احتدم جدال قوي بين قياديين محسوبين على حزب ذي مرجعية دينية حول قضية الحكم الشرعي للقروض ذات الفوائد المنخفضة الموجهة من طرف الدولة إلى المقاولين الشباب فانقسموا إلى جبهتين فئة منهم تستحسن تحليل هذه المعاملة المصرفية وتشيد بها وتعتبرها من البدع المحمودة و فئة أخرى جل انتماءاتها ذات توجه سلفي راديكالي تحرمها بالمطلق و تعتبرها لا توافق الأحكام الشرعية القطعية الدلالة ولا تقريرات المذاهب الفقهية التي تنبذ كل تعاملات الربا بدون استثناء فما هو موقف الدولة من هذه المسألة المالية من الوجهة الدينية ؟ السنة الفائتة ألقى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية درسا دينيا افتتاحيا يحمل رسائل محددة القصد وموجهة وتعمل على رسم خطاطة السياسة الدينية المراد بثها للعموم حمل معه اصداء نقاش حساس سمعت تردداته في أرجاء الساحة الدينية بالمغرب وخاصة في الأوساط الأكثر تشبثا بالنظرة السلفية المحافظة والمتمسكة بأحكام الدين القطعية وبقواعد الاجتهاد في منظومته التي لا يريدون لها أن تتزحح قيد انملة من مكانها الرمزي المجمع عليه مند قرون فوضع مؤسسة الدولة المعتنية بالشؤون الدينية في قلب نقاش فقهي استثنائي يستدعي استحضار قدرات الاجتهاد بقوة بل تضمن جرأة كبيرة حين دعا بدون حرج إلى تناول فقهي جديد لمسألة الربا اقتصاديا و تناسبا مع مستجدات الواقع ومتغيراته واكراهاته فلقد اثار انتباهنا فعلا كمتتبعين ما جاء في فقرة خاطفة مصاغة على شكل توصية مفاجئة وحازمة لا يتخللها اي تذبذب أو تردد مصدرة أمرا غير مباشر وشبه رسمي لعلماء الدين بالسعي للإجتهاد في تفسير الربا تفسيرا مقاصديا و اقتصاديا صرفا حتى يكون ميسرا للتعاملات المالية المستحدثة والمبتكرة ، المعمول بها محليا ، و حتى لا يكون هناك في المستقبل القريب تنافر مع دينامية السيرورة التنموية التي ينهجها المغرب مند مدة طويلة — كل هذا تحدث عنه مشيرا إلى سياق تاريخي عالمي له صلة بالتغيرات التي شهدتها الأنماط الاقتصادية عبر التاريخ مقارنة بالمجتمع النبوي في صدر الإسلام و دعا المسؤول الديني في درسه المنتدبين من العلماء ان يتدخلوا و يجيبوا عن الإشكالات الدينية الراهنة المطروحة والمتناسلة و الاستنهاض لمعالجة أخواتها من القضايا الأكثر أهمية التي تحوم حول مايهم الناس في الجانب الروحي و منها مثلا تأويل وجوه صرف الزكاة المذكورة في القرآن وربطها بمقاصدها الاجتماعية وكذلك ضرورة قيام العلماء بتفسير سلبيات الرشوة و ضررها الناسف للتعاملات الاقتصادية المقننة ثم أخيرا بشرح ظاهرة الربا شرحا اقتصاديا، وبيان أن الحل الموضوعي لها في بلد معين يكمن في تقوية اقتصاد ذلك البلد، بتقريب الشقة بين العرض والطلب. فبدا حينها أن السياسة الرسمية الدينية بالمغرب تتوجه لتبديد الغموض الذي يلف اسم البنوك الليبيرالية المتبنية للنظام الغربي في هيكلة المصارف والتي يطلق عليها حرفيا بالبنوك التقليدية وهذا مند أن سمح البنك المركزي بإنشاء البنوك الإسلامية التي اختار لها اسم البنوك التشاركية لرفع الحرج عن الاولى خاصة وأن المتدينين و مرشديهم لايترددون بنعتها (هكذا) بالبنوك الربوية العاملة بالقوانين غير المطابقة للشرع ! وللاشارة لا زالت الأراء الدينية السائدة في أماكن العبادة تعتبر المعاملات البنكية التقليدية من الربا مقارنة بالأبناك التشاركية الإسلامية التي ليس لها الحق في تمويل اي منتج دون إجازة صادرة من المجلس العلمي الأعلى الشيء الذي لا يسري طبعا على تعاملات باقي البنوك الأخرى فضلا عن أن المسؤول الديني تكلف بتوجيه نداء واضح لمن يهمه الأمر لإعطاء تعريف مرن لماهية الربا واستنفار الفقهاء المجتهدين لملامسة هذا الموضوع برؤية جديدة تراعي فيها التحولات الاقتصادية التي أتى بها نظام العولمة الكاسحة و وبالقيام بصقل مفاهيم متقدمة و حديثة لإصطلاحات دينية عتيقة وهذا كل في اطار المقاصد الجوهرية للدين وما يتلاءم مع أصوله و استجابة في نفس الوقت لمستجدات الواقع وإكراهاته فالفرادة التي تميز بها ذلك الدرس خاصة عند طرحه و ملامسته لنقطة الأشكال الربوي انه لمح بشكل ضمني إلى أن هناك إمكانات فكرية منطوية في قيم الدين ومقاصده الكبرى تسمح له بمساندة نموذج التنمية و نسف عراقيل القيود أمامه ولقد تبنى قراءة إصلاحية منافسة و مقابلة للنظرة الليبيرالية التي أفرزتها التجارب الاقتصادية الغربية وللتمثيل على ذلك يمكن أن نستشهد بنمط الاستدلال ونوعية الحجج التي ارتكز عليها والتي كانت مفاجئة لنا وخاصة وأنها صادرة من قيم على الشأن الدين المتوقع منه أن يحيل على مراجع إسلامية عربية فإذا به يطرح الأفق الفلسفي الفيبيري نسبة للفيلسوف الاقتصادي الألماني المعروف ماكس فيبر max Weber عارضا ( بعد أن قدم فكرة عن كتابه الرأسمالية و الأخلاق البروتستانتية ) أطروحة أخرى لأحد المتأثرين به يدعى إرنست طرولتش قائلا : " [ قد أغنى وعدل أطروحة فيبير وبين أن تأثير الدين في الاقتصاد لا ينحصر عند ثنائية البروتستانت والكاتوليك، بل ظهر في ديانات أخرى في أوقات وأزمنة مختلفة، وهي علاقة مركبة، فالدين ظهر في سياقات معينة دافعا للنمو، وظهر في سياقات أخرى كابحا للمبادرة الاقتصادية، من أمثلة ذلك في نظره تمسك الكاتوليك بحِرمة القروض بفائدة، على حسب ما فهموه من قراءة العهد القديم، ولم يُلغ هذا التحريم سوى المذهب الاجتماعي الجديد للكنيسة في أواخر القرن التاسع عشر، وفي رأي طرولتش أن هذا المعتقد تسبب في تخلف البلدان المتمسكة به لأكثر من قرن من الزمن." ] فواضح من هذه الفقرة المقتبسة من الدرس ان المسؤول الديني يثني بشكل ضمني عل تحليل الفيلسوف الغربي في أن حرمة القروض بفائدة وتحرمها كان السبب الرئيسي في تخلف البلدان المتمسكة بالتقليد الكاثوليكي والتي تتبع تأويل شريعة العهد القديم حرفيا بالمقارنة مع مذاهب القرن 19 التي تحللت منه .