"ربي إني مغلوب فانتصر"، كلمات قالها نبي الله نوح، لما ووجه بتعنت قومه ووقفوا في وجه دعوته، و "ما آمن معه إلا قليل"، رغم أنه ظل فيهم داعيا لمدة ألف سنة إلا خمسين عاما. يبدو أن حال رئيس حكومتنا عبد الإله بن كيران لا يختلف كثيرا عن هذه الحال، مع فارق جوهري يكمن في كون الرجل رفع الراية البيضاء بعد أيام قليلة من "الدعوة" و ممارسة "الألعاب اللغوية"، خلافا لصنيع نبي الله نوح... المتتبع لحلقة "بلا حدود" التي حل فيها رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران ضيفا على قناة الجزيرة القطرية، تتضح لديه بجلاء اختيارات المغرب في ظل الحكومة الجديدة. و بما أن الذي يهم في تعاطي المواطن مع حكومة بلده هو محاكمتها بالنظر إلى التزاماتها التي قطعتها على نفسها، فإن محاكمة عمل الحكومة الحالية ستكون باستحضار شعارها/التزامها: "محاربة الفساد". على ضوء كلام بن كيران في حلقة البرنامج المذكور، لا يبقي مجال للشك في كون الحكومة الحالية حادت نهائيا و عن قناعة كما يبدو عن المسار الذي تعهدت بالسير فيه، فبدل المضي قدما في "مقاربة المحاربة"، بتنا نسمع خطابا يشبه كثيرا لغة و مفردات تجربة "الإنصاف و المصالحة"، و إن كان الاختيار الحكومي يميل إلى المصالحة أكثر من ميله للإنصاف. و يكفي في الحقيقة أن تتبنى حكومة بلد ما مقاربة المصالحة، في اقتصاصها من ناهبي المال العام، حتى ينتهي الكلام. و باستحضار هذه المقاربة، أكيد أن المرحلة المقبلة ستفتح فيها أبواب النقاشات الهامشية بعيدا عن جوهر القضية، على السيد الرئيس أن يستعد لشرح إجراءات هذه المقاربة في المرحلة المقبلة، هل تشمل المصالحة مثلا من هم رهن الاعتقال على ذمة قضايا الفساد المالي بأثر رجعي، أم أن هؤلاء عليم أن يصبروا و يصابروا باعتبارهم ضحايا "العدالة الانتقائية". ما هي يا ترى ملفات الفساد الضخمة التي اشتغلت عليها حكومة بن كيران، ليخلص رُبانها – دون الضفر حتى بشرف المحاولة إلى أن محاربة الفساد في المغرب مسألة صعبة، و أن "عفا الله عما سلف" ينبغي أن يكون هو شعار المرحلة المقبلة في مجال محاربة الفساد؟. يطرح هذا السؤال مع أن من عجائب الأمور أن الملفات الكبرى للفساد المالي المعروضة على أنظار القضاء المغربي، لم يكن لفريق بن كيران في إثارتها أو إيصالها للمحاكم سهم و لا رمح. فلا ملف عبد الحنين بن علو حركته حكومة بن كيران، و لا ملف خالد عليوة كانت هي من أوصلته إلى أنظار العدالة، و لا ملف "كومناف"... تصريحات بن كيران التي أعلن فيها استسلامه أمام جبروت المفسدين، بقدر ما كانت مفاجئة إلا أنها في الحقيقة جاءت بعد توفير القابلية في نفوس المغاربة لها، و بعد توفير كافة الضمانات ليستسيغها الشعب المغربي كما استساغ أدوية بن كيران الكثيرة. في هذا السياق أو بالتزامن مع هكذا خطاب، يبدو جليا أن القرار الأخير الذي اتخذه بن كيران للزيادة في سعر المحروقات، لم يكن في الواقع غير بالون اختبار، جُس به نبض الشارع المغربي، و مدى قدرة هذا الأخير على لم شتاته في أفق تحرك جديد، لكن يبدو أن بالون الاختبار عاد إلى من أطلقه سالما و لم يفجره أحد، الأمر الذي يجب أمام حدوثه ليس طرح سؤال حول هذه الزيادة و توقيتها و تداعياتها، و إنما طرح السؤال حول السر في رد الفعل المفترض الذي لم يكد يُلمس عند الشارع المغربي تزامنا مع هذه الزيادة. أفلم يكن أحرى برئيس حكومتنا لما كان يلوح بورقة الربيع العربي أن يخاف من أن يرتد هذا الربيع صيفا مغربيا بدل التخويف منه، إننا نفهم جيدا خطاب بن كيران فصاحب الهيرمينوطيقا هانس جورج غادامير الذي و لا شك أعلم من بن كيران في "الشفوي"، قال منذ زمان "كل المواقف ثاوية في ظروفها التاريخية". لكن يبقى السؤال: ماذا لو فهم الشعب خطاب بن كيران؟. آنئذ سيذكر الشعب السيد الرئيس بجملة قالها يوما:الربيع العربي لم ينته بعد "وباقي كيدور ويمكن يعاود ترشق ليه ويرجع"... و الذكرى تنفع المومنين. أيها الشعب إن عبد الإله بن كيران رجل يحارب العفاريت... أيها الشعب إن رئيس حكومتك مغلوب فانتصر! !. صحافي بإذاعة كاب راديو