قبل الانتفاضات العربية كنا مسحوقين تحت الأنظمة الاستبدادية محمد برادة روائي وناقد أدبي مغربي، من الوجوه المؤثرة في الأدب العربي. له عدد من الكتب النظرية والسردية، كما طور الدرس الجامعي في المغرب بعدد من النظريات. DW عربية حاورته بعد حصوله على جائزة مهرجان فاس المتوسطي للكتاب. الأستاذ محمد برادة حظيت بجائزة مهرجان فاس المتوسطي للكتاب، ما الذي يشكله لك هذا التتويج، خصوصا وأنك ابن مدينة فاس؟ محمد برادة: في الحقيقة هذه الجائزة لها قيمة رمزية. بمعنى أنها تصدر عن مدينة، وهذه المدينة لها علاقة حميمية معي، لأني عشت فيها أكثر من ثمان سنوات من الطفولة. وكانت فترة لتشكيل وجداني ومخيلتي. وظلت هذه الطفولة حاضرة باستمرار في كتاباتي وذاكرتي. وكلما كتبت أشياء تتعلق بالذاكرة، كانت فاس حاضرة. إذن هي في الحقيقة جائزة لا تنتمي إلى مؤسسة ولا إلى شخص، وإنما هي تكريم للأمكنة، خصوصا تلك التي كان لها حضور في الأدب المغربي مثلما هو الشأن بالنسبة لمدن عالمية. وعلاقتي بالمدن أساسية، من فاس إلى طنجة إلى القاهرة إلى باريس، هذا مجال يساعدني على الانتقال من فضاء إلى آخر. يحتفي مهرجان فاس المتوسطي للكتاب، هذه السنة، بالأدب المغربي في المهجر. ما هي مميزات هذا الأدب؟ وهل تراه يختلف عن الكتابة الأدبية داخل المغرب؟ لا، في الحقيقة أظن أن تطورات الفكر والأدب في العصر الحديث، جعلت كل كاتب يكتب ويتفاعل مع مفهوم الأدب الكوني. وعندما يختار شكلا معينا في الكتابة، يكون قد اختار موقعا في الخريطة العالمية للأدب. هكذا أفهم ذلك. لكن الكتاب المغاربة الذين قُدر لهم أن يعيشوا في الخارج أو أن يولدوا في الخارج، ولهم ذاكرة وانتماء إلى المغرب، هؤلاء ربما تحضر في كتاباتهم بعض العناصر الخاصة التي تميزهم. فالتميز على مستوى المحلية والتميز على مستوى الانتماء إلى تاريخ معين أو إلى مجتمع معين، ليس عائقا لإنتاج أدب ذي سمات إنسانية في الوقت نفسه. أتصور أن الذين يعيشون في المهجر، يستطيعون أن يتفاعلوا أكثر وبدقة أكبر مع الآخر، ومع حضارة مختلفة، ومع مجتمع مختلف، لأنهم يعاينون عن قرب تشكيلة المجتمع والسلوكات، بينما التفاعل عن بعد مع الآخر قد يظل تفاعلا تجريديا. التفاعل مع الآخر الذي أشرت إليه، يقودنا إلى سؤال الترجمة. اسمح لي أن أقف عند محمد برادة المُترجِم والمُترجَم له، ما الذي يعنيه لك هذا الانتقال بين اللغات؟ أنا في الحقيقة عندما كنت أترجم نصوصا معينة، كنت أفعل ذلك لأنها تساعدني في حواري مع الطلبة في الجامعة، معتبرا أن هذه النصوص قد تفيدهم. وكنت أترجم لبعض الروائيين أو القاصين لأنني كنت أتمنى أن أكون كاتبا لتلك النصوص التي ترجمتها. بالنسبة لترجمة أعمالي إلى الفرنسية والاسبانية والانجليزية والبرتغالية استطعت أن أكون حاضرا فقط في الترجمة من العربية إلى الفرنسية. تعاونت مع الأشخاص الذين ترجموا روايتي إلى الفرنسية وكان حضوري في هذه الترجمة فقط في التدقيق في الكلمات والدلالات لكي لا يكون هناك معنى معاكس، لكن أحبذ أن يكون للمترجم أسلوبه الخاص وإبداعاته اللغوية فيما يترجم. للفكر والأدب الألمانيين بصمة خاصة في الثقافة الإنسانية والكونية دون شك، هل اقترب محمد برادة من الأدب والفكر الألمانيين؟ أنا من المعجبين بالشاعر غوته لأن له بعدا إنسانيا، وكان من الأوائل الذين نبهوا إلى مفهوم الأدب العالمي. كما قرأت لبعض الروائيين المشهورين مثل غونتر غراس. لكنني ربما اهتممت أكثر بالفلسفة، مثلا هايدغر مفكر و فيلسوف لا يمكن القفز عليه مهما اختلفنا معه، وكذلك الأمر بالنسبة لنيتشه الذي يعتبر تحولا جوهريا في الفلسفة الإنسانية. بمعنى أن الفكر والأدب الألمانيين يفرضان نفسيهما في ساحة الأدب والفكر، لكن ربما الترجمات المباشرة عن الألمانية إلى العربية ظلت قليلة، والترجمة المباشرة يمكن أن تكون عنصرا إيجابيا. أستاذ محمد برادة، أنت كاتب مغربي، للمشرق العربي حضور مرجعي لديك، خصوصا وأنك درست في مصر التي حضرت في عملك الإبداعي" مثل صيف لن يتكرر". ولكن بعض منتقديك يقولون إنك تنتصر للثقافة العربية في المشرق، هل هذا الاعتقاد صحيح؟ لا هذا ليس انتصارا، هناك ما أسميه أنا التفاوت في المرحلة التاريخية والحضارية. إن المشرق بصفة عامة وخصوصا مصر، كانت أسبق منا في الاتصال بأوروبا، وكانت أسبق في مواجهة أسئلة النهضة، منذ أواخر القرن التاسع عشر. وهذه أشياء لا يمكن أن نقفز عليها. فبالنسبة لنا نحن، وبالنسبة لمسيرتي، عندما وصلت إلى مصر لأتابع دراساتي باللغة العربية هناك، كان هذا السفر بمثابة عتبة نقلتني من مجال إلى مجال آخر، رغم أن الثقافة هي ثقافة عربية بالأساس. ولكن هناك في مصر حضور للغة الكلام أو ما يسمى بالدارجة. تنبهت إلى أن هذه اللغة لها قرابة في الفصحى، وإلى أنها توظف في النصوص الأدبية، وهو ما دفعني، عندما كتبت رواية " لعبة النسيان"، إلى أن أعود إلى ذاكرتي الفاسية، إلى لغتي الأم، وأن أستعملها وأوظفها، هي في الحقيقية علاقة تفاعل. وكما قلت قبل قليل، هناك فضاء عربي يمكن أن يلتقي في لغة موحدة، ولكنه متنوع في إنتاجاته وفي ثقافاته وفي مساراته التاريخية. إذن يجب أن نستفيد من هذا. وهذا غنى يعني الآن أن هناك مبدعين في كل المجالات، سواء في الخليج أو في كل الأقطار العربية الأخرى، و كل المبدعين الشباب والشابات يتجهون إلى الكتابة كوسيلة للتنفيس، وكوسيلة للنقد، وأيضا كوسيلة لتغيير المفاهيم. وهذا ما أعتبره امتيازا داخل هذا الإطار الثقافي الواسع. بدون إعطاء الأسبقية، هناك دورات ثقافية تجعل من مصر تجربة متألقة في وقت ما، و كذلك من لبنان من سوريا ومن العراق ومن المغرب، لكن كل هذا يمكن أن يحقق نوعا من التكامل الثقافي والأدبي في العالم العربي. يعيش العالم العربي اليوم حالة من الحراك السياسي أو ما يعرف بالربيع العربي. كيف تلقيت كمثقف عربي هذه اللحظة السياسية؟ في الحقيقة تلقيتها بفرح كبير. لا أخفيك أني كنت أعيش فيما يشبه اليأس قبل حدوث هذه الانتفاضات العربية في تونس ومصر ومن بعدها الأقطار الأخرى، لأنه قبلها كنا مسحوقين -إذا جاز التعبير- تحت الأنظمة الاستبدادية. وهذه الانتفاضة أوضحت أن التاريخ يمكن أن يكون مغايرا، يمكن أن يكون لنا مستقبل مفتوح وليس مستقبلا مشطوبا، وهذا جانب مهم. وأظن أن حتى بالنسبة للمبدعين، إذ سيجعلهم يكتبون بنظرة مختلفة. العنصر الثاني هو إنني على خلاف الكثيرين متفائل، رغم الصعوبات، ورغم ما يسمى بصعود الأصوليين، ولكن امتيازات الشباب العربي كثيرة من حيث العدد، من حيث الوسائط والوسائل، من حيث القدرة على الابتكار، ومن حيث إنهم مرتبطون بالمستقبل لا بالماضي. ينشر باتفاق شراكة مع موقع DW عربية مراجعة: طارق أنكاي