بعد الضجة الإعلامية وموجة من النفي والإستنكار التي أثارتها مقالة لإذاعة هولندا العالمية بعنوان "محاولات ذكورية لاستغلال معاناة الفتيات السوريات" تمكن صحافيو الإذاعة من الوصول لبعض المكاتب المسؤولة عن تزويج لاجئات سوريات. وتبين أن هذه المكاتب تسعى إلى التوفيق بين طالبي الزواج الليبيين ولاجئات سوريات. وتعتبر هذه المكاتب نفسها "مسؤولة أمام الله" عن هذه الزيجات. مكتب عقاري لم تكن عملية العثور على مكتب لتسهيل الزواج من لاجئة سورية صعبا، إذ ورد لإذاعتنا أنباء عن مكاتب خاصة تقدم مثل هذه الخدمات في مدينة بنغازي الليبية التي تستضيف عددا من العائلات السورية اللاجئة. إذاعة هولندا العالمية أوفدت الزميل الصحفي إبراهيم الفرجاني لمكتبين مختلفين في مدينة بنغازي ليستقصي الخبر. وللتأكد من المعلومات التي وصلتنا تظاهر الصحافي بأنه شاب ليبي مقبل على الزواج ويبحث عن زوجة سورية لاجئة. للوهلة الأولى لا يبدو أن المكتب العقاري في شارع تجاري بمدينة بنغازي يقدم مثل هذه الخدمات، لكن وبعد الاستفسار عما سمعه الصحفي من شبكته الاجتماعية تبين أن المكتب يقدم خدمات الزواج إلى جانب الخدمات العقارية المعتادة. سرية تامة يقول الصحافي الزبون "العملية كما يصفها صاحب المكتب تبدأ بالتقدم بطلب خطي فيه اسم الشخص وعنوانه وسنه والمواصفات التي يبحث عنها في زوجة المستقبل، بشرط أن يدفع مبلغ 500 دينار ليبي (حوالي 300 يورو) لبدء المعاملة". ووفق مدير المكتب فإن العملية تتم بسرية تامة وأن المكتب يتعامل مع شخص آخر من داخل المخيم الذي يقيم فيه اللاجئون السوريون. وتلعب زوجة هذا الشخص دور الخطّابة وتقوم بالبحث عن الزوجة المناسبة وفقا للمواصفات التي طلبها الشاب. جدير بالذكر أن لاجئين سوريين وصلوا لليبيا عن طريق مصر وتم إيواؤهم في القرية السياحية بالمدينة وفقا لمعلومات الصحافي. مسؤول امام الله بدوره شرح مدير المكتب بأن المكتب مسؤول "أمام الله" عن الشاب المتقدم للزواج، وأنهم يقومون بالسؤال عنه والتأكد من حسن سمعته وأخلاقه لأنهم "دينيا وأخلاقيا مسؤولون عن هذه الزيجة" كما قال مدير المكتب. عملية البحث عن زوجة تستغرق أسبوعاً أو أسبوعين وفقا لمدير المكتب، وفي حال العثور على الزوجة المناسبة تنسق الخطّابة اللقاء الأول بشرط أن يصطحب الشاب عائلته لرؤية العروس "كي يتأكدوا أنه يريد فعليا الارتباط بهذه الفتاة ولا يبحث عن علاقة مؤقتة" وفقا للمدير. حاول مدير المكتب طمأنة طالب الزواج من أن جميع العلاقات التي رتبها مكتبه كانت ناجحة وأنه لم ترده شكاوى من قبل لا من طرف العروس ولا من طرف العريس، حتى أن زبائنه "جاؤوا له بالمرطبات والحلويات لشكره على جهوده واختياراته". تكاليف أقل لماذا ينجذب الشاب الليبي للزواج من سورية؟ يقول الفرجاني: "ظاهرة الزواج من سورية كانت معروفة حتى قبل الثورة، والمعروف عن السوريات أنهن جميلات". السبب الأهم كما يعتقد الفرجاني هو تكلفة الزواج مقارنة بالزواج من بنات البلد. ومع أن مدير المكتب أكد لطالب الزواج أن تفاصيل الزيجة مثل المهر والمؤخر وما إلى ذلك هي أمور لا يتدخل فيها وتُحسم بين عائلتي العريسين، إلا أنه طمأنه أن التكاليف "أسهل بكثير من تكاليف الزواج في ليبيا، وأن العائلة السورية تطلب فقط مسكنا مناسبا ولا تطلب كم الذهب الذي تطلبه العائلة الليبية في العادة". صفحات متضاربة تصاعدت مؤخرا الأصوات السورية النافية لوجود مثل هذه الزيجات بأنها أخبار غير صحيحة، وأنها مهينة للمرأة والشعب السوري، لكنها في الوقت نفسه نعتت هذا النوع من الزواجبأنه استغلال لمحنة الشعب السوري. وقام ناشطون سوريون عن موقع فيسبوك بفتح صفحات خاصة للتوعية حول هذه الظاهرة منها صفحة "لاجئات لا سبايا"، وصفحة "لا لبيع الحرائر وتزويجهن رغماً عنهن". ولكن من بين السوريين أيضاً من يعارض التسمية على هذه الصفحات مثل صفحة "ضد حملة لاجئات لا سبايا" حيث يتساءل أحد المنتقدين: "هل من تتزوج وهي راضية وتكون معززة مكرمه تكون سبية؟" معظم التعليقات التي ترد على هذه الصفحات تستنكر الخبر وتشتم من يحاول استغلال الفرصة للزواج من سورية. لكن آخرين يعلقون أن الزواج ليس عيبا. يقول أحدهم: " بس الناس تبي تستر وما فيها غلط كان زواج شرعي". وآخر: "أنا مستعد أتزوج سوريه وتعيش مع أهلي كأنها وحده منهم لغاية ما ربنا يفرجها عليهم". وربما يلخص التعليق الأخير مخاوف الكثير من الناشطين الحقوقيين بأن بعض الشباب ينظر لمثل هذه الزيجات بشكل مؤقت حتى تستتب الأوضاع في سوريا. --- ينشر باتفاق شراكة وتعاون مع إذاعة هولندا العالمية