تعيش الدول الأوروبية، وخاصة البلدان التي كانت السباقة إلى استقبال تيارات الهجرة، كألمانيا، على إيقاع التصاعد المستمر للحركات الأصولية ذات الأهداف غير "المعلنة"، والتي أرادت تحويل بلاد "الأنوار" إلى خراب على غرار الخراب الذي قاموا بتثبيته في البلاد التي تسمى "تجاوزا" إسلامية، والممتدة من المحيط إلى الخليج. هذا التصاعد المثير لبقايا الحركات الإسلامية / السلفية، أصبح يثير عدة مخاوف في الأوساط الألمانية، ذلك أن التمزق الفكري / الثقافي والهوياتي لأبناء الجاليات المسلمة، بالإضافة إلى تلقيهم لتربية تقليدية بجرعات زائدة من الإسلام من طرف العائلات التي تخاف من وقوعهم ضحايا لخطر "التغريب" جعل هذه الفئة تعتنق فكرا أكثر خطرا من كل الإيديولوجيات المتطرفة التي عرفها التاريخ، والأكثر خطورة على أمن واستقرار المجتمعات الأوروبية، وخاصة بألمانيا التي وصلت فيه السلفية المتطرفة إلى مستويات تثير قلقا متزايدا في الآونة الأخيرة، وهي تخوفات مشروعة بالنظر إلى "خطورة" الأفكار التي يعتنقها أتباع هذه الحركات، ولعل أحداث فرنسا الأخيرة خير دليل على حجم الخطورة التي تعيشها البلدان الأوروبية، والتي نعيشها نحن أيضا كجالية ريفية مؤمنة بقيم الحداثة في وطننا الثاني / ألمانيا. وهذه التخوفات يعكسها الإهتمام الإعلامي المتزايد بموضوع السلفية في علاقتها بالإرهاب / عدو الإنسانية بلا منازع، وهكذا نجد إحدى الصحف الألمانية خصصت مقالا مطولا للحديث عن السلفية ووضع تنظيمها على مجهر التحليل والتمحيص قصد الإجابة عن العديد من الأسئلة التي باتت تقضي مضجع الألمانيين وكل الذين يعيشون على هذا الجزء من بلاد الأنوار، مثل : من هو قائد الحركة السلفية؟ كيف تشتغل؟ ومن يقوم بتمويل أنشطتها بألمانيا؟ وما هي أهدافها؟ وما علاقتها بالإرهاب؟ ...الخ، وقد افتتحت الجريدة الألمانية مقالها بعبارات : "السلفية هي منهج إسلامي يدعو إلى فهم الكتاب والسنة ، وهي حركة من بين عشرات الحركات الموجودة في الإسلام ليسوا كلهم إرهابيون لكن جلهم يتعاطفون معهم، وتجمعهم الصلاة بالإرهابيين"... وهي عبارات تحمل أكثر من دلالة حول هذه الحركة وأنشطتها وتداعيات كل ذلك على العلاقات بين الألمانيين والجاليات المنحدرة من أوساط إسلامية. وهذا الاهتمام الإعلامي المتزايد بهذه الحركة الغامضة جاء على خلفية تحركات غير اعتيادية قامت بها السلفية مؤخرا، وهي تحركات تثير عدة مخاوف، وهو ما جعل الصحافة الألمانية تدق ناقوس الخطر بتناولها لهذا الموضوع من زوايا مختلفة، مطالبة في نفس الوقت الدولة بالتدخل لوضع حد للأنشطة السلفية، أو على الأقل إخضاعها للمراقبة، خاصة وأنها أنشطة جد مكلفة ماديا وتنظيميا (توزيع أزيد من مليون نسخة من القرآن مترجم إلى اللغة الألمانية صاحبتها تصريحات لأحد قياديي الحركة السلفية لأحدى القنوات التلفزية، بكون الحركة تتوفر على إمكانيات مادية جد كبيرة تسمح لها بترجمة وطبع أعداد كبيرة من النسخ القرآنية وتوزيعها بالمجان فوق التراب الألماني)... وهذا يعني أن الحركة السلفية بدولة "ألمانيا" هي بمثابة دولة داخل الدولة، نظرا لميزانيتها الضخمة التي قد تعادل الميزانية السنوية لدولة من دول العالم الثالث، فإذا اعتبرنا أن نسخة واحدة من كتاب كبير الحجم كالقرآن يعادل ثمنها 5 أورو، (كأدنى تقدير) فإن مليون نسخة يعادل ثمنها 5 ملايين أورو، بالإضافة إلى تصريحات لسلفيين تفيد توفرهم على إمكانية مالية ضخة يطرح أكثر من علامة استفهام في ظل الوضعية الحالية، خاصة حول مصدر الثروة، وهنا تكشف الصحيفة الأكثر مبيعا في ألمانيا "بيلد" عن جزء من اللغز حيث زارت بيت أحد قياديي الحركة السلفية لتنقل للرأي العام الألماني نزر يسير من الإجابات عن الأسئلة الأكثر مقلقة، وفي هذا السياق تقول "بيلد" : "هو فلسطيني دخل الى الاراضي الالمانية بطريقة غير شرعية، وبما انه فلسطيني، فقد حصل على اللجوء السياسي، تزوج ورزق بثلاثة ابناء...بين عشية وضحاها أصبح رجل أعمال معروف ومليونير يملك من الثروة ما يخول له بان يترجم مليون نسخة من القرآن. لكن ورغم توفره على اموال طائلة لا يزال يستفيد من مساعدات الضمان الاجتماعي، إضافة الى منح الأبناء". وتضيف نفس الصحيفة : " رغم انه قضى سنوات طويلة في ألمانيا الا انه لم يسبق له أن اشتغل". الآن أصبحت تتضح الصورة شيئا فشيئا، فالعاطل الذي يملك من المال ما يمكنه من تغطية كل مصاريف الحركة السلفية بدولة كبيرة كألمانيا، والذي لم يسبق له أن اشتغل ك "أيها الناس" لا يمكن إلا أن يكون واحدا من بين العديد من الذين جعلوا من المتاجرة بالدين مهنتهم المفضلة، وبها يتمكنون من الإغتناء السريع دون تحمل مشقة العمل، ويَزيد المعني بالأمر من توضيح الصورة أكثر حين يقول في إحدى تصريحاته بأنه يملك سيارة تقدر قيمتها ب 35000 أورو، أهداها له أحد أصدقائه، وهذا يعني أن صديقه أيضا من التجار الكبار في هذا الدين، ويعني أيضا أن هؤلاء منتظمين في إطار شبكة خطيرة تهدد أمن وسلامة المجتمع الألماني "الكافر" حسب معتقداتهم التكفيرية. وبالإضافة إلى عمل هؤلاء كتجار في "الدين" يستفيدون من المعاشات التي تمنحها الدولة الألمانية لمواطنيها، في نفس الوقت الذي يصفون فيه الألمان بالكفار، وهنا طرحت الجريدة المذكورة آنفا على ضيفها السلفي السؤال التالي : "ما موقف منهج السلف الصالح (السلفية) من أكل أموال الكفار وعرق العمال، خاصة إن كانوا نصارى ويهود؟ أي لماذا يستفيد السلفيون أموال العاهرة "جكلين الشقراء" و "هانتس الشاذ الجنسي" كما يسمونهم هؤلاء الذين يحيون حياة الملوك والأمراك في بلاد الكفار ،على حد تعبيرهم. والحركة السلفية في بلاد ماركس وانجلس وفيبر... رغم كونها متزعمة من طرف فلسطيني إلا أن تركيبتها البشرية يطغى عليها الطابع الريفي / الأمازيغي / المغربي بعد انسلاخ هؤلاء عن هويتهم الأمازيغية المسالمة، وارتمائهم بين بين مخالب الإيديولوجية الأكثر فتكا للقيم الإنسانية (أي السلفية)، وهم مستعدون ، للأسف، لقيام بأي شيء في سبيل هذه الإيديولوجية وقادتها العرب المشارقة الذين تعلموا منهم الأمازيغيين نمط الحياة "الصحراوي" بدءا باللحى الطويلة وانتهاءا بالألبسة الأفغانية، بل والأكثر خطورة من كل هذا هو جمع التبرعات لمساعدة فلسطين في الوقت الذي يعيش فيه بلادهم / بلادنا الريف وضعا كارثيا بامتياز لا يخفى على أي أحد. أليس هناك نقط متشابهة بين الريف و فلسطين؟ أليس الريف مهمش اكثر من فلسطين؟ أليس الريف عانى ولا يزال يعاني من الاستعمار؟ أليس الريف محتل أيضا؟ وهل يهتم الفلسطيني لحالنا؟ ألم يمت الملايين من الريفيين منذ سيطرة العلويين على وطنهم / وطننا منذ أسرهم الأولى إلى الملوك العلويين منذ 1956، محمد الخامس، الحسن الثاني وانتهاءا بمحمد السادس؟ وهل سبق أن تضامن أي فلسطيني مع الريف في كل محنه، وفي كل المجازر التي كان مسرحا لها، بل وحتى عندما حوله المخزن المركزي إلى مختبر للموت في نهاية عقد الخمسينات ؟؟ بالإضافة إلى هذا نجد أغلبية الريفيين من الذين يقدمون الدعم لفلسطين من الطبقة المتوسطية ومعظمهم من العمال البسطاء، في الوقت الذي نسجل فيه امتلاك شيوخ السلفية من السلفية لأفخم السيارات 'من صنع "الكفار الأمريكيين أو الأوروبيين، ويسكنون أفضل القصور والفيلات، ويحصلون على ملايين اليوروهات من طرف المغفلين مقابل فتاواهم "الغبية" كإرضاع الكبير وممارسة الجنس مع زوجة ميتة، وتحريم المظاهرات التي يعتبرونها "فتنة" حيث أن الخروج عن طاعة الامير لا يجوز في مذهبهم، حتى لو كان هدا فاسقا وخارجا عن طاعة الله! وكرد فعل على هذه الأنشطة السلفية" خرجت حركة مناوئة للإسلام في وقفة احتجاجية رفعوا فيها رسوما كاريكاتورية نشرتها مجلة دنماركية في وقت سابق عن النبي محمد،إضافة الى علامات تحمل صور للمساجد الاسلامية كتب عليها "قف"، كإشارة عن رفضهم بناء مزيد من المساجد.هذه الوقفة أججت مشاعر السلفيين، واعتبرت مسا خطيرا لحق نبي الاسلام.وخرج الكثير منهم للتجمهر قبالة المناوئين للإسلام استعدادا لمواجهة محتومة لا أحد يعرف مصيرها ونتائجها، إلا أن تدخل قوات مكافحة الشغب في الوقت المناسب حال دون وقوع "كارثة حقيقية" وهو ما لم تستسغه الحركة السلفية التي شرع أعضائها في الصراخ والإعتداء على الغير، وتكسير السيارات، بل وطعن رجال الشرطة بالسكين، حيث أصيب ثلاثة من رجال الشرطة بطعنات غادرة من سكين سلفي متهور. وهذا الحادث صار حديث الساعة في الأوساط الإعلامية الألمانية (المكتوبة والسمعية البصرية) ودفع وزير الداخلية إلى عقد ندوة صحفية توعد فيها بعقوبات زجرية غير مسبوقة في حق السلفيين، ومنع أي نشاط لهم فوق التراب الألماني، وأعلن أن حركتهم هي "حركة محظورة بقوة القانون" وهو الأمر الذي أغضب العديد من السلفيين والمتعاطفين معهم من أبناء الجاليات المسلمة في الوقت الذي سعدت فيه شخصيا لهذا الخبر / القرار الشجاع، لأن هؤلاء السلفيين لا ينتجون إلا الحقد والكراهية من خلال تهجمهم على كل الأديان السماوية باستثناء الإسلام، بل وحتى على المسلمين المعتدلين المومنين بالإختلاف والتعدد، ويعتبرون أنفسهم ضحايا لمؤامرة يهودية، صهيونية، أمريكية، مسيحية.... الخ وكأن شغل العالم الشاغل هو الإعتداء على السلف الصالح. ويحملون أيضا أفكارا ضارة تخريبية جد متطرفة،إضافة إلى كونهم ضد الواقعية ومصابون بوباء العزلة، إنهم منعزلون عن المجتمع عن الدولة وقانونها، عن الناس، عن العائلة وحتى عن أنفسهم لأن عقولهم استوطنتها الأساطير والخرافات البدائية، إنهم فاشلون في عملهم، في دراستهم في حياتهم، افكارهم مجرد أضغاث أحلام سرعان ما تنفجر في أعصابهم وخلايا رأسهم.... والمشكلة الرئيسية في كل هذا هو أنهم يريدون أن يعلقوا كل فشلهم على أوروبا التي منحت لهم الكرامة الإنسانية لكن للأسف لا يستحقونها. إنهم منبوذون تحت سماء العلم والتحضر، ودائما ما يحنون الى تخلفهم وجهلهم، مصابون بجنون العظمة ويعتقدون انهم رجال وأن المخلوقات الأخرى ترتعد منهم، لكن في الحقيقة هم عبارة عن ريح صفراء قادمة من الصحاري المظلمة حاملة الغبار والرمال والجراثيم، وأينما حطوا رحالهم تنتشر الاوبئة والأمراض وحالات الجنون، وفي هذا الصدد لا يجب أن ننسى ما قاله أب العلامة ابن خلدون : "إذا عُربت خُربت، وإذا خُربت فلن تُسكن" لقد سئمنا من خرافاتهم وكلامهم الممل مند قرون عدة، ولم نرى منهم لا علما ولا إبداعا ولا إبتكارا، غير التخويف بنار جهنم، وتفجيرات بالأحزمة الناسفة وقتل واحتقار المرأة والإنسانية بصفة عامة.... هذا ما قدموه للبشرية. لقد نجحوا في تحويل دول كثيرة الى أوكار للإرهاب والتخلف، وبعد أن حطوا رحالهم في دول العلم والحضارة والثقافة أرادوا تحويلها إلى خراب ودمار على غرار ما قاموا به في أفغانستان وغيرها من البلدان التي تستحيل فيه الحياة، وأنكروا كل الجميل الذي قدمته لهم بلاد الأنوار، وخاصة ألمانيا التي عانت الويلات تاريخيا واستطاعت رغم ذلك بفضل إرادة أبناءها القوية بناء المجد الألماني، وأصبحت الملاذ الآمن للسلفيين المطرودين من بلادهم، وضامنة حريتهم وكرامتهم الإنسانية ، لكن للأسف يأكلون الغلة ويسبون الملة كما يُقال. فإلى كل المهاجرين المسلمين" المسالمين" أتوجه بالقول : "تمسكوا وأحبو أوطانكم الجديدة، واندمجوا فيها، فهي ضامنة كرامتكم الإنسانية، ورغم كل ما يمكن أن يُقال عن الكفر والإباحية والزندقة ... وغيرها، إلا أنها أطهر وأنظف وأكثر أمنا وعدلا من كل انظمة البؤس والظلم والشقاء والإستبداد والقهر المتذرع بالإسلام" ..... وللحديث بقية.