في هذا الحوار يشير الأستاذ على الشعباني* إلى مفهوم الزواج لدى الأسر التي تعارض اختيار أبنائها لنساء “مغضوب عليهن” وفقا للعرف السائد، مع إبرازه لمدى تحكم التيار التقليدي رغم التطورات الظاهرية التي لحقت بالمجتمع المغربي في السنوات الأخيرة. * لماذا تعلن بعض الأسر معارضتها زواج أبنائها، مع أنه مسألة شخصية؟ ** لأن المجتمع المغربي لم يتحرر بعد من العادات والتقاليد، التي تتشبع بشوائب الثقافات القديمة، والتأثر بما كان سائدا في المجتمع المغربي الذي يرى أن الزواج يجب أن يحصل فيه الاتفاق فيما بين العائلتين. إضافة إلى أن الشباب ليسوا متحررين كل التحرر من التبعية للعائلة. في كثير من الحالات نجد أن الابن ينتظر المباركة والموافقة من الوالدين، لأن رأي الأسرة لزال يعتد به في نظر الكثير من الأبناء. ونلمس في الواقع أن بعض الأسر تعترض على تزويج ابنائها من بعض الفتيات لأن لهن ماضي، أو سبق لهن الزواج، ثم أصبحن من المطلقات، أو في حالة الفتيات الأكبر سنا من الزوج المنتظر. ويعتبر هذا التدخل من الحالات المرتبطة بالثقافة السائدة والمتجذرة في المجتمع، والتي لم يستطع المجتمع بعد التخلص منها تماما، رغم أن الارتباط بأي زوجة من العينات الثلاث التي سبق ذكرها لا يشكل أي ضرر. لكن المجتمع تعود تبني نظرة سلبية وأحكام مسبقة، تترجم إلى تعنت ورفض لاختيارات أبنائهم. * لماذا يكون التشدد أقوى في حالة اختيار الابن لامرأة مطلقة؟ ** لأن العائلة لا تنظر للمطلقة بكونها ضحية زواج فاشل، بل تعمل على تحميلها تبعات زواجها الأول الفاشل، من منطلق أنها لم تفلح، ولم تنجح في بناء أسرتها الأولى، فتتخوف العائلة من أن يعاد السيناريو نفسه مع الابن. إضافة إلى أن الأسرة المغربية اعتادت تزويج أبنائها من عذراوات، خاصة إذا كان الابن عازبا. ويبقى التعنت على حاله حتى لو كانت هذه المرأة المطلقة، تتوفر على مزايا متعددة، أو توجد بعض الإشارات على أنها ستكون زوجة ناجحة، وأن فشل زواجها الأول كان نتيجة لظروف لم تتوفق لتجاوزها. كما أن المطلقة في العرف المغربي إنسانة مشكوك فيها، ومشبوهة على اعتبار غياب أي ضمانات على أنها بقيت عفيفة بعد طلاقها، وأنها لم تتورط في علاقات أخرى خارج إطار الزواج. إنطلاقا من هذه الزاوية، تتبنى الأسرة موقفها المضاد للزوجة المحتملة، وتحكم عليها ولو ظلما لترى أنها غير صالحة للزواج. وتبقى أسهل الطرق وأضمنها للأسرة، هو اختيار الابن لفتاة عذراء، وهي أمور يجب تجاوزها وأن لا نعطيها قيمة كبرى لأنها لا تستند على أسس منطقية سليمة. * لماذا تكون الأم أكثر المتعنتين في هذه المعارضة؟ ** لأنها صاحبة ميل غريزي نحو الابن الذي تعتبره ملكا خاصا بها. لذا لا تستطيع التخلص من غريزتها التملكية، ولا تقبل فكرة الانفصال عن ابنها، مهما بلغ من السن، ومهما كان له من وعي، ونضج، وثقافة، ومستوى اجتماعي، ليبقى بالنسبة لها ذلك الابن الصغير الذي لابد له أن يستمع لرآيها، وأن لا يخرج عن طاعتها ورأيها، لأنها الأدرى بمصلحته كما تعتقد. ويبقى الارتباط العاطفي هو المتحكم في قرارات الأم، وردود أفعالها اتجاه اختيار ابنها، بعد تغييب العقل و المنطق. * هل يمكن لتدخل الأسرة المستمر التأثير في استمرار مثل هذه الزيجات المرفوضة منذ البداية؟ ** التدخل وارد في الزواج ككل حتى في الزيجات التي يتم التوافق عليها. لأن الأسرة المغربية لازالت تحتكم إلى المنطق الاجتماعي الذي تحكمه الأعراف والتقاليد المحملة برواسب تقليدية، رغم تطور المجتمع. ويبقى تأثير هذه الرواسب واضحا جدا على المجتمع، مما يؤدي إلى خلق المشاكل، والاعتراضات التي تظل قائمة سواء تزوج الشاب بسيدة مطلقة أو بفتاة بكر، حيث نجد أن الأمهات تبالغن في المؤاخذات على زوجات الأبناء، وإبداء الملاحظات سواء في أشغال المطبخ، أو انتقاد طريقة اللباس، واختيار المكياج، أو مواعيد الدخول والخروج، كما يمكنها اختلاق بعض المشاكل لعروس ابنها بدون سبب واضح وحقيقي. هذه السلوكات مرتبطة بما هو سائد وبما كان سائدا، من عادات وتقاليد لم يستطع المغاربة التخلص منها بشكل كلي بعد، وهي أمور لا يمكن تجاوزها إلا عن طريق الوعي والاحتكام للعقل في بعض الأمور، مع احترام الخصوصية وعدم التدخل في شوون الآخرين، وهي سلوكات لم نتحرر منها بعد. كما نلاحظ أن الكثير من الفضوليين، سواء كانوا من الأسرة أو من غير الأسرة، يفتعلون بعض المشاكل بين الأزواج لأسباب تبقى غامضة، وأحيانا غير مبررة، وهي أمور مرتبطة في مجملها بطبيعة المجتمع الذي نعيش فيه. * أستاذ في علم الاجتماع حاورته سكينة بنزين