كشفت نقابة “الاتحاد المغربي للشغل” عن أسباب عدم تصويتها على مشروع قانون مالية 2020 بمجلس المستشارين. وقالت النقابة إن مشروع قانون مالية 2020 يأتي في سياق سياسي واقتصادي واجتماعي يطبعه تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتدهور القدرة الشرائية لعموم المواطنين رغم المجهودات المبذولة التي لم تجب إلا جزئيا على المطالب الاجتماعية. وتراجع الحريات والحقوق المضمونة دستوريا وفي التزامات المغرب الدولية، وعلى رأسها الحريات النقابية في ظل استمرار الانتهاكات والهجوم المُمَنهج على الحقوق الأساسية للعاملات والعمال، بل وتشريدهم بالمئات والطرد والمتابعة القضائية للممثلين النقابيين.
وأوضحت النقابة أنها كانت تتطلع إلى جعل نقاش مشروع قانون المالية لحظة دستورية لترسيخ المسار الديمقراطي، ولتكريس المنهجية التشاركية للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمؤسساتية لمجتمعنا، فعوض أن تناقش الخلفيات الاستراتيجية للسياسات العمومية ومدى نجاعتها في تحقيق النمو المنشود والرفاه للشعب المغربي، أصبح هناك تباري وهدر للزمن على صياغة وتقديم تعديلات شكلية لا يُقبل منها إلا جزء يسير منها. وأكدت النقابة أنه كان لزاما على الحكومة أن تُعِدَّ مشروع قانون مالية 2020 على ضوء القانون الإطار للجبايات، الذي لا زال في قبة البرلمان ، ما يَنُمُّ عن تباطؤ وتَلَكُّؤ الحكومة في تثبيت وتكريس البعد المؤسساتي والقانوني المؤطر للجهاز التنفيذي، وكأن هذا السلوك مقصود لتمرير العديد من الإجراءات الضريبية التي كان من المفروض أن تحظى بالتأطير القانوني. واستغربت النقابة من كيفية ترحيل مسألة الحجز على ممتلكات الدولة للمرة الثانية الى مشروع قانون المالية (المادة9)، في الوقت الذي كان الأجدى أن تحظى هذه الإشكالية بالوقت الكافي من النقاش والترافع بالمؤسسات الدستورية في إطار تعديل قانون المسطرة المدنية. وأشارت أن هذا يؤكد نِية الحكومة المبيتة لتجريد البرلمانيين بِطُرق مُلتوية من ممارسة حقهم التشريعي. وشددت النقابة على أن السياسات العمومية انبرت منذ فترة “التقويم الهيكلي” وما ترتب عنه من تفقير وهشاشة وتفكيك للمنظومتين التعليمية والصحية والمساس بالحقوق الأساسية للشغيلة، على تحرير الاقتصاد المغربي، من خلال ما اصطلح عليه بتحرير الأسواق الأربعة المبرمجة، حيث تم تحرير سوقين وهما سوق السلع والخدمات والسوق المالي والبنكي ، ومع مَطْلَعِ 2018 أُطلق مسلسل تحرير السوق الثالثة وهي سوق الصَّرف على مراحل وذلك بتعويم مُتَحَكَّم فيه للدرهم. وأبرزت النقابة أن الحكومة تُهندس الآن لتحرير السوق الرابعة وهي سوق الشغل تماشيا وتناغما مع التزامات الدولة الخارجية، ومع توجيهات المؤسسات المالية الدولية، ومحاباة لأرباب العمل من خلال نية الحكومة في مراجعة مدونة الشغل، وبالتالي فرض المرونة. وحذرت النقابة من هذا التحرير، مؤكدة أنه لن يزيد الأوضاع إلا تفاقما، فضعف إنتاج الثروة والتوزيع غير العادل لها سواء على المستوى الاجتماعي أو المجالي الذي أدى إلى الشعور عند السواد الأعظم من المجتمع بالإِجْحاف والغُبن والإِحْبَاط، مرده بالأساس الى هذه السياسات. وأكدت النقابة أن الدولة تخلت عن مهامها سواء الهيكلية منها أو المرحلية، فتخاذلت في تثبيت منظومة تعليمية بوثيرة واحدة وأهداف واحدة لكل طبقات المجتمع المغربي، وبجودة عالية، وبذلك أهملت هذا القطاع كمِصْعَد اجتماعي وتَقَاعست عن القيام بإصلاح المنظومة الصحية وتوسيع وضمان الحريات الفردية منها والجماعية والنقابية، كما تخلت عن دورها كقاطرة اقتصادية، والتجأت إلى الخوصصة في المطلق مما حد من الدينامية الاقتصادية وساعد على توسيع رُقعة الريع وتفشي الرشوة والفساد. واعتبرت أن الهاجس الذي تحكم في صياغة مشروع القانون المالي هو التوازنات الماكرو-اقتصادية، فبالنظر إلى موارد الميزانية المحدودة (والتي لا تتجاوز 270 مليار درهم) فتوزيعها على أولويات متعددة يجعل الحصص المرصودة لكل أولوية لا يساوي شيئا أمام العجز الاجتماعي والاستثماري المتفاقم. وشددت النقابة على أن ما رُصد لقطاعي التعليم والصحة ا، يبقى هزيلا بالنظر إلى الخصاص المُهول الذي يعاني منه هذان القطاعان، فمادامت الدولة ترى المواطن كوسيلة فقط وتتحاشى تبويئه المكانة التي يستحقها كهدف، فإن العجز الاجتماعي سيظل قائما وقد يتفاقم، ومادامت الدولة لا تتعامل مع ما يرصد للقطاعات الاجتماعية كاستثمار في الانسان، ومادامت تجنح إلى اعتباره ككلفة فإنها ستفوت على المغرب ولوج مجتمع المعرفة لِتَحْكُم عليه بالبقاء على هامش المجتمع الدولي، ولتضيع عليه فرصة التموقع داخل النظام الدولي الجديد الذي هو الآن في طور التشكل. وأشارت النقابة أنه بالنظر لكل هذه الأسباب فقد اختارت التصويت ضد مشروع قانون المالية.