شكل تعيين عبد الإله بنكيران رئسا للحكومة بالمغرب منعرجا هاما في الزمن السياسي المغربي يذكر بحكومة عبد الله إبراهيم التي أقالتها ضغوط ولي العهد أنذلك الملك الراحل الحسن الثاني. ورغم أن التاريخ لا يعيد نفسه إلا أنه في أوقات كثيرة يصنع الزمن السياسي تكتلات في الاجتماع البشري السياسي لا تنسجم وتصورات مالكي السلطة تاريخيا. فالعدالة والتنمية رغم اندراجه ضمن الأحزاب السياسية الإسلامية المعتدلة، فإن الدولة أخرجت لمواجهة هذا الحزب أجهزتها الخفية للعمل على إعادة تشطير وجمع النخبة السياسية والسيطرة عليها، انطلاقا من مركزية حزب الأصالة والمعاصرة وهامشية باقي الفاعلين. لكن هذه الخطة الدولتية، ستعصف بها رياح الربيع الديمقراطي المنطلق من تونس، كما أن هذه الرياح أدخلت إسلامي بن كيران إلى جزء من السلطة، تحت راية دستور يوحي بتنظيره لملكية برلمانية، بينما واقع السلطة يعاكسه، ويبقي على نظام ملكية دستوري تنفيذية سطرت منذ دستور 1962م. وكما أن الزمن السياسي لعب ضد إرادة التحكم والتسلط الذي رعاه النظام السياسي بالمغرب ، فإن مخرجات الرياح الديمقراطية جعلت من العدالة والتنمية جزء من سلطة يتوجب عليها انجاز رزنامة من الحلول العاجلة والملموسة وإيصالها لكافة بنيات المجتمع المغربي. مع مراعاة كون المطالب الشعبية اليوم بحكم الزمن السياسي والاقتصادي الوطني أكبر مما كان يُطلب من الملك نفسه، سواء من النخبة أو من الجمهور. وتبعا لذلك، يكون عامل الزمن مقياسا تجريبيا يحتكم اليه، للنظر في نجاح العدالة والتنمية على مستوى تدبير علاقته بالملكية، من جهة؛ والاستجابة الملموسة لمجموع المطالب الشعبية من جهة أخرى. فبماذا يوحي إلينا الزمن الماضي ( حوالي نصف سنه من قيادة الحكومة)؟ يمكن القول أن حزب العدالة والتنمية بقيادة بن كيران أستطاع الحفاظ على التوجه البركماتي في تدبير الأزمات سواء على مستوى بنية الحكومة واختلافاتها حول ملفات وقضايا الإصلاح، أو على مستوى علاقته برجال الأعمال وأصحاب الثروة؛ كما يمكن القول انه حقق مكاسب معتبرة في علاقته بالملكية ومحيطها. كما نجح تباعا لذلك في تدبير النفوذ الفرنسي القوي في المغرب. لكن ما يثير الانتباه في كل هذا هو مسألتيين: الأولى هي شخصية وخطاب بن كيران، والذي يضعنا من الناحية السوسيولوجية أمام ظاهرة جديدة قديمة في الحقل السياسي، فقد ارتبط الذهنية السياسية العربية الإسلامية، بظاهرة الزعيم ومركزيته في الإنقاذ، وإحلال الوضع السوي محل الفساد القائم، كما أن هذه الذهنية تحيل إلى "المهدوية السياسية" التي تنتظر الزعيم المتدين الملهم الذي يغير كل طالح إلى صالح؛ وإذا كان هذا ما يفسر الرضى والتفهم الكبير الذي ناله بن كيران كشخص، و قرارات الحكومة حتى تلك المتعلقة بالزيادة في أسعار المحروقات؛ فإن أفق الإعجاب بالزعيم السياسي بن كيران، قد يواجه مستقبلا صعوبات احتكار الملك لنفسه صفة الزعامة. ويدفعنا هذا الإفتراض للحديث عن المسألة الثانية التي ساعدة على النجاح المؤقت للعدالة والتنمية في تدبير الزمن السياسي، وهو مراهنة الحزب على مسألة الثقة بينه وبين المؤسسة الملكية. تتعلق المسألة الثانية إذن، بكلمة سحرية، لكنها غامضة غموض بعض نصوص دستور 2011م. فكثيرا ما يردد بن كيران وقيادات من العدالة والتنمية كلمة الثقة الملكية؛ ومن الواضح هنا أن هذا النوع من المفاهيم يدخلنا في حقل "التصوف السياسي"، ولا يمنحنا أي معيار مادي لقياس منحى دالة الثقة صعودا وهبوطا في العلاقة السياسية والسلطوية بين الملك والعدالة والتنمية، وخاصة مع بن كيران رئيس الحكومة. إن الصعوبة والغموض نفسه يحضران عند الحديث على التفسير الديمقراطي للدستور، في ظل حدود الثقة التي يضعها الملك أو تضعها قيادات العدالة والتنمية لنفسها؛ ذلك أن علاقة السلطة لا تهتم إلا بشكل محدود بالثقة، و لأن العلاقة بين القصر وبن كيران لن تصل إلى الثقة التامة على المدى المنظور على الأقل، فإن هذا بدوره يجعل التفسير الديمقراطي للدستور إذا ارتهن لمبدأ الثقة مغلولا وقد لا يمس إلا نصوصا بعينها في أحسن الأحوال. وبما أن الانتقالات الديمقراطية لا تقع إلا بشكل متدرج، فقد يقال أن الثقة الملكية هنا هو مدخل سليم لهذا الانتقال، لا التفسير الديمقراطي الموسع للدستور، وليس من الغريب أن نجد من داخل العدالة والتنمية من يدافع عن أولوية الثقة رغم غموضها، ويسمو بها في الزمن السياسي الراهن فوق الدستور رغم ما يحيل عليه من تعاقد شعبي بين الحاكم والمحكوم. أشرنا أعلاه للذهنية الشعبية المرتبطة بالمهدوية، وبحثها عن المخلص، ويمكن القول أن الثقة الملكية، ومفهومها عند قيادات العدالة والتنمية قد يشكل نوعا من البحث عن الخلاص السياسي، مما يغيب يحجب عن الذهن إمكانية لعب مفهوم الثقة لدور العائق الموضوعي لبناء علاقة ديمقراطية، وتعاقدية دستورية بين المؤسسة الملكية والحكومة. وعلى العكس من ذلك، فاعتماد مفهوم الإختصاص الدستوري بدل الثقة، سيزيل الغموض إلى حد كبير، وسيمنح رئيس الحكومة والنخبة السياسية عامة إمكانية زرع ثقافة قانونية تعاقدية في الذهنية العامة، تفهم الفعل والإنجاز السياسي من خلال الصلاحيات الممنوحة دستوريا لكل سلطة تنفيذية ملكية من خلال المجلس الوزاري، أو حكومية من خلال رئيس الحكومة. أن مشكل المغرب اليوم وهو يسعى للدخول في نادي الدول الديمقراطية، بدستور 2011م، هو إيجاد فئات شعبية عريضة تملك رأسمال ديمقراطي صلب يقوي الخيار الديمقراطي، ويمنع أن يكون هذا الأخير محل مراجعة من أية سلطة كانت. وهذا المشكل يدفعنا للقول أن نجاح العدالة والتنمية في تدبير الزمن السياسي قد لا يحالفه النجاح إذا لم يستثمر الحزب وزعيمه مشروعيتهما الشعبية الحالية، والتي عبرت عليها نتائج الانتخابات، في توسيع الديمقراطية في الثقافة الشعبية، بالذهنية والطريقة التواصلية التي يعتمدها بن كيران لتبرير قراراته وشرح مواقفه و سلوكه السياسي. باحث في العلوم السياسية