ترددت كثيرا و فكرت ماليا قبل أن أسحب قلمي و أبدأ في الكتابة و السرد و أنا أرى كل هده الظروف العصيبة و الملغومة التي تمر منها كلمة الحق في المغرب هذه الأيام ، فالاعتقالات سواء القانونية أو التعسفية انتشرت بشكل مريب انتشار النار في الهشيم. و أصبح اعتقال الناشطين السياسيين و الصحفيين الشباب عبر الانترنت يتم بشكل محترف مطبوخ على نار هادئة لم يعد يترك فيه مجال للطعن أو الانتقاد و بتهم لا علاقة لها بالسياسة أو الصحافة, فإما هذا بحيازة المخدرات أو ذاك بتهمة السكر العلني مع أن الأول يزرع في شمال المملكة و الثاني إما يستورد أو يصنع بالمغرب ، يباع في الأسواق التجارية الكبرى و الحانات في كل حرية -- بالطبع ماعدا شهر رمضان فالخمر كما يعلم الجميع حرام في شهر الصيام !!-- كل التجاوزات و الإختلالات التي يشهدها المغرب في ظل حكومة الإسلاميين الجديدة التي تعتبر ديمقراطية بالمقارنة نسبيا مع سالفتها جعلت الناس يتساءلون هل الخلل في المنظومة التسييرية للبلاد عامة و الهيكلة التنفيذية أم هو كامن في وزراء العدالة و التنمية أنفسهم ما دامت السلطة - و لو أنها نسبية- في أيديهم و هم حتى الآن لا يحسنون تدبيرها, ربما لنقص التجربة مقارنة مع زملائهم من الأحزاب المشكلة للحكومة و المتمرسين على مراكز القرار في حكومات سابقة . -السيد الرميد و سياسة ذر الرماد على العيون حين عين السيد الرميد وزيرا للعدل و الحريات إستشرق الناس خيرا لما كان يشهد للسيد من استقامة و نزاهة في المهام التي كان يتقلدها أيام كان في المعارضة, و لكن يبدو أن هناك فرقا كبيرا بين المواقف على الكراسي المتآكلة في المعارضة و نظيرتها المرفهة في دهاليز الحكم, فشتان بين كلام الأمس و اليوم للسيد الوزير الذي على ما يبدو لجم لسانه و كبلت يداه و أصبح حبيس المنصب الذي تقلده ، فخرجات الوزير المحترم باتت محصورة إما على التلفزيون الرسمي يدلو بدلوه في قضايا اغتصاب القاصرات أو عبر البرلمان نافيا أن هاد أو ذاك قد أختطف دون سند قانوني !- كما لو أن الاختطاف له أشكال قانونية و أخرى غير ذلك!- ناسيا أو متناسيا دوره الحقيقي كوزير للعدل و الحريات المثمثل في توفير الحماية للمواطن من المساطر البوليسية الظالمة و الملفات الملفقة دون نسيان الأهم و هم أولئك الناس -معتقلو السلفية الجهادية و أحدات 16 ماي- الذين اكتسب الشهرة على أيديهم و هو يهلل في محاكم المملكة لتوفير الظروف العادلة لمحاكمتهم و غيرها من المطالب الرنانة على مسامع المنظمات الحقوقية العالمية المدافعة عنهم - أما نظيراتها المغرية فما هي حقوقية إلا في الدفاع عن ما يسمونه حقوق المرأة المتجلي في العري و الفساد الذي أصبح يعيشه المجتمع المغربي - . -نجيب بوليف و سياسة التلفيف منذ أول مرة رأيت السيد نجيب بوليف- مع كل احترامي لشخصه - أيام المعارضة و هو يخطب على وزير المالية آنذاك واحدة من الخطابات المتضاربة فيها المعطيات - و الفيديو موجود على الانترنت- من يومها تيقنت أن ليس بين السيد الوزير الحالي والجمع و الطرح إلا الخير و ما زاد أكد لي ذلك هو أخر خرجة إعلامية له على القناة الأولى يشرح فيها أن الزيادة في سعر البنزين لن تضر المواطن البسيط الذي لا يملك سيارة ! وددت حينها من شدة الغضب الممزوج بالإحباط أن أسأله هل الدكتوراه التي حصل عليها هي حقا في الاقتصاد أم في الاركيولوجيا!. ألم تستيقظ عمليات الطرح و الجمع, الضرب, والقسمة لأيام الابتدائي في عقله النير لتذكره أن من ليس له سيارة هو يركب الحافلة و القطار و وسائل النقل العمومي و أن قوت يوميه مؤمن بالشاحنات المزودة للأسواق الشعبية و بالتالي كل زيادة في الوقود تعني زيادة في الرسوم و الواجبات المؤدى عنها و بالتالي سيؤدي المواطن الفقير الذي يشكل قاعدة الهرم الاستهلاكي الفرق بين السعر القديم و الجديد بطريقة غير مباشرة . -مصطفى الخلفي و الخروج من الباب الخلفي هو أصغر وزير في تاريخ المغرب المعاصر يعين على رأس وزارة الاتصال '' الڭولان ''- كما يحلو للبعض تسميتها- و هو أيضا أول و أصغر وزير مغربي يعلن ويصرح و يهدد أيضا بالاستقالة إن لم يتم تطبيق مشروعه الإصلاحي للقنوات التلفزية الغارقة في الفساد الإعلامي. و للأسف هو أيضا أصغر و أول من يقرص من أذنيه و يتم تذكيره بموضعه الحقيقي في الخارطة السياسية و التنفيذية المغربية المحصور على التنفيذ وليس التفكير أو اقتراح المشاريع الهيكلية لمنظومة الحكم، فالوزير الصغير - سنا - وللأسف خانته التجربة و الحنكة و سلم لعنفوان الشباب متحديا شيوخ و كهول الحقل السياسي فما كان بالمسكين إلا لملمة أوراقه و كراساته و العودة إلى مقعده في الفصل بعد توبيخ من المفتش التربوي-- نبيل بن عبد الله-- الذي تسلم الملف الشائك و لفه في ثوب مصنوع من لغة الخشب و سلمه إلى الجهات العليا الحاكمة علها تجد له مكانا في سراديب متاهات المكتبة الوطنية للملفات القابلة للإتلاف . -وزراء العتمة تبدأ اللائحة من السيد -عبد الإله باها -رفيق درب رئيس حكومتنا السيد عبد الإله بنكيران الوحيد الذي يعرف حتى الآن جدوى و منفعة تعيينه وزيرا للدولة بدون حقيبة اللَّهُمَّ إذا كان قد عيًٌنه ليجلس بجانبه في البرلمان ليضحك بأعلى صوت مطلقا العنان للتصفيق على نكات صديق عمره. بعده يأتي دور السيد الحبيب الشوباني الذي غير الخرجات الإعلامية الضاربة في عمل وزراء حكومته من الأحزاب الأخرى المشكلة للأغلبية, لا نجد له أي فائدة في منصب وزير العلاقات مع البرلمان في ظل هيمنة عبد الكريم غلاب على مفاتيح مجلسي البرلمان و المستشارين. و في أخر اللائحة لا ننسى العنصر النسوِي الوحيد في الحكومة, الممثل في السيدة بسيمة الحقاوي مناهضة موازين إبان أيام المعارضة, فالكل يتذكر خطابها التاريخي المناوئ للمهرجان في جلسة الأسئلة الشفهية في مجلس النواب مع أننا لم نسمع لها صوتا ولو ضعيفا كوشْوَشات حفيف الأشجار هذا العام مع أن مهرجان موازين يقام على مشارف أبواب وزارتها. -وزراء الكفاءة و للختام على هالة ضوء في ظل العتمة السياسية التي أصبحت تخييم على حكومة الإسلاميين و للأمانة الصحفية وجب الاعتراف أن هناك من هو كفؤ و يستحق المنصب الذي يتقلده و لن أجد أحسن من السيد عبد العزيز الرباح وزير التجهيز و لحسن الداودي وزير التعليم العالي و سعد الدين العثماني وزير الخارجية - رغم تحفظي على المنصب الذي ورط فيه هذا الأخير - إلا أنهم جميعا يقومون بعمل جبار وسط كل هذا الفساد الذي ينخر وزاراتهم ، يعملون في صمت بعيدا عن أضواء الشهرة و الإسترجال السياسي. و في الأخير على وزراء العدالة و التنمية أن يتذكروا أن أمال شعب بأكمله معقودة عليهم , يجب فقط عليهم- كيف ما كانت كفاءتهم- أن لا ينسوا أنهم مسيرون لا مخيرون في عملهم و أن الأحزاب تموت و تحيى على يد المخزن ولن يبقى في ذاكرتنا إلا عملهم و صنيعهم لهذا البلد العظيم .