يقول عمر بلافريج، برلماني فيدرالية اليسار إن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها السلطات العمومية جنبت البلاد كارثة عظيمة، وأن أزمة “كورونا” غيرت الكثير من الأشياء في مغرب اليوم. ويؤكد بلافريج أن المغرب يتوفر على 240 مليار درهم لدى بنك المغرب لتأمين حاجياته المستوردة التي لا تتعدى سنويا 100 مليار درهم، بدل اللجوء للاقتراض الذي سيعكس على سيادة البلاد مستقبلا.
وبنبرة تفاؤل، ينبه بلافريج إلى أنه علينا أن نستخلص ما هو إيجابي في أزمة “كورونا” كي نبني عليه مستقبل المغرب، وهو ما يحتاج للضغط الايجابي من قبل المواطن، ودعا بلافريج الدولة إلى الخروج من مربع الريع، والنخب الاقتصادية إلى وضع حد لأنانياتها، واستثمار الروح الوطنية للمصلحة العامة. وفيما نص الحوار: ماذا يعنيه الحجر الصحي بالنسبة إليك؟ أولا أثمن الإجراءات التي اتخذتها كل سلطات البلاد، وخاصة التدابير الاحترازية التي أنقذت المغرب من كارثة عظمى. لسبب بسيط هو عدم الاستثمار منذ زمن طويل في قطاع الصحة، لذلك فإن هذه الإجراءات كان لها هدف أساسي هو حماية المنظومة الصحية التي هي أصلا في مستوى هزيل. يكفي فقط أن نقارن أن عدد أطباء المغرب في القطاع العام حوالي 12 ألف، وفي القطاع الخاص 10 آلاف طبيب. وفي فرنسا نجد حوالي 240 ألف طبيب، وألمانيا 400 ألف طبيب، وجارتنا الجزائر يوجد بها أكثر من 80 ألف طبيب. ثانيا منظومتنا الصحية المغربية ضعيفة جدا لا تستطيع مواكبة وباء كورونا. ولهذا كانت السلطات قد اتخذت إجراءات مشكورة، لا يمكن إلا أن نحيها. لذا علينا أن لا ننسى أنه يتعين علينا الالتزام بها، لأنه إن زاد الوباء فلدينا منظومة صحية على قد الحال. هل هذا يعني أن عدم الاهتمام بالصحة والتعلم في الماضي، نؤدي ثمنه اليوم؟ أكيد، خلال قانون المالية الأخير طلبت بمعية زميلي زيادة 5 مليارات درهم في ميزانية قطاع الصحة، و7 مليارات درهم في قطاع التعليم بمبررات منطقية هدفنا هو توظيف الأطباء والتقنيين الذين نعاني اليوم من نقصهم في مستشفياتنا. غير أنهم انتظروا حتى الأزمة وزادوا 2 مليار درهم للصحة، مجبرين. أما “التعليم عن بعد” الذي كنا نطالب به منذ 4 سنوات، فقد لجؤوا إليه تحت إكراه الأزمة. ونحن كنا سباقين إلى تعميم هذا النوع من التعليم وتوفيره في القرى حتى يتم التعميم من أجل الإنصاف وتكافؤ الفرص. وأن ينتقى أفضل الأساتذة في كل لمواد الدراسية لإنتاج مضامين رقمية ويتم تقاسمها مع باقي الأساتذة، حتى تستثمر التجارب وتعمم الرقمنة البيداغوجية لننتقل إلى مراحل قد تقفز بنا لنحو خمسين عاما مستقبلا. المطلوب هو أنه يتعين علينا أن نثق في أنفسنا، وأن لا نقلد ما هو سلبي في الغرب، بل أن نقلد ما هو إيجابي. كيف هي يومياتك في الحجر الصحي، وما الذي تغير في حياتك؟ تغيرت العديد من الأمور. وأنا شخصيا لا أخرج من منزلي إلا لأسباب ثلاث. أولها أشتري ما تحتاجه الأسرة مرة كل ثلاثة أيام، وأفعل ذلك بالتناوب مع زوجتي، وثانيها حينما تبرعت بالدم، ثالثها أحضر جميع لجن مجلس النواب والجلسات العامة. فنحن لسنا في حالة استثناء دستورية، علنا طلب معلومات كافية في جمع المجالات ومساءلة الحكومة وتتبع عملها. وخلال الحجر الصحي أيضا، تكون لي اتصالات مع زميلي مصطفى شناوي فنحن على تواصل دائم بيننا للتنسيق وآداء دورنا كنائبين برلمانيين من واجبنا مراقبة عمل الحكومة. على المستوى الاجتماعي ، ركزت على إشكالية بطالة “عمال المقاهي” في دائرتي البرلمانية أكدال، بسبب عدم قدرتهم على تدبر مصاريف العيش، فعلت ذلك من خلال مرافعات مع الحكومة، وبقيت في اتصال معهم كفاعل سياسي لإيجاد حل لوضعهم، كما أعمل مع بعض الجمعيات المحلية من أجل تقديم تعويضات لفائدة هؤلاء العمال، وربطت الاتصال ببعض الوزراء لحل المشكل وهو في طريقه للمعالجة. على المستوى الاقتصادي، أعمل ننسق مع الخبير نجيب أقصبي من أجل تقديم اقتراحات للحد من بعض التجاوزات من قبل المقاولات التي تقوم بتسريح العمال، وهو ما سبق لي أن أعلنته في لجنة المالية. كما يبق أن أشرت أيضا إلى أن دور بعض الأبناك سلبي ولم تلعب دورها كما يجب لتأجيل أقساط الديون. أيضا، تقدمت للحكومة بمقترحات للخروج من الأزمة، من خلال حث البنك المركزي “بنك المغرب” للعب دوره الرئيس لتمويل حاجيات الدولة المغربية. ولا حاجة لنا بالاقتراض الخارجي إذا كنا فعلا نريد تغيير نموذجنا الاقتصادي الذي حكمنا عليه بالفشل. كان لدي أيضا اتصال ببعض المقاولين الحقيقيين، كالشركة التي تصنع الكمامات المغربية، وتبين أن جزءا من المقاولات لديها حس وطني. وخلال لقائي بعدد منهم أبدوا رغبتهم في المبادرة لو شجعتهم الدولة مستقبلا لتصدير الكمامات. كما قدمت مقترحات كتابة في عدد من لجن البرلمان. أشرت إلى أن المغرب ليس في حاجة إلى الاقتراض الخارجي خلال أزمة “كورونا”، والحكومة سارعت واقترضت من خلال استعمالها للخط الإئتماني لدى البنك الدولي، فكيف تفسر موقف الحكومة؟ في اجتماع لجنة الخارجية، لم أقبل الرفع من الاقتراض الخارجي لأنه يشكل خطرا على سيادة الوطن في المستقبل، كما وقع في ثمانيات القرن الماضي في المغرب. اليوم لدينا ما يكفي في العملة الصعبة، نتوفر على 240 مليار درهم لدى بنك المغرب، وسنويا لا نتعدى حاجتنا 100 مليار درهم لتأمين وارداتنا من المواد الأساسية التي نستوردها من الخارج بما في ذلك البترول و القمح والشاي. طلبت أيضا من الحكومة الشفافية في الاقتراضات، لا حاجة لنا بعد هاته الأزمة لاستيراد السيارات الفخمة واستيراد 5 مليار درهم من الهواتف النقالة الراقية. وفي قطاع النسيج علينا أن نفكر في تطوير صناعتنا المغربية. وفي قطاع المواد الغذائية لا يعقل مثلا أن نجد علب “طماطم معلبة” تستورد من مصر و”البيسكوي” تستورده من تركيا وغيرها. علينا حماية الصناعة الغذائية المغربية، أنا لست مع إغلاق الحدود ولكن يجب أن نفتحها بضوابط . كل هذا يؤكد أن لوبي الاستيراد في المغرب أقوى. هناك من لديه مكتب صغير عبارة عن شقة في الدارالبيضاء، لا يشغل أكثر من خمسة أشخاص، ويستورد الملايير. وهذا لم يعد في مصلحة الاقتصاد المغربي، لأننا نحتاج لما يدعم اقتصادنا وشركاتنا إذا أردنا أن نحافظ على مناصب الشغل، وأن نحافظ على استقلالنا الاقتصادي، ومثل هذا الكلام عندما أقوله في البرلمان لا يرق عددا من الفرق السياسية، لأن أغلبهم متواطئين. لقد سبق أن أثرت غير ما مرة قضية المغاربة العالقين بالخارج، والموقف السلبي في التعامل معهم. وأثارت هاته القضية ضجة بين بعض فرق الأغلبية الحكومية، أين وصلت في متابعتك لهذه القضية؟ بعيد عن كل شعبوية، اعتبرت نفسي مسؤولا، فطلبت من الحكومة الشفافية في تدبير ملف المغاربة العالقين بالخارج، فيما قامت بعض من الأغلبية بممارست الشعبوية. اليوم هناك أكثر من 18 ألف شخص عالقون في الخارج، يحتاجون لمن يتكفل بحاجاتهم. وهنا لا بد أن أثمن مجهودات بعض القنصليات والسفارات المغربية بالخارج، لكن من المستحيل عودة كل هؤلاء فورا ، أولا حفاظا على صحتهم، وثانيا حفاظا على المنظومة الصحية الضعيفة التي لن تكون قادرة على التكفل بنحو 6000 شخص إن هم أًصيبوا، لا قدر الله، خلال عودتهم. فعلى الحكومة أن تخاطبهم وتتواصل معهم وتوضح لهم لأن الخطر يتهدد ذويهم بالدرجة الأولى، مادام أن التشخيص لم ينجز لهم، وأنه في حدود الأسابيع القليلة المقبلة وبعد إيجاد حل للتشخيص سيوجد حل لهؤلاء أيضا. هناك أيضا فئة المغاربة العالقة في مناطق أقل تقدما من المغرب، كما هو الشأن في مصر وبعض الدول الأفريقية، التي لم تباشر إجراءات الحجر الصحي كما هو الشأن في بلادنا. وفي اتصالي ببعض العالقين أكدوا أنهم مستعدون لمزيد من الصبر وأن القنصليات تبذل مجهودات، لكن الكل يتحدث فقط عن المغاربة العالقين في أروربا. تلقيت اتصالات من هؤلاء، منهم من عاتبني، لكن شرحت لهم واحدا واحدا ممن تواصلت معهم، أن طائرة تقل 200 شخصا قد ينتقل الفيروس من واحد ليصيب الجميع، فتفهموا.. أكيد أن ما يحتاج هؤلاء هو التواصل معهم. ما الذي غيرته أزمة “كورونا” في المغرب؟ هناك أشاء جد إيجابية تغيرت، أولها العلاقة بن المواطن وبعض السلطات التي افتقدت فيها الثقة. تغيرت العلاقة بين القائد والمقدم والمواطن. أغلبية رجال السلطة في أزمة “كورونا” لعبوا دورا مهما وبذلوا عملا جبارا وجهدا مشكورا ، لكن عليهم أن يواكبوا عملهم للاستجابة لمشاكل المجتمع. على القائد أن يرعى دائرته من مدرسة عمومية وثانوية عمومية ويحميها من تجارة المخدرات ويلبي حاجياتها وانتظارتها. وفي قلب هاته الأزمة ممكن أن يلعبوا دورا إيجابيا. أكيد أن عدم الثقة تفاقم منذ زمن طويل، وهذه فرصة لتغيير هذه النظرة وبناء الثقة بين الأغلبية من أبناء الشعب في مؤسسات البلاد، حتى يصير كل شيء ممكن، فعندما يثق المغاربة في مؤسسات الدولة سيقبلون على المشاركة في الانتخابات ومعاقبة من استغلوا ثقتهم وعبثوا بها. وهذا ما أتمناه. نحن أمام فرصة كبيرة، بعد الخروج من الحطر الصحي، لإعادة ترميم ثقة الشعب في مؤسسات الدولة، ووبناء علاقة جديدة تقوم على احترام الواجبات وصيانة الحقوق إذا أردنا أن نتجه نحو بناء مستقبل يثق فيه الجميع. كيف يمكن بناء هذه الثقة في المستقبل في الوقت الذي تحجب عنا هذه الأزمة رؤيته؟ إما أن نأخذ ما هو إيجابي للبناء عليه مستقبلا لنتقدم بمغرب آخر. وهذا نحتاج للضغط الايجابي من المواطن لحمل الدولة على الخروج من مربع اقتصاد الريع، وحمل النخب الاقتصادية على التخلي عن أنا يتها واستثمار الروح الوطنية خدمة للمصلحة العامة. أنا متفاءل، في حالة كان هذا الضغط الإيجاب، في أننا سنخرج من هذه الأزمة أقوى وسوف يستعد كل فرد منا دوره داخل المجتمع. كيف ستؤثر التجربة الحالية على مستقبل عيشنا المشترك؟ من المؤكد أن تكون هنا صعوبات حقيقية في المستقل، وأن الأزمة آتية، وهو ما يفرض استمرار التضامن بين أفرد المجتمع حتى نتخطى هذه الصعوبات. على الأغنياء أن يبذلوا مجهودا أقوى وأكبر لصالح المغرب، وعلى صندوق الدعم الذي تم إحداثه أن يستمر ، ولا بد أن تكون هناك ضريبة تصاعدية على الثروة وهذا ممكن. فهذه الأزمة مناسبة لدعوة الأغنياء أن يبدوا تضامن هم من خلال قبول الضريبة على الثروة. نحتاج لسياسة اجتماعية حقيقية، حتى نصير في مستوى جارتنا الجزائر وتونس وعلى مستوى الصحة والتعليم. وعلى المستوى الاقتصادي علينا أن يسير في اتجاه بناء اقتصاد تضامني يسعى إلى خلق فرص الشغل وخلق ثورة وطنية لا ريعية. وهذا لن يتم إلا بالضغط من المجتمع، لكن كل هذا لن يتحقق إلا إذا اقتنع المغاربة بممارسة السياسة لأخذ مصيرهم ومستقبلهم بأيديهم. نحن بحاجة لثورة ثقافية في المغرب، هناك مغاربة يبدعون، خاصة الشباب، الذين نريدهم أن يترشحوا ويتحملوا المسؤولية. قررت الحكومة تمديد الحجر الصحي. ما تعليقك على القرار؟ أتمنى أن يستمر طيلة شهر رمضان، وأن نستثمر هذا الشهر الاستثنائي في ثقافتنا الدينية في كل ما هو مفيد لنا ولبلدنا أثناء فترة الحجر الصحي. وهو مناسبة للإنضباط والتسامح وللتضامن أيضا بين جميع أفرد المجتمع، وهذه كلها أمور ستكون في مصلحتنا الجماعية.