يتميز الدكتور مروان شحادة الأردني بكونه من المتابعين لأطروحة التيارات الجهادية، وقد كتب مؤخرا كتابا متخصصا حول تحولات الخطاب السلفي، حاول فيه الإجابة عن كثير من الأسئلة التي ترتبط بالعلاقة بين الأطروحة السلفية التقليدية العلمية والأطروحة السلفية الجهادية، كما حاول رصد تحولات الحركات الجهادية والمراحل التي قطعتها حتى استقرت في الصيغة الدولية ذات الامتدادات الإقليمية المعروفة، وحاول في كتابه أن يتتبع مفاصل الخطاب السلفي وأهم المفردات العقدية والمرجعيات الفقهية التي يعتمدها وكيف تكيفت مواقفه من الغرب والنظم السياسية والديمقراطية والمرأة، وانتهى في كتابه إلى خلاصات كثيرة منه أن توسيع مساحة الحرية ومعالجة معضلة الاستبداد السياسي في العالم العربي، و إتاحة مناخ أوسع من الحرية للحركات الإسلامية المعتدلة من شأنه أن يضع اللبنات الأساس لمحاصرة هذه الظاهرة. *** عرفت السلفية العلمية في نسختها الألبانية في مختلف بلدان العالم العربي والإسلامي قبل الحادي عشر من شتنبر بالتأسيس لأدبيات المهادنة للسلطان والتأصيل لطاعة ولي الأمر أو على الأقل عدم منازعته، في نظركم كيف وقع التحول إلى السلفية الجهادية، وهل يرجع الأمر إلى التأثر بأدبيات الجماعات الجهادية أم أن التحول وقع من رحم السلفية العلمية عبر حقن بعض مفاهيمها بمفردات تم استدعاؤها من الأدبيات الحركية الجهادية؟ نعتقد أن هناك الكثير من الأسباب والمؤثرات الإقليمية والدولية ساهمت في تحول الخطاب السلفي على المستوى الفكري، والسياسي، والحركي، ويعتبر مفهوم السلفية على الرغم من انتشاره وتداوله من أكثر المفاهيم التباساً وغموضاً، وتختلف الأنظار في تبيان دلالته، حيث أن هذا المفهوم يضم عدة مدارس فكرية في محتواه، لذلك فإن تعريف مفهوم السلفية وتصنيفه، ربما يثير جدلاً لدى البعض، ومن الممكن أن يدفع المخالفون إلى توجيه الانتقادات لهذه التصنيفات، بسبب التعصب المذهبي لهذه المدرسة أو تلك، والانغلاق الفكري الذي سبب العجز عن الوصف الدقيق للواقع، وعدم إعطاء فقه الواقع القدر الكافي من الاجتهادات التي تصب في مصلحة الأمة الإسلامية، أو بمعنى آخر، إحياء النص بحيث يصبح مرناً غير جامد ليتحقق مقصود الشارع من النصوص في موافقتها لكل زمان ومكان. وبالمناسبة، فالمدارس السلفية ليست واحدة في توجهاتها ومنطلقاتها، وأعتقد لأنه من الممكن تصنيف المدارس السلفية إلى ثلاث مدارس، هي: المدرسة السلفية التقليدية، والمدرسة السلفية الإصلاحية، والمدرسة السلفية الجهادية، فعلى الرغم من التقاء هذه المدارس في كثير من المفاهيم العقدية من الناحية النظرية، إلا أن هناك فرق شاسع بين تلك المدارس من حيث أولويات العمل واستراتيجيات التغيير، بمعنى: هناك فروق بسيطة من الناحية النظرية في مسائل تتعلق بالإيمان والكفر، ومسألة الحاكمية، ففي الوقت الذي تعطي السلفية التقليدية شرعية للنظم السياسية القائمة، وتعتبر مهمتها في إحداث التغيير منحصرة في التربية والتصفية، والاقتصارعلى الجانب الدعوي وبشكل سلمي لاسيما ما يتعلق بمحاربة الشرك والابتداع. وتلتقي السلفية الحركية أو الجهادية مع المدارس السلفية الأخرى في فهم معظم الأصول المتعلقة بمسائل الإيمان والتوحيد ، وتختلف معها في المسائل العملية التطبيقية، المتعلقة بالجانب السياسي والاجتماعي.وتتراوح مواقف الحركات الإسلامية من أنظمتها السياسية في العالم العربي والإسلامي، بين الرؤى الإصلاحية التي تؤمن بالعمل السياسي السلمي من داخل الأنساق السياسية ، وبين الرؤى الجذرية التي تطرح نفسها بديلاً عنها، كما يلاحظ أن بعض هذه الحركات انطلقت أول ما انطلقت إصلاحية ثم تحولت إلى جذرية كما هو الحال بالنسبة إلى جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وبعضها تحول من الجذرية إلى الإصلاحية ومثال ذلك جبهة الإنقاذ الجزائرية، والجماعة الإسلامية في مصر. وقد جاء التحول الذي طرأ على مفاهيم السلفية عبر اجتهادات قام بها منظرو السلفية الجهادية تأثرت بأفكار علماء الدعوة النجدية من الناحية الدينية من جهة، ودمجت بين هذا الفهم مع المفاهيم الحركية والسياسية التي نادى بها المودودي وسيد قطب وغيرهما، من جهة ثانية. عند تتبع مفردات السلفية الجهادية ومفاهيمها المركزية نجدها تجمع بين مفاهيم السلفية العلمية الوهابية مثل التوحيد ومفهوم الإيمان والإسلام، والولاء والبراء وغيرها، وبين مفاهيم حركية انتزعتها الجماعات الجهادية من سياقها القطبي أو المودودي، وصاغتها ضمن أطرا حركية جهادية. كيف تمت عملية المزج بين هاته المفاهيم علما أن الحركات السلفية كانت تحمل على التنظيمات الحزبية وتبدعها ووصلت في بعض الأحيان حد تكفيرها؟ أرجح أن تكون التحولات التي شهدتها السلفية بكافة مدارسها والتي أنتجت السلفية الجهادية، جاءت عبر سنوات طويلة من الاجتهاد النظري والعمل التنظيمي الحركي، وأن الاختلاف الواقع بين المدارس السلفية الثلاث ناتج بسبب الاجتهادات المتعلقة بالبعد السياسي والاجتماعي الذي أضفته على مفهوم التوحيد ، وأولويات العمل واستراتيجيات التغيير، التي تعتبر استخدام القوة الأداة الوحيدة لإحداث التغيير، وأن التغيير لا بد وأن يكون جذرياً، لا إصلاحاً، لأن الإصلاح بحسب تلك الجماعات لم يجد نفعاً عبر سنوات طويلة. في كتابكم تحولات الخطاب السلفي : الحركات الجهادية حالة دراسة 1990/,2007 ركزتم على تحولات الخطاب، وكيف انتقل من المفاهيم العقدية إلى تقديم رؤيته للواقع السياسي ضمنها موقفه من الأنظمة السياسية ومن الديمقراطية والمشاركة السياسية والموقف من المرأة، والموقف من القضية الفلسطينية، ثم إلى تفصيل عناصر استراتيجيته في التغيير.لكنكم ركزتم على دور تنظيم القاعدة في إحداث هذا التحول من العقدي إلى السياسي، كيف تفسرون ذلك؟ بينت في كتابي الذي حمل عنوان: تحولات الخطاب السلفي: الحركات الجهادية حالة دراسة، ,2007 1990 والذي صدر عن الشبكة العربية للأبحاث والدراسات، أنني سأتناول رصد وتتبع الخطاب السلفي الجهادي من خلال أدبيات تنظيم القاعدة المركزي وفروعه المنتشرة في العالم، فالقاعدة، هي بدون شك، مدرسة فكرية إسلامية تنتمي إلى أيديولوجيا السلفية الجهادية المجددة، التي تحاول أن تستند إلى مرجعيات تراثية تاريخية كالإمام أحمد بن حنبل أحد الأئمة الأربعة في المذهب السني، ومجدد المذهب شيخ الإسلام بن تيمية في القرن الثالث عشر الميلادي؛ والذي يُعد الأب الروحي للحركات السلفية الجهادية المعاصرة، ومحمد بن عبد الوهاب مؤسس الحركة الوهابية في السعودية في القرن الثامن عشر الميلادي، ويعتبر سيّد قطب الأب الحقيقي للسلفية الجهادية المعاصرة، وكذلك يعتبر أبو محمّد المقدِسي وأبو قَتادة الفلسطيني من أبرز منظري هذا التيار. ويطلق أبو قتادة على مفهوم الحركة الجهادية العالمية، والتي تمثل عمليًاتنظيم القاعدة، بأنها الأمل، وأنها حركة سلفية التصور والرؤى، سلفية المنهج والطريق، ويرى أنها بريئة كل البراءة من الإرث المنحرف في فكر الأشاعرة، والماتريدية، وسليمة كل السلامة من آثار المنهج الصوفي الضال، وأنها لا تنتسب إلى أي مذهب وطريق، إلا طريق الكتاب والسنة، وأنها بصيرة بحال أهل زمانها، تصبغ أعمالها بالبعد التعبدي لحركة الصحابي الأول في الأرض. أعتقد أن نجاح تنظيم القاعدة فيعولمة الجهادفي ظل تصديه لاستراتيجية الحرب على الإرهاب، المنبثقة عن نظرية صراع الحضارات، بعد انهيار الإتحاد السوفييتي وتحول النظام الدولي إلى نظام أحادي القطبية بهيمنة الولاياتالمتحدةالأمريكية، خاصة عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، جعلته تنظيمًا إسلاميًا عالميًا، ويعتبر التيار السلفي الجهادي والذي تمثله الحركات الجهادية من أكبر التحديات الإستراتيجية التي يواجهها المجتمع الدولي، وعلى رأسها تنظيم القاعدة الذي استهدف وما يزال يستهدف الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويسعى إلى إفشال مشاريعها ومخططاتها، إقليميا ودوليًا. تناولتم في كتابكم قضية تنظيم القاعدة والدور الفاعل الذي يقوم فيه في العلاقات الدولية، وتناولتم بتفصيل انتشار هذا التنظيم وتوسعه في العالم. في نظركم هل يمكن الحديث عن تنظيم القاعدة بفروع في مختلف بلدان العالم، أم الأمر يتعلق بمجرد امتدادات إقليمية لفكر القاعدة من غير عضوية تنظيمية للقاعدة؟ كانت السلفية الجهادية في العالم الإسلامي قد وصلت إلى طريق مسدود بعد أن عجزت عن السيطرة على البلدان التي توجد فيها، وإقامة هدفها المنشود المتمثل بإقامة الدولة الإسلامية دولة الخلافة وفق الإستراتيجية السلفية الجهادية التي ارتكزت على قتال العدو القريب الذي تمثله الأنظمة العربية والإسلامية التي سلبت حق الله في التشريع بحسب المنظور السلفي الجهادي الذي وضع أسسه سيد قطب وأبو الأعلى المودودي وعمل على تطويره صالح سرية في رسالة الإيمان وبلوره بشكل كامل عبد السلام فرج في رسالته الفريضة الغائبة، التي قامت على هديه جماعات السلفية الجهادية في العالم، إلا أن الفشل الذر يع الذي منيت به هذه الجماعات ولد قناعة لديها بأن هذه الأنظمة لا تستند إلى قوتها الذاتية، وإنما إلى قوة بعيدة وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولذبك اعتبرت أنها هي التي يجب أن تكون الهدف الأول في إستراتيجية السلفية الجهادية، وقد تبلورت هذه الاجتهادات عن تأسيس تنظيم القاعدة، الذي أعلن عنه كتحالف واسع يضم جماعات سلفية جهادية متعددة في مناطق مختلفة أخذ صيغة الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين والأمريكان عام ,1998 وتعتمد الإستراتيجية الجديدة على قتال العدو البعيد الذي تمثله الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل بشكل أساسي، وقد تم التوصل إلى هذه الأطروحة عقب سجالات متعددة في الأوساط السلفية الجهادية تزامنت مع أطروحات صدام الحضارات، حيث ظهرت بشكل متكامل في كتاب فرسان تحت راية النبي للرجل الثاني في تنظيم القاعدة الدكتور أيمن الظواهري، حيث بدأ الشروع في تطبيق هذه الإستراتيجية عبر تفجيرين متزامنين في كل من تنزانيا وكينيا عام ,1998 ثم تفجير المدمرة كول عام ,2000 وقد توجت هذه الإستراتيجية بالهجوم الكبير على نيويورك وواشنطن في 11 شتنبر ,2001 والتي ووجهت برد أمريكي عنيف، حيث كان المحافظون الجدد والإدارة الأمريكية قد طورت إستراتيجية جديدة ترتكز على الحروب الاستباقية في سياق إستراتيجيتها الموسعة الحرب على الإرهاب، وعلى الرغم من اتساع نطاق هذه الحروب إلا أنها فشلت في القضاء على المجموعات السلفية التي طورت إستراتيجيتها وتكتيكاتها القتالية وخصوصا بعد الاحتلال الأمريكي لكل من أفغانستان والعراق، التي شكلت بيئة خصبة لنمو وازدهار الحركات السلفية الجهادية التي أصبحت تشكل تهديداً على المستوى الإقليمي والدولي. وقد تولدالسلفية الجهادية في ظل ظروف سياسية ذات طبيعة فكرية وحركية مبنية على مفاهيم وقيم الصراع مع أنظمة الحكم العربية القطرية، لتحديد هوية الدولة والمجتمع، وكانت هذه الظروف هي الغالبة في فاعلية الحركات الإسلامية مع مجمل القضايا الفكرية النظرية والتطبيقية وطريقة التوظيف السياسي للدين الإسلامي، وعلاقة ذلك مع مؤسسات الدولة، الأمر الذي أفرز إشكاليات فكرية في سلوك ومسار هذه الحركات، فضلا عن تعنت تلك الحركات الإسلامية في ساحة العمل السياسي والوطني في التعامل مع قضية الأمة العربية والإسلامية المحورية ( القضية الفلسطينية)، عبر رفض المفاوضات والحوارات التي يتبناها المجتمع الدولي، بسبب وصول قيادات هذه الحركات إلى قناعة عميقة بعدم جدية وجدوى تلك المفاوضات ومشاريع التسوية، من هنا دفعت بتلك الحركات إلى التصدي للمشروع الاستعماري الاحتلالي لأي دولة عربية وإسلامية وجعلها في مقدمة الحركات التي تقود المقاومة والممانعة في العالم، حيث يقصد بحركات الجهاد في العالم الإسلامي بحسب عمر محمود أبو عمر( أبو قتادة الفلسطيني) والذي يعد أحد منظري السلفية الجهادية في العالم، أنها تلك التجمعات والتنظيمات التي قامت من أجل إسقاط الأنظمة الطاغوتية الكافرة في بلاد الردة، وإحياء الحكومة الإسلامية التي تقوم على تجميع الأمة تحت راية الخلافة الإسلامية، وقد طرح الخطاب السلفي الإحيائي فكراً سياسياً جديداً مختلفاً عن الخطاب السلفي التقليدي، عمل على سد الخلل والنقص الذي لازم السلفية التقليدية خ بحسب مؤيديه-، ومارس العمل الجماعي والحركي والسياسي والجهادي، الذي أهملته الرؤية السلفية التقليدية وحاربته على مدى عقود طويلة. وعلى الرغم من الانتشار العالمي الذي شهدته أيديولوجيا السلفية الجهادية التي تنسجم مع أيديولوجيا ومنهج تنظيم القاعدة من الناحية الفكرية والعقدية والحركية، التي انتقلت من المحلية إلى الإقليمية ثم الدولية، إلا أن هناك العديد من تلك الحركات السلفية الجهادية التي لا ترتبط تنظيمياً مع تنظيم القاعدة المركزي، بمعنى أنها لم تعط أو تعلن البيعة لقيادة تنظيم القاعدة المركزي، ومثال ذلك حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وجيش الأمة وجيش الإسلام وجماعة التوحيد والجهاد في فلسطين، وربما يرجع السبب إلى أن هذه الحركات لم تنضج من الناحية العسكرية بحيث تصبح قادرة على مواجهة التحديات العسكرية والأمنية في حال ما أعلنت انضمامها لتنظيم القاعدة المطارد عالمياً، وربما يعود إلى تحفظ هذه الحركات على بعض الممارسات الخاطئة التي تنتهجها عناصر القاعدة في العراق وفي غيرها من البلدان العربية والإسلامية. يختلف تقييم الدارسين والباحثين للحركات الجهادية بين رأي يرى أن هذه التنظيمات ستزيد توسعا وامتداد وستشكل تهديدا حقيقيا للاستقرار السياسي والأمن الدولي في العالم، وبين رأي يرى أن هذه التنظيمات يعيش الآن في عنق الزجاجة وأن تنفسه الوحيد يتم داخل مناطق التوتر مثل العراق مثلا. ما هو الرأي الذي تميلون إليه؟ تتغذى الحركات السلفية الجهادية على مجموعة من الأفكار والمفاهيم المستندة إلى ما يعرف بالسلفية الحركية، وتستمد هذه الحركات قوتها من وجود جملة من المظالم والقضايا العادلة وعلى رأسها قضية فلسطين، والاحتلال الإسرائيلي، والاحتلال الأمريكي لكل من أفغانستان والعراق، وانحياز المنظمات الدولية تجاه القضايا العربية والإسلامية( كشمير، الفلبين، الشيشان) وغياب الإصلاح وشيوع الاستبداد في العالمين العربي والإسلامي، وهيمنة الولاياتالمتحدة على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية في العالم، وتحيزها بالكامل مع إسرائيل، لذلك فإن مستقبل هذا التيار هو رهين بتحقيق العدالة واحترام كرامة الإنسان، وإزالة أسباب الفساد والفقر والتهميش والبطالة، وإحداث تنمية حقيقية مستقلة لا تقوم على أساس التبعية للغرب، وكذلك حل القضية الفلسطينية على أساس من العدل. في خلاصاتكم، انتهيتم إلى أن جزءا من أسباب انتشار التيارات الجهادية يعود من جهة إلى إيديولوجيا الهيمنة التي أنتجتها الولاياتالمتحدةالأمريكية ووصلت إلى ذروتها مع المحافظين الجدد المظلومية الكبيرة التي تعيشها قضية فلسطين، ويعود من جهة أخرى إلى جو الانسداد والاستبداد السياسي وضعف التنمية والتحديث في البلدان العربية، ألا ترى معي أن إستراتيجية التضييق على الحركة الإسلامية المعتدلة ومنعها من الاندماج السلس في الحياة السياسية كان له دوره في تبرير توجه بعض الشرائح المجتمعية إلى التنظيمات الجهادية العنفية؟ أعتقد أن الغرب عموماً، والولاياتالمتحدةالأمريكية على وجه الخصوص يتخبط كثيراً في رسم السياسات المتعلقة بإستراتيجية التعامل مع هذه الحركات، حيث وضعت الولاياتالمتحدةالأمريكية الإسلاميين في سلة واحدة متهمين ، دون التفريق بين ما يسمى حالياً بالحركات المعتدلة أو الأقل اعتدالاً والمتشددة. مما لا شك فيه فإن هناك عدم ثقة متبادلة ما بين الحركات الإسلامية من جهة والولاياتالمتحدةالأمريكية من جهة ثانية، وقد أثبتت التجارب أن عدم الثقة هذه لا تنحصر في الحركات والجماعات الإسلامية الجهادية، بل تعداه إلى عدم الثقة بكافة الحركات والأحزاب الإسلامية المعتدلة وغيرها، وهذا نابع من التخوف المستمر من الهدف الذي تسعى إليه تلك الحركات، المتمثل باستئناف الحياة الإسلامية. ولعل فوز حماس في الانتخابات الأخيرة أظهر تناقضا صارخا في منظومة القيم الديمقراطية وشكل هذا الفوز مأزقا للديمقراطيات في العالم، ففي الوقت التي تعمل فيه الولاياتالمتحدة على رفع شعار الديمقراطية والحرية، نجد انتكاسة ظاهرة في الموقف الأمريكي تجاه فوز حماس والتعامل معها، وهو ما يظهر تناقض السياسة الأمريكية وزيف ونفاق الديمقراطية الغربية، وقد تجلى ذلك عبر الموقف الرسمي الأمريكي الذي بلور موقفا معاديا لحركة حماس وإصرارا على معاقبة الشعب الفلسطيني لاختياره الحر والنزيه، كما كشف زيف إدعاءات إسرائيل بالديمقراطية والشفافية. ومن المؤكد أن إعطاء مساحة كافية من الحرية والحركة للجماعات والأحزاب الإسلامية المعتدلة يحد من خيارات الشباب في التوجه نحو خيار ما يعرف بالحركات المتشددة العنيفة، ويقلل من فرص التجنيد والاستقطاب لدى تلك الحركات.