إن الذي يعتقد أن معركة التغيير في المغرب قد انتهت و حسمت بدستور 2011 أو بانتخابات 25 نونبر، فهو إما أنه لا يستوعب مدى عمق التحكم و الفساد و السلطوية التي تنخر البلاد منذ ما يزيد عن قرن من الزمن، أو أنه مستفيد من الوضعية المزرية و يسترزق منها و بالتالي فليس من مصلحته أي تغيير قد يُفسد عليه نعيم الاستفادة، أو أنه من أولئك اللذين يرضون بأي قليل و غير مستعدين للمشاركة في العمل من أجل تحقيق الأفضل، أو أنه من معشر الإنتظاريين اللذين ينتظرون "استجابة القدر" و أن يأتي التغيير من قمة الهرم لا من قاعدته، أو أنه من اللذين لازالوا يعتقدون أن "الحيطان لها أودان" كما كان يقول إخوتنا المصريين أيام كان يحكمهم من كان همه الحفاظ على أمن "إسرائيل" في إشارة منهم إلى المخابرات التي كانت منتشرة في كل الأحياء و المحافظات و تجمع كل صغيرة و كبيرة على كل المواطنين و هم طبعا غير مستعدين للدخول في لعبة شد الحبل مع هذه المخابرات، أو أنه من أصناف أخرى قد يطول الحديث في جردها.. المتحكمون الحقيقيون في المغرب أناس أذكياء جدّا، و ليس من السهل إزاحتهم أو مشاركتهم في لعب الأدوار بمجرد الحصول على ثقة الشعب و الوصول إلى الحكومة -و التي لا تعني الحكم طبعا-، إنهم أناس خبروا دهاليز الحكم و ما يجري فيه و حوله. إنهم هم من يقف وراء سنّ القوانين و هم من يتحكم في الاقتصاد بما ورثوه من أموال و مكتسبات أيام السيبة القانونية و الغفلة الشعبية. إنهم أؤلئك اللذين نرى براءتهم و وداعتهم المصطنعة في وسائل الإعلام و التي بالمناسبة هي-إي وسائل الإعلام- من صُنع أموالهم والتي هي في الأصل أموال هذا الشعب الكريم! هل نزيد في شر من هم هؤلاء؟! إنهم أؤلئك اللذين أتوا بشخص لا علاقة له بالإعلام لا من قريب و لا من بعيد و وضعوه على رأس قناتي الإعلام الذي يسمى تجاوزا بالعمومي رغم أنه يخدم مصالح ذوي النفوذ الخصوصي! و هم من جاء بمدرب فاشل ضدّا على رغبة الشعب و للإشارة دائما فمرادف كلمة "الشعب" في قاموس هؤلاء هي كلمة "قطيع"، و هم من يعرضون الخمور للبيع علانية بحجة الانفتاح ثم يعتقلون حاملها و المحمولة إليه بحجة الإخلال بالأخلاق العامة! إنهم أؤلئك اللذين يهددون بسحب استثماراتهم و أموالهم التي اغتنموها باسم القانون طبعا و الذي هم من صاغ نصه بطريقة أو بأخرى! و لكم في وزير المالية السابق دليل لأولي الألباب . الحكم اليوم في المغرب يتجاوز الحكومة رغم الصلاحيات الدستورية التي تتمتع بها و رغم أنه يقودها حزب حصل على أزيد من مليون صوت في انتخابات وصفت بالنزيهة، و هي سابقة لم يعرفها أي حزب في تاريخ المغرب. الحكم بيد من كان رئيس الحكومة ذكيا في وصفهم بالساحرات و العفاريت و التماسيح ...رغم أننا وددنا لو سمّيت الأشياء بمسمياتها، لكن عزاؤنا في ذلك أنه لأول مرة نسمع رئيس حكومة يقول بأن هناك من يضايق عليه و على حكومته، و يرسل للمغاربة إشارات قوية بقوله "أنا مجرد رئيس حكومة" بأن معركة انتزاع الحقوق بدأت بالوصول إلى الحكومة، حيث بدأ من اتفق المغاربة على نزاهتهم في اكتشاف من هم المتحكمون الفعلين في مصير البلاد و و كرامة و خبز العباد.