أكد محمد عبد النبوي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، أن استقلال القضاء لا يمكن أن يكون عرضة لنقاشات مجتمعية من طرف أفراد أو جماعات في المجتمع، لمجرد تضرر مصالحهم من جراء بعض المقررات القضائية، لأن طبيعة عمله هي أن ينتصر لخصم ضد خصمه، وأن يأخذ من جهة لفائدة الجهة المقابلة. وأوضح عبد النبوي في كلمة له صباح يوم 16 نونبر، بمناسبة الملتقى الثاني للعدالة بالعيون، أنه من حق المتقاضين في أن يحكم القاضي بكل استقلالية وتجرد وحياد، وأن يجعل من القانون وحده مرجعا لقراراته، ومما يمليه عليه ضميره سندا لاقتناعاته. وأضاف أن اختيار موضوع استقلال النيابة العامة ودوره في مسار استقلال السلطة القضائية، لمناقشته خلال الدورة الثانية للعدالة بالعيون، هام جداً في حاضرنا وفي مستقبلنا القضائي والحقوقي بالنظر لراهنيته وأهميته. استقلالية القضاء ليست مجرد شعار وتابع عبد النبوي أن استقلال السلطة القضائية، ليس مجرد شعار يرفعه الناس في خطاباتهم، بل يجب على من يرفعه أن يلتزم بكل حمولاته الفكرية والواقعية، كما يتعين على من يستعمل مُسَمَّاهَا وعنوانها أن يمتثل لإكراهاته وقيوده، وأن يقبل بشروطه وإجراءاته، ويطبقها على نفسه، حتى حينما تمس مصالحه أو ذاته. وأردف رئيس النيابة العامة إن استقلال القضاء هو اختيار لنظامٍ للتقاضي، يُؤْمِنُ فيه المتقاضي قبل غيره، أن القاضي المستقل سيطبق القانون على النزاع دون تأثير من جهة أخرى. فالاستقلال يحميه من تأثير تلك الجهات. في ذات السياق دعا عبد النبوي الحكومة إلى احترام استقلالية القضاء، ودعمها لهذه الاستقلالية والمساهمة في ترسيخ بنائها، باستعمال السلطات التي خولها لها الدستور سواء في المجال التنظيمي، أو في مجال اقتراح مشاريع القوانين، والدفاع عنها أمام البرلمان وفقا لروح الدستور التي عبر عنها بوضوح الفصل 107. وتابع عبد النبوي موضحا أن القضاء هو أن يؤمن المجتمع، بأنه اختار هذا النمط لتحقيق غاية فضلى، هي إِبعادُ القاضي عن التأَثُّرِ بالإكراهات التي قد تَأْتِي من سلطات أخرى، مشيرا إلى أن استقلال القضاء يعني السلطة التنفيذية أيضا. وطالب رئيس النيابة العامة في هذا الصدد بتسخير الإمكانيات الإدارية والمادية لضمان استقلال السلطة القضائية. الكف عن تناول الشأن القضائي خارج سياق الدستور وعلى المستوى التشريعي قال عبد النبوي إن استقلال القضاء، يعني كذلك السلطة التشريعية، موضحا أن الدستور لا يسمح للمحاكم بالتداول في مناقشات البرلمان ولا الخوض في مهامه الدستورية، إلاَّ في حدود ما تسمح به القوانين في ظروف محددة كالطعون الانتخابية، أو في حالة ارتكاب بعض المخالفات الجنائية مثلاً. وأشار عبد النبوي إلى أن الدستور لا يسمح للمحاكم بالتدخل في عمل الحكومة، ولا في عرقلة تصريفها لمهامها، إلاَّ في نطاق الحدود الضيقة التي تقرها القوانين، ولاسيما ما يتعلق بالطعن في القرارات الإدارية والمراسيم التنظيمية، وقال عبد النبوي إن الدستور كان صريحاً بالنَّص على استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية، ولذلك فإن احترام البرلمان لاستقلال السلطة القضائية هو مجرد التطبيق الحرفي للدستور. وختم رئيس النيابة العامة بالقول إن احترام استقلال السلطة القضائية لا يتأتى فقط بعدم التدخل في أحكام القضاة ومقرراتهم، وإنما كذلك بالكف عن تناول الشأن القضائي خارج سياق الدستور في نقاشات أعضاء البرلمان.