وأنت تستمع لمداخلة الرفيق "محمد الساسي " في الندوة التي نظمها رفاقنا في المؤتمر الوطني الاتحادي بعنوان "إعادة بناء حركة اليسار: المشروع، الضرورة، الإمكانات و المعيقات "، ستشعر و كأن الرفيق يحاضر في محاضرة بعنوان " إعادة بناء الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية : المشروع، الضرورة، الإمكانات و المعيقات " و يكبر هذا الإحساس و أنت تقف عند محاور المداخلة ليتحول من مجرد شعور إلى يقين، فالرفيق الذي قسم مداخلته إلى ثلاثة محاور أساسية هي : ماضي اليسار و أزمته ؟ ثم عوامل هذه الأزمة ، ليصل إلى ما سماها بالوصفات للخروج من هذه الأزمة . في المحور الأول حيث تناول نقطة ماضي اليسار، تخرج بخلاصة وحيدة و واحدة أن اليسار بالنسبة للرفيق هو الاتحاد الاشتراكي وماضيه هو ماضي اليسار، فيتناول فوز اليسار بأغلبية مقاعد مجلس النواب في انتخابات 1977 ليتدخل المخزن للتزوير ضده ( مشاركة الاتحاد الاشتراكي في هذه الانتخابات)، لينتقل للحديث عن تحالف اليسار/الاتحاد الاشتراكي مع من سماها بقوى محافظة إصلاحية لصياغة الانتقال الديمقراطي (ويقصد هنا تحالف الاتحاد و حزب الاستقلال في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، والمرشح المشترك، و الإضراب العام لنقابتي الحزبين ..)، ثم أشار لاشتغال اليسار/ الاتحاد الاشتراكي مع نقابات و جمعيات "كالكدش" و "اتحاد كتاب المغرب" و"النقابة الوطنية للتعليم العالي" و"النقابة الوطنية للصحافة"، و هو يشير هنا إلى هيمنة الاتحاد و تحكمه في هذه التنظيمات و لم تفته الإشارة إلى أن صحافة اليسار/الاتحاد الاشتراكي كانت الأكثر مبيعا ( المحرر ثم الاتحاد الاشتراكي) و لم يغفل إضرابي 1981 و 1990 لينتهي إلى أن اليسار/ الاتحاد كان ملجأ المواطنين و المقهورين الذين كانوا يتوجهون لجريدة الحزب و نوابه و نقابته، وهكذا يخلص المستمع إلى خلاصة وحيدة و واحدة مفادها أن اليسار هو الاتحاد و الاتحاد هو اليسار، وأن ماضي اليسار و الاتحاد،ماضي واحد. بعد هذا الحديث عن الماضي انتقل الرفيق للحديث عن عوامل التراجع، أو عوامل تراجع اليسار، ومرة أخرى ستقف عند ذلك التوحد والتماهي بين اليسار و الاتحاد ليصبحا معا جسما و روحا واحدة، فأسرار تراجع اليسار و بالصدفة، و الصدفة وحدها، هي عوامل تراجع الاتحاد! و قد لخصها الرفيق في أربعة عوامل، كلها ترتبط ارتباطا وثيقا بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و هذه العوامل هي : العامل الأول : دخول تجربة 76/77 ( الانتخابات الجماعية و البرلمانية ( بدون مواكبة و لا محاسبة، و يعطي أمثلة بتداخل صلاحيات رئيس المجلس البلدي أو المجلس الإقليمي بصلاحيات الكاتب المحلي للحزب أو كاتبه الإقليمي. العامل الثاني : اعتقاد الناس بأن اليسار/الاتحاد قد أخل بالتعاقد من خلال المشاركة الحكومية 1998 ( في إشارة لمشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة و معه التقدم و الاشتراكيية،ناسيا أو متناسيا رفض منظمة العمل الديمقراطي الشعبي لهذه المشاركة. العامل الثالث : غياب الديمقراطية الداخلية، فالفاصل بين مؤتمري الاتحاد الاشتراكي هو 12 سنة ( المؤتمر الخامس و المؤتمر السادس). العامل الرابع : إعطاء اليسار/الاتحاد، الأولوية للمشاركة الحكومية،التي أصبحت قاعدة و هدفا، متناسيا أن جزءا آخر من اليسار لم تكن أبدا هذه أولويته. ومرة أخرى سيصل المتتبع لنفس الخلاصة،أن اليسار هو الاتحاد، و أن عوامل و أسباب تراجع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، هي عينها عوامل تراجع اليسار حتى لو كان مقاطعا للانتخابات، أو رافضا للمشاركة في أي حكومة من حكومات ما سمي بالانتقال الديمقراطي. لينتهي الرفيق الساسي إلى المحور الثالث، الذي خصصه للحديث عن ما سماها بالوصفات، وصفات تجاوز الوضع الحالي ، وأنت تستمع و بانتباه للأجوبة التي قدمها لتجاوز الوضع الحالي،سيتأكد لك مرة أخرى أن الرفيق يحلم بإعادة بناء "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، فالرفيق يقول بأن هناك ثلاثة وصفات و هي: الوصفة الأولى : تجميع أحزاب اليسار القائمة اليوم و تشكيل إطار حزبي واحد ( و لا تحظى هذه الوصفة بأي تعليق من لدنه). الوصفة الثانية : انخراط الأحزاب اليسارية في حزب من الأحزاب القائمة اليوم، ويؤكد الرفيق أن هذه الوصفة كانت ممكنة في التسعينيات( قبل أن يقع للاتحاد ما وقع) أما اليوم فيؤكد الرفيق بعدم وجود حزب مغربي قابل لاستيعاب كل أحزاب اليسار . الوصفة الثالثة : و هي الوصفة التي ينتصر لها الرفيق ، خلق إطار جديد، تأسيس حزب جديد، أو ما أسميه شخصيا ببعث الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ما يدفعني لقول هذا، هي المكونات التي يقترحها الرفيق لتكون هذا الحزب الجديد، الذي عليه أن يتوجه بالدعوة للتنسيقيات ( ما الذي يجمع هذه التنسيقيات فيما بينها ؟ بل ما الذي يجمع أعضاء هذه التنسيقيات غير مطلب واحد أو وحيد ؟ تعدد التوجهات الإيديولوجية عند أعضاء هذه التنسيقيات المجتمعين حول مطلب مادي..) والدعوة كذلك للجمعيات المدنية ( باختلاف مجالات اشتغالها، و باختلاف منطلقاتها و مبادئها و قيمها) و دعوة التيارات و الحساسيات التي تأسست داخل أحزاب يسارية و لم تعد تجد لها مكانا داخل هذه الأحزاب ( في إشارة واضحة للمنسحبين من الاتحاد الاشتراكي و الغاضبين منه، و كذلك الغاضبين من قيادة التقدم و الاشتراكية ) ثم التوجه للفاعلين الجمعويين و الفايسبوكيين .. و هكذا نكونفعلا أمام "قوات شعبية"، قوات شعبية متعاقدة على خمس مقومات أساسية، هي مقومات الحزب الجديد، أو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في صورته الجديدة، وهذه الأسسس الخمس حسب الرفيق هي : 1- الخيار الاشتراكي، يكفي الاتفاق على هذا العنوان، أما تفاصيله فنواصل الحوار الإيديولوجي حولها . 2- خيار الملكية البرلمانية. 3- خيار الانتقال الديمقراطي، وهو خيار يتطلب وجود جبهة ضاغطة. 4- خيار حزب من نمط جديد، حزب يعتمد التيارات، حزب يربط بين النضال الجماهيري و النضال المؤسساتي، حزب فيه مكانة خاصة للشباب و النساء،حزب يستبطن قيم 20 فبراير، حزب قادرعلى تعبئة الطبقات المتوسطة، حزب لا تحجب فيه الإيديولوجيا السياسة، حزب يهجر لغة الخشب و يغير وسائل العمل، حزب يحل المسألة الدينية بتدشين الاصلاح الديني . 5- التعاقد حول خيار العلاقة مع المجتمع المدني ( النقابات، الجمعيات، ساكنة الفايسبوك ..) علاقة أقرب إلى التحالف . إن هذه المقومات أو أسس التعاقد لتأسيس حزب جديد، أتصور أن الرفيق الساسي يعتبر أن نواته الصلبة ستضم كل من أحزاب الفيدرالية الثلاثة إضافة للاتحاد الاشتراكي و التقدم و الاشتراكية، هي نفسها مقومات الحزب الاشتراكي الكبير، أو الاتحاد الاشتراكي في حلته الجديدة. خلاصتي الشخصية و قد أكون مخطئا، أن اليسار بالنسبة للرفيق الساسي هو الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فالاتحاد هو البداية و هو النهاية، هو المنبع و هو المصب، فمتى نخرج من جلباب أبي ؟. شخصيا لست ضد بعث المدرسة الاتحادية، و لكن ضد بعث توجه واحد داخل هذه المدرسة، فداخل هذه المدرسة برز توجه بوعبيد، كما برز توجه الفقيه البصري، برز خط النضال الديمقراطي المؤسساتي، كما برز الخط النضالي الكفاحي، نعم لبعث المدرسة الاتحادية، مدرسة قائمة على النقد الذاتي الذي قدمه الشهيد المهدي بنبركة، أو ما اشتهر بالأخطاء الثلاثة لدى المهدي و هي : (الخطأ الأول : سوء التقدير لأنصاف الحلول التي كنا مضطرين للأخذ بها / الخطأ الثاني : الإطار المغلق التي مرت فيه بعض معاركنا بمعزل عن الجماهير الشعبية / الخطأ الثالث : عدم الوضوح في مواقفنا الإيديولوجي، نعم لبعث الاتحاد و لكن عبر تركيب جديد ليسار جديد، يسار مبني على التكامل، لا على الانصهار و الذوبان، نعم لبناء اتحاد جديد بالعودة إلى الماضي، شريطة أن يكون ماضي اليسار كل اليسار، ماضي كل اليساريين و كل تنظيماتهم، لا ماضي الاتحاد و لا شيء يعلو على الاتحاد . عضوالمكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد