تحفيزاً لكل بحث وتناول وتعميق وانفتاح على أرشيف، وتأصيلاً منها لتقاليد علمية رسختها منذ عقود خدمة لورش تاريخ البلاد الوطني وصيانة ذاكرتها. ما كان بإسهامات واغناء وطروحات فضلاً عن خزانة تاريخية تتقاسمها عشرات الاصدارات جزء هام منها نِتاج عمل ندوات ومناظرات، ناهيك عما كانت عليه منذ فترة على مستوى تحريكها لنقاش معبر حول ذاكرة المغاربة وتاريخهم، بين مؤرخين وباحثين ومقاومين وسياسيين وجمعويين واعلاميين وغيرهم، كان بحصيلة التفات وتماسات وتفاعلات جمعت بين علم وثقافة وابداع واعلام ودبلوماسية وغيرها. وفي اطار تاريخ المغرب الوطني وذاكرة المغاربة الوطنية وبتعاون مع جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس من خلال كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس، كذا مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث، تنظم المندوبية السامية لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحرير خلال مارس الجاري ندوة علمية وطنية بتازة، اختارت محوراً ورهاناً لها هذه المرة معارك القلم في الحركة الوطنية المغربية، من خلال مقاربة موضوع الصحافة الوطنية الاسهامات النماذج والقيم على عهد الحماية، في بادرة غير مسبوقة يؤطرها باحثون عن مؤسسات جامعية ومعاهد ومراكز تكوين وهيئات بحث ودراسات. وقد أعدت لجنة ندوة تازة العلمية هذه، ورقة فكرية بأسئلة تروم وعياً أكبر بالموضوع وفق ما ينبغي من تنقيب وتراكم وتفاعلات. بقدر ما ثمنت هذه الورقة ما هو كائن من أعمال واسهامات في هذا المجال على ندرتها، بقدر ما ارتأت تعميق سؤال وقع الصحافة الوطنية في ملحمة العمل الوطني ومعه أيضاً كفاح المغاربة المسلح، من خلال ما كانت عليه من رقابة وتتبع ومواكبة وتربية وترسيخ لقيم وطنية خلال هذه الفترة الصعبة من زمن بلادنا المعاصر والراهن. وقد ارتأت الجهة المنظمة لندوة الصحافة الوطنية على عهد الحماية، موضوعاً بمحورين أساسيين توزعا أولاً على الممارسة الصحفية الوطنية والكفاح الوطني والتجارب، وثانياًعلى الوعي الصحفي الوطني والوعاء الوطني من أصول ومسارات ونماذج وأبعاد قيمية لوقائع. ولعلها مناسبة لوقوف المتدخلين على قدر ما هو كائن من تراكمات وبلورة آفاق بحث بملامح واشكالات فكرية في أفق بيبليوغرافيا أكثر استحضاراً لمعارك قلم الصحفيين الوطنيين والصحافة الوطنية في ذاكرتنا. وتأتي محاور ندوة تازة حول الصحافة الوطنية والتاريخ ومسألة القيم، مترابطة بشكل وثيق مستهدفة أولا: رصد فعل الكفاح من خلال الآلة الصحفية الوطنية مع تحديد طبيعة الممارسات في زمن استعمار، فضلاً عما كان عليه المغرب خلال هذه الفترة الدقيقة إنما بعيون صحفية أجنبية كما بالنسبة للألمانية والبريطانية. وثانياً: طرح قضية الصحافة الوطنية المغربية ضمن ما هو تجلي قيمي يجمع بين وعي وأمكنة وأزمنة وانسان وبيئة ثقافية ومجتمع. مع أهمية الاشارة الى أن صحافتنا الوطنية على عهد الحماية كان شغلها الأساس هو مواجهة استعمار، من خلال سبل وعمل توعية وتحسيس وكشف لتجاوزات وتقوية لهمم مقاومة ووحدة صف، علماً أن أرشيف صحافتنا الوطنية شبيه بكنز مغمور كلما تم الكشف عما يحتويه كلما تبينت حقائق معينة وتأكدت أخرى. يذكر أن ما حصل من تراكم علمي حول صحافتنا الوطنية وذاكرتنا الوطنية وحول قضية الصحافة والتاريخ عموماً، يجعل أمر هذا المجال مفتوحاً للباحثين والمؤرخين من أجل مزيد من الأضواء والمعطيات لتغطية أبحاثهم واعمالهم بما يحتويه الأرشيف الصحفي من قيمة مضافة. واذا كانت الصحافة الأجنبية الفرنسية والاسبانية على عهد الحماية قد استهدفت عزل الشعب المغربي وفرض صمت مميت حوله، مع حصر حرية التعبير والكتابة على الأروبيين من خلال ما تم إحداثه من صحف هنا وهناك من مدن وجهات البلاد. فإن المنابر الوطنية المغربية الأولى حاولت كسر ما نهجته واعتمدته من تجاهل ممنهج وتمييز ونسيان، مع كشف ما كانت عليه البلاد من استغلال وتجاوزات وما كان يرومه المغاربة والحالة هذه من اصلاح واشراك وقانون وحق في الاستقلال. ما يعني أن النخب المغربية الوطنية لم تبق مكتوفة الايدي، بل سارعت الى اصدار منابر صحفية في ظل ما كان عليه الأمر من تضييق وقانون غير منصف. بعض من هذا وذاك هو ما تروم ندوة تازة حول الصحافة الوطنية والقيم ابراز بعض جوانبه، في أفق ما ينبغي من بحث ونشر واستثمار لأرشيف. واذا كان الوطنيون الصحفيون المغاربة قد قاموا بما قاموا به في حدود ظروفهم وما توفر لديهم من فرص وامكانات، فعلى الخلف من الباحثين ابراز ما أسهم به هؤلاء كسلف صحفي وطني من دور وترسيخ لقيم وطن ووطنية من أجل استقلال البلاد. ولا شك أن مقاربة قضايا هذه الفترة من تاريخ بلادنا وتوثيقها، الى جانب ما تحتويه من اعتراف وتكريم هي بقيمة هامة لفهم حاضر ورسم معالم مستقبل عبر تلاقح الأجيال وتفاعلها. ذلك أن رمزية وطنيينا وأعلام كفاحنا الوطني من صحفيين وغيرهم خلال فترة الحماية، هي بأثر من أجل تقوية وطنية وعزائم اجيالنا الجديدة وناشئتنا. ولعل الانسان ليس وحدة مجردة ولا عقلاً محضاً ولا آلة صماء، بل ثمرة من ثمرات تاريخ جذوره الاجتماعية تمتد في ماضي أجداد، فضلاً عما للتاريخ أيضاً من دور في تحديد ماهية هذا الانسان وتحديد اتجاهاته وأفكاره. وبقدر ما ندوة تازة حول الصحافة والتاريخ عموماً هي بإشكالات نظرية ومعرفية ومقارباتية، تروم تعميق تفكير حولها من خلال جلستين علميتين صباحية ومسائية. بقدر ما هي بورقات تأطيرية افتتاحية لكل من المندوب السامي الدكتور مصطفى الكثيري، والدكتور سمير بوزويتة عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية سايس فاس والدكتور خالد لزعر عميد كلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز فاس والدكتور الحسين الوزاني الابراهيمي نائب عميد كلية الآداب سايس فاس. مع ما يتوقع أن يخلص اليه هذا الموعد العلمي من مقترحات وتوصيات من شأنها أن تكون بأثر رافع للموضوع. مع أهمية الاشارة الى أن موضوع الصحافة الوطنية ومسألة القيم، يشكل بحق بادرة نوعية بتيمة هامة وشجاعة أدبية وأفق. على أساس أن ايقاع الأبحاث والدراسات في هذا الاطار لا تزال بحاجة لمزيد من وعي وعناية واستثمار… بل ومن موارد عالمة فاعلة من أجل وعاء ببليوغرافي وورش أكثر استشرافاً وانسجاماً مع رهان بلاد وعباد. عبد السلام انويكًة باحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين فاسمكناس عضور مركز ابن بري التازي للدراسات والأبحاث وحماية التراث