية والسكنية..الخ. فماذا يريد المواطن أكثر من ذلك؟ إن هذه الحاجيات الأساسية التي تضمن العيش الكريم هي المطالب الأولى لكل مواطن مغربي، واستجابت حزب العدالة والتنمية لهذه الحاجيات هي التي ستشكل أساس قاعدته الشعبية ومنبع مشروعيته. أما مطاردة الساحرات والاضطرار بين الفينة والأخرى إلى الاعتذار للملك لن يؤديان إلا إلى تأخير في الإنجاز وسيسقطانه أمام أول استحقاق انتخابي قادم.