طنجة.. مصنع كبير "يطمع" في الرصيف ويشوّه وجه المدينة! (صور)    مشاركة OCP في "سيام".. ترسيخٌ للعنصر البشري في التحول الفلاحي    منتوج غريب يتسبب في تسمم 11 طفلا باشتوكة    الحبس النافذ لرجلي أمن ببنجرير    ريال مدريد يقلص الفارق مع برشلونة    بمشاركة واسعة للطلبة.. عميد كلية العلوم بتطوان يترأس فعاليات توعوية بمناسبة اليوم العالمي للأرض    موتسيبي: نجاح كرة القدم في المغرب يجسد القيادة المتبصرة للملك محمد السادس    بوعياش تدعو إلى صياغة مشروع قانون المسطرة الجنائية ببعد حقوقي    حموشي يستقبل مسؤول الاستعلامات ووفد أمني عن الحرس المدني الإسباني    61 مقعد ل"الأحرار" بالانتخابات الجزئية    بنعلي تعلن عن إنشاء أول محطة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال بالناظور على خلفية ارتفاع لافت للاستثمار في الطاقات المتجددة    وزراء أفارقة يتفقون بمكناس على خطة زراعية ودعم تفاوضي موحّد للقارة    خبراء ينادون بتدريس التنشيط الرياضي    الأردن يتهم "الإخوان" بتصنيع الأسلحة    "توريد أسلحة لإسرائيل" يفجّر استقالات بفرع شركة "ميرسك" بميناء طنجة    وزير الزراعة الفلسطيني يشيد بالدعم المتواصل لوكالة بيت مال القدس الشريف للمزارعين المقدسيين    شباب الريف الحسيمي يراهن على جماهيره في مواجهة وداد صفرو    مقاضاة الدولة وأزمة سيادة القانون: الواقع وال0فاق    الحكم الذاتي والاستفتاء البعدي!    رئيس الحكومة يشرف على انطلاق جولة أبريل من الحوار الاجتماعي    سابقة قضائية.. محكمة النقض تنتصر لشابة تعاني اضطرابات عقلية أنجبت طفلا من شخص بالحسيمة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    وزراء الخارجية العرب يرحبون بانتخاب المغرب لرئاسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان    بعد حوادث في طنجة ومدن أخرى.. العنف المدرسي يصل إلى البرلمان    الابتكار في قطاع المياه في صلب نقاشات الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    بالتعاون مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.. نقل سيدة إيفوارية من الداخلة إلى مراكش عبر طائرة طبية بعد تدهور حالتها الصحية    في حضرة الوطن... حين يُشوه المعنى باسم القيم    المغرب يجذب مزيدا من الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين الدوليين (صحيفة فرنسية)    الإتحاد الأوروبي يخاطر بإثارة غضب ترامب    وزراء الخارجية العرب يؤكدون على مركزية اتفاق الصخيرات كإطار عام للحل السياسي في ليبيا    بطلة مسلسل "سامحيني" تشكر الجمهور المغربي    الكتاب في يومه العالمي، بين عطر الورق وسرعة البكسل    نادي "الكاك" يعتذر لجمهور القنيطرة    نادي مولودية وجدة يحفز اللاعبين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب إسطنبول    وفاة الإعلامي الفني صبحي عطري    تراجع أسعار الذهب مع انحسار التوترات التجارية    "طنجة المتوسط" يؤكد دعم الصادرات في المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    عباس يطالب "حماس" بتسليم السلاح    القضاء يستمع إلى متزوجين في برنامج تلفزيوني أسترالي    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    هذه أغذية مفيدة لحركة الأمعاء في التخلص من الإمساك    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    في الحاجة إلى مغربة دراسات الهجرة..    نقل نعش البابا فرنسيس إلى كاتدرائية القديس بطرس    في جولة أبريل من الحوار الاجتماعي.. الاتحاد العام لمقاولات المغرب يؤكد على تجديد مدونة الشغل والتكوين    المنتخب المغربي للتايكواندو يشارك في كأس رئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو بأديس أبابا    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور مروان شحادة (المتخصص في الحركات الجهادية):توسيع مساحة الحرية كفيل بمحاصرة الحركات المتطرفة
نشر في التجديد يوم 26 - 05 - 2010

يتميز الدكتور مروان شحادة الأردني بكونه من المتابعين لأطروحة التيارات الجهادية، وقد كتب مؤخرا كتابا متخصصا حول تحولات الخطاب السلفي، حاول فيه الإجابة عن كثير من الأسئلة التي ترتبط بالعلاقة بين الأطروحة السلفية التقليدية العلمية والأطروحة السلفية الجهادية، كما حاول رصد تحولات الحركات الجهادية والمراحل التي قطعتها حتى استقرت في الصيغة الدولية ذات الامتدادات الإقليمية المعروفة، وحاول في كتابه أن يتتبع مفاصل الخطاب السلفي وأهم المفردات العقدية والمرجعيات الفقهية التي يعتمدها وكيف تكيفت مواقفه من الغرب والنظم السياسية والديمقراطية والمرأة، وانتهى في كتابه إلى خلاصات كثيرة منه أن توسيع مساحة الحرية ومعالجة معضلة الاستبداد السياسي في العالم العربي، و إتاحة مناخ أوسع من الحرية للحركات الإسلامية المعتدلة من شأنه أن يضع اللبنات الأساس لمحاصرة هذه الظاهرة.
***
عرفت السلفية العلمية في نسختها الألبانية في مختلف بلدان العالم العربي والإسلامي قبل الحادي عشر من شتنبر بالتأسيس لأدبيات المهادنة للسلطان والتأصيل لطاعة ولي الأمر أو على الأقل عدم منازعته، في نظركم كيف وقع التحول إلى السلفية الجهادية، وهل يرجع الأمر إلى التأثر بأدبيات الجماعات الجهادية أم أن التحول وقع من رحم السلفية العلمية عبر حقن بعض مفاهيمها بمفردات تم استدعاؤها من الأدبيات الحركية الجهادية؟
نعتقد أن هناك الكثير من الأسباب والمؤثرات الإقليمية والدولية ساهمت في تحول الخطاب السلفي على المستوى الفكري، والسياسي، والحركي، ويعتبر مفهوم السلفية على الرغم من انتشاره وتداوله من أكثر المفاهيم التباساً وغموضاً، وتختلف الأنظار في تبيان دلالته، حيث أن هذا المفهوم يضم عدة مدارس فكرية في محتواه، لذلك فإن تعريف مفهوم السلفية وتصنيفه، ربما يثير جدلاً لدى البعض، ومن الممكن أن يدفع المخالفون إلى توجيه الانتقادات لهذه التصنيفات، بسبب التعصب المذهبي لهذه المدرسة أو تلك، والانغلاق الفكري الذي سبب العجز عن الوصف الدقيق للواقع، وعدم إعطاء فقه الواقع القدر الكافي من الاجتهادات التي تصب في مصلحة الأمة الإسلامية، أو بمعنى آخر، إحياء النص بحيث يصبح مرناً غير جامد ليتحقق مقصود الشارع من النصوص في موافقتها لكل زمان ومكان. وبالمناسبة، فالمدارس السلفية ليست واحدة في توجهاتها ومنطلقاتها، وأعتقد لأنه من الممكن تصنيف المدارس السلفية إلى ثلاث مدارس، هي: المدرسة السلفية التقليدية، والمدرسة السلفية الإصلاحية، والمدرسة السلفية الجهادية، فعلى الرغم من التقاء هذه المدارس في كثير من المفاهيم العقدية من الناحية النظرية، إلا أن هناك فرق شاسع بين تلك المدارس من حيث أولويات العمل واستراتيجيات التغيير، بمعنى: هناك فروق بسيطة من الناحية النظرية في مسائل تتعلق بالإيمان والكفر، ومسألة الحاكمية، ففي الوقت الذي تعطي السلفية التقليدية شرعية للنظم السياسية القائمة، وتعتبر مهمتها في إحداث التغيير منحصرة في التربية والتصفية، والاقتصارعلى الجانب الدعوي وبشكل سلمي لاسيما ما يتعلق بمحاربة الشرك والابتداع. وتلتقي السلفية الحركية أو الجهادية مع المدارس السلفية الأخرى في فهم معظم الأصول المتعلقة بمسائل الإيمان والتوحيد ، وتختلف معها في المسائل العملية التطبيقية، المتعلقة بالجانب السياسي والاجتماعي.وتتراوح مواقف الحركات الإسلامية من أنظمتها السياسية في العالم العربي والإسلامي، بين الرؤى الإصلاحية التي تؤمن بالعمل السياسي السلمي من داخل الأنساق السياسية ، وبين الرؤى الجذرية التي تطرح نفسها بديلاً عنها، كما يلاحظ أن بعض هذه الحركات انطلقت أول ما انطلقت إصلاحية ثم تحولت إلى جذرية كما هو الحال بالنسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وبعضها تحول من الجذرية إلى الإصلاحية ومثال ذلك جبهة الإنقاذ الجزائرية، والجماعة الإسلامية في مصر. وقد جاء التحول الذي طرأ على مفاهيم السلفية عبر اجتهادات قام بها منظرو السلفية الجهادية تأثرت بأفكار علماء الدعوة النجدية من الناحية الدينية من جهة، ودمجت بين هذا الفهم مع المفاهيم الحركية والسياسية التي نادى بها المودودي وسيد قطب وغيرهما، من جهة ثانية.
عند تتبع مفردات السلفية الجهادية ومفاهيمها المركزية نجدها تجمع بين مفاهيم السلفية العلمية الوهابية مثل التوحيد ومفهوم الإيمان والإسلام، والولاء والبراء وغيرها، وبين مفاهيم حركية انتزعتها الجماعات الجهادية من سياقها القطبي أو المودودي، وصاغتها ضمن أطرا حركية جهادية. كيف تمت عملية المزج بين هاته المفاهيم علما أن الحركات السلفية كانت تحمل على التنظيمات الحزبية وتبدعها ووصلت في بعض الأحيان حد تكفيرها؟
أرجح أن تكون التحولات التي شهدتها السلفية بكافة مدارسها والتي أنتجت السلفية الجهادية، جاءت عبر سنوات طويلة من الاجتهاد النظري والعمل التنظيمي الحركي، وأن الاختلاف الواقع بين المدارس السلفية الثلاث ناتج بسبب الاجتهادات المتعلقة بالبعد السياسي والاجتماعي الذي أضفته على مفهوم التوحيد ، وأولويات العمل واستراتيجيات التغيير، التي تعتبر استخدام القوة الأداة الوحيدة لإحداث التغيير، وأن التغيير لا بد وأن يكون جذرياً، لا إصلاحاً، لأن الإصلاح بحسب تلك الجماعات لم يجد نفعاً عبر سنوات طويلة.
في كتابكم تحولات الخطاب السلفي : الحركات الجهادية حالة دراسة 1990/,2007 ركزتم على تحولات الخطاب، وكيف انتقل من المفاهيم العقدية إلى تقديم رؤيته للواقع السياسي ضمنها موقفه من الأنظمة السياسية ومن الديمقراطية والمشاركة السياسية والموقف من المرأة، والموقف من القضية الفلسطينية، ثم إلى تفصيل عناصر استراتيجيته في التغيير.لكنكم ركزتم على دور تنظيم القاعدة في إحداث هذا التحول من العقدي إلى السياسي، كيف تفسرون ذلك؟
بينت في كتابي الذي حمل عنوان: تحولات الخطاب السلفي: الحركات الجهادية حالة دراسة، ,2007 1990 والذي صدر عن الشبكة العربية للأبحاث والدراسات، أنني سأتناول رصد وتتبع الخطاب السلفي الجهادي من خلال أدبيات تنظيم القاعدة المركزي وفروعه المنتشرة في العالم، فالقاعدة، هي بدون شك، مدرسة فكرية إسلامية تنتمي إلى أيديولوجيا السلفية الجهادية المجددة، التي تحاول أن تستند إلى مرجعيات تراثية تاريخية كالإمام أحمد بن حنبل أحد الأئمة الأربعة في المذهب السني، ومجدد المذهب شيخ الإسلام بن تيمية في القرن الثالث عشر الميلادي؛ والذي يُعد الأب الروحي للحركات السلفية الجهادية المعاصرة، ومحمد بن عبد الوهاب مؤسس الحركة الوهابية في السعودية في القرن الثامن عشر الميلادي، ويعتبر سيّد قطب الأب الحقيقي للسلفية الجهادية المعاصرة، وكذلك يعتبر أبو محمّد المقدِسي وأبو قَتادة الفلسطيني من أبرز منظري هذا التيار.
ويطلق أبو قتادة على مفهوم الحركة الجهادية العالمية، والتي تمثل عمليًاتنظيم القاعدة، بأنها الأمل، وأنها حركة سلفية التصور والرؤى، سلفية المنهج والطريق، ويرى أنها بريئة كل البراءة من الإرث المنحرف في فكر الأشاعرة، والماتريدية، وسليمة كل السلامة من آثار المنهج الصوفي الضال، وأنها لا تنتسب إلى أي مذهب وطريق، إلا طريق الكتاب والسنة، وأنها بصيرة بحال أهل زمانها، تصبغ أعمالها بالبعد التعبدي لحركة الصحابي الأول في الأرض.
أعتقد أن نجاح تنظيم القاعدة فيعولمة الجهادفي ظل تصديه لاستراتيجية الحرب على الإرهاب، المنبثقة عن نظرية صراع الحضارات، بعد انهيار الإتحاد السوفييتي وتحول النظام الدولي إلى نظام أحادي القطبية بهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، جعلته تنظيمًا إسلاميًا عالميًا، ويعتبر التيار السلفي الجهادي والذي تمثله الحركات الجهادية من أكبر التحديات الإستراتيجية التي يواجهها المجتمع الدولي، وعلى رأسها تنظيم القاعدة الذي استهدف وما يزال يستهدف الولايات المتحدة الأمريكية، ويسعى إلى إفشال مشاريعها ومخططاتها، إقليميا ودوليًا.
تناولتم في كتابكم قضية تنظيم القاعدة والدور الفاعل الذي يقوم فيه في العلاقات الدولية، وتناولتم بتفصيل انتشار هذا التنظيم وتوسعه في العالم. في نظركم هل يمكن الحديث عن تنظيم القاعدة بفروع في مختلف بلدان العالم، أم الأمر يتعلق بمجرد امتدادات إقليمية لفكر القاعدة من غير عضوية تنظيمية للقاعدة؟
كانت السلفية الجهادية في العالم الإسلامي قد وصلت إلى طريق مسدود بعد أن عجزت عن السيطرة على البلدان التي توجد فيها، وإقامة هدفها المنشود المتمثل بإقامة الدولة الإسلامية دولة الخلافة وفق الإستراتيجية السلفية الجهادية التي ارتكزت على قتال العدو القريب الذي تمثله الأنظمة العربية والإسلامية التي سلبت حق الله في التشريع بحسب المنظور السلفي الجهادي الذي وضع أسسه سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وعمل على تطويره صالح سرية في رسالة الإيمان وبلوره بشكل كامل عبد السلام فرج في رسالته الفريضة الغائبة، التي قامت على هديه جماعات السلفية الجهادية في العالم، إلا أن الفشل الذر يع الذي منيت به هذه الجماعات ولد قناعة لديها بأن هذه الأنظمة لا تستند إلى قوتها الذاتية، وإنما إلى قوة بعيدة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ولذبك اعتبرت أنها هي التي يجب أن تكون الهدف الأول في إستراتيجية السلفية الجهادية، وقد تبلورت هذه الاجتهادات عن تأسيس تنظيم القاعدة، الذي أعلن عنه كتحالف واسع يضم جماعات سلفية جهادية متعددة في مناطق مختلفة أخذ صيغة الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين والأمريكان عام ,1998 وتعتمد الإستراتيجية الجديدة على قتال العدو البعيد الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بشكل أساسي، وقد تم التوصل إلى هذه الأطروحة عقب سجالات متعددة في الأوساط السلفية الجهادية تزامنت مع أطروحات صدام الحضارات، حيث ظهرت بشكل متكامل في كتاب فرسان تحت راية النبي للرجل الثاني في تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري، حيث بدأ الشروع في تطبيق هذه الإستراتيجية عبر تفجيرين متزامنين في كل من تنزانيا وكينيا عام ,1998 ثم تفجير المدمرة كول عام ,2000 وقد توجت هذه الإستراتيجية بالهجوم الكبير على نيويورك وواشنطن في 11 شتنبر ,2001 والتي ووجهت برد أمريكي عنيف، حيث كان المحافظون الجدد والإدارة الأمريكية قد طورت إستراتيجية جديدة ترتكز على الحروب الاستباقية في سياق إستراتيجيتها الموسعة الحرب على الإرهاب، وعلى الرغم من اتساع نطاق هذه الحروب إلا أنها فشلت في القضاء على المجموعات السلفية التي طورت إستراتيجيتها وتكتيكاتها القتالية وخصوصا بعد الاحتلال الأمريكي لكل من أفغانستان والعراق، التي شكلت بيئة خصبة لنمو وازدهار الحركات السلفية الجهادية التي أصبحت تشكل تهديداً على المستوى الإقليمي والدولي.
وقد تولدالسلفية الجهادية في ظل ظروف سياسية ذات طبيعة فكرية وحركية مبنية على مفاهيم وقيم الصراع مع أنظمة الحكم العربية القطرية، لتحديد هوية الدولة والمجتمع، وكانت هذه الظروف هي الغالبة في فاعلية الحركات الإسلامية مع مجمل القضايا الفكرية النظرية والتطبيقية وطريقة التوظيف السياسي للدين الإسلامي، وعلاقة ذلك مع مؤسسات الدولة، الأمر الذي أفرز إشكاليات فكرية في سلوك ومسار هذه الحركات، فضلا عن تعنت تلك الحركات الإسلامية في ساحة العمل السياسي والوطني في التعامل مع قضية الأمة العربية والإسلامية المحورية ( القضية الفلسطينية)، عبر رفض المفاوضات والحوارات التي يتبناها المجتمع الدولي، بسبب وصول قيادات هذه الحركات إلى قناعة عميقة بعدم جدية وجدوى تلك المفاوضات ومشاريع التسوية، من هنا دفعت بتلك الحركات إلى التصدي للمشروع الاستعماري الاحتلالي لأي دولة عربية وإسلامية وجعلها في مقدمة الحركات التي تقود المقاومة والممانعة في العالم، حيث يقصد بحركات الجهاد في العالم الإسلامي بحسب عمر محمود أبو عمر( أبو قتادة الفلسطيني) والذي يعد أحد منظري السلفية الجهادية في العالم، أنها تلك التجمعات والتنظيمات التي قامت من أجل إسقاط الأنظمة الطاغوتية الكافرة في بلاد الردة، وإحياء الحكومة الإسلامية التي تقوم على تجميع الأمة تحت راية الخلافة الإسلامية، وقد طرح الخطاب السلفي الإحيائي فكراً سياسياً جديداً مختلفاً عن الخطاب السلفي التقليدي، عمل على سد الخلل والنقص الذي لازم السلفية التقليدية خ بحسب مؤيديه-، ومارس العمل الجماعي والحركي والسياسي والجهادي، الذي أهملته الرؤية السلفية التقليدية وحاربته على مدى عقود طويلة.
وعلى الرغم من الانتشار العالمي الذي شهدته أيديولوجيا السلفية الجهادية التي تنسجم مع أيديولوجيا ومنهج تنظيم القاعدة من الناحية الفكرية والعقدية والحركية، التي انتقلت من المحلية إلى الإقليمية ثم الدولية، إلا أن هناك العديد من تلك الحركات السلفية الجهادية التي لا ترتبط تنظيمياً مع تنظيم القاعدة المركزي، بمعنى أنها لم تعط أو تعلن البيعة لقيادة تنظيم القاعدة المركزي، ومثال ذلك حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وجيش الأمة وجيش الإسلام وجماعة التوحيد والجهاد في فلسطين، وربما يرجع السبب إلى أن هذه الحركات لم تنضج من الناحية العسكرية بحيث تصبح قادرة على مواجهة التحديات العسكرية والأمنية في حال ما أعلنت انضمامها لتنظيم القاعدة المطارد عالمياً، وربما يعود إلى تحفظ هذه الحركات على بعض الممارسات الخاطئة التي تنتهجها عناصر القاعدة في العراق وفي غيرها من البلدان العربية والإسلامية.
يختلف تقييم الدارسين والباحثين للحركات الجهادية بين رأي يرى أن هذه التنظيمات ستزيد توسعا وامتداد وستشكل تهديدا حقيقيا للاستقرار السياسي والأمن الدولي في العالم، وبين رأي يرى أن هذه التنظيمات يعيش الآن في عنق الزجاجة وأن تنفسه الوحيد يتم داخل مناطق التوتر مثل العراق مثلا. ما هو الرأي الذي تميلون إليه؟
تتغذى الحركات السلفية الجهادية على مجموعة من الأفكار والمفاهيم المستندة إلى ما يعرف بالسلفية الحركية، وتستمد هذه الحركات قوتها من وجود جملة من المظالم والقضايا العادلة وعلى رأسها قضية فلسطين، والاحتلال الإسرائيلي، والاحتلال الأمريكي لكل من أفغانستان والعراق، وانحياز المنظمات الدولية تجاه القضايا العربية والإسلامية( كشمير، الفلبين، الشيشان) وغياب الإصلاح وشيوع الاستبداد في العالمين العربي والإسلامي، وهيمنة الولايات المتحدة على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية في العالم، وتحيزها بالكامل مع إسرائيل، لذلك فإن مستقبل هذا التيار هو رهين بتحقيق العدالة واحترام كرامة الإنسان، وإزالة أسباب الفساد والفقر والتهميش والبطالة، وإحداث تنمية حقيقية مستقلة لا تقوم على أساس التبعية للغرب، وكذلك حل القضية الفلسطينية على أساس من العدل.
في خلاصاتكم، انتهيتم إلى أن جزءا من أسباب انتشار التيارات الجهادية يعود من جهة إلى إيديولوجيا الهيمنة التي أنتجتها الولايات المتحدة الأمريكية ووصلت إلى ذروتها مع المحافظين الجدد المظلومية الكبيرة التي تعيشها قضية فلسطين، ويعود من جهة أخرى إلى جو الانسداد والاستبداد السياسي وضعف التنمية والتحديث في البلدان العربية، ألا ترى معي أن إستراتيجية التضييق على الحركة الإسلامية المعتدلة ومنعها من الاندماج السلس في الحياة السياسية كان له دوره في تبرير توجه بعض الشرائح المجتمعية إلى التنظيمات الجهادية العنفية؟
أعتقد أن الغرب عموماً، والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص يتخبط كثيراً في رسم السياسات المتعلقة بإستراتيجية التعامل مع هذه الحركات، حيث وضعت الولايات المتحدة الأمريكية الإسلاميين في سلة واحدة متهمين ، دون التفريق بين ما يسمى حالياً بالحركات المعتدلة أو الأقل اعتدالاً والمتشددة.
مما لا شك فيه فإن هناك عدم ثقة متبادلة ما بين الحركات الإسلامية من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة ثانية، وقد أثبتت التجارب أن عدم الثقة هذه لا تنحصر في الحركات والجماعات الإسلامية الجهادية، بل تعداه إلى عدم الثقة بكافة الحركات والأحزاب الإسلامية المعتدلة وغيرها، وهذا نابع من التخوف المستمر من الهدف الذي تسعى إليه تلك الحركات، المتمثل باستئناف الحياة الإسلامية.
ولعل فوز حماس في الانتخابات الأخيرة أظهر تناقضا صارخا في منظومة القيم الديمقراطية وشكل هذا الفوز مأزقا للديمقراطيات في العالم، ففي الوقت التي تعمل فيه الولايات المتحدة على رفع شعار الديمقراطية والحرية، نجد انتكاسة ظاهرة في الموقف الأمريكي تجاه فوز حماس والتعامل معها، وهو ما يظهر تناقض السياسة الأمريكية وزيف ونفاق الديمقراطية الغربية، وقد تجلى ذلك عبر الموقف الرسمي الأمريكي الذي بلور موقفا معاديا لحركة حماس وإصرارا على معاقبة الشعب الفلسطيني لاختياره الحر والنزيه، كما كشف زيف إدعاءات إسرائيل بالديمقراطية والشفافية.
ومن المؤكد أن إعطاء مساحة كافية من الحرية والحركة للجماعات والأحزاب الإسلامية المعتدلة يحد من خيارات الشباب في التوجه نحو خيار ما يعرف بالحركات المتشددة العنيفة، ويقلل من فرص التجنيد والاستقطاب لدى تلك الحركات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.