بدأ التونسيون الأحد التصويت لانتخاب رئيس جديد للبلاد في اقتراع يتنافس فيه رجل الإعلام الليبرالي نبيل القروي الملاحق بتهمة غسل أموال وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد الذي لا يتبنى أي توجه سياسي، إثر حملة انتخابية اشتدت فيها المنافسة في اليومين الماضيين. ودعي أكثر من سبعة ملايين ناخب إلى الإدلاء بأصواتهم في مراكز الاقتراع التي فتحت أبوابها من الساعة الثامنة (07,00 ت غ) على أن تغلق عند الساعة 18,00 (17,00 ت غ) باستثناء بعض المراكز في ولايات حدودية مع الجزائر. ولاحظت مراسلة وكالة فرانس برس تواجد عدد أكبر نسبيا للناخبين في أحد مراكز الاقتراع المهمة في وسط العاصمة خلال الساعات الأولى، بالمقارنة مع الانتخابات النيابية التي جرت الأحد الفائت. وبلغت نسبة المشاركة في الدورة الرئاسية الثانية حوالي الخمسين في المئة. وقالت نجوى النحالي (53 عاما) مشيرة باصبعها الذي يحمل أثر الحبر الانتخابي “ليتواصل احتدام المنافسة لصالح تونس”. وعنونت صحيفة “المغرب” الأحد “الآن الآن وليس غدا”، بينهما كتبت “الشروق”في الصفحة الأولى التي حملت صورتين للمتنافسين “اليوم… يحسم التونسيون”. وشهدت الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية التي تنافس فيها 26 مرشحا ما وصف “بزلزال انتخابي” اثر “تصويت عقاب” مارسه الناخبون ضد ممثلين عن الطبقة السياسية الحاكمة. وتمكن سعيّد من نيل 18,4 في المئة من الأصوات وحل القروي ثانيا ب 15,5 في المئة وانتقلا الى الدورة الثانية. عللّ مراقبون هزيمة مرشحين من رؤساء حكومات ووزراء وحتى رئيس دولة سابق برد فعل التونسيين تجاه السلطات الحاكمة التي لم تتمكن من ايجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم والذي أفرز احتقانا اجتماعيا تزايدت وتيرته في السنوات الأخيرة. واتسمت الحملة الانتخابية بالتشويق في أيامها الأخيرة خصوصا بعد القرار القضائي باطلاق سراح القروي (56 عاما) بعدما قضى 48 يوما في التوقيف بسبب تهم تلاحقه بغسل أموال وتهرب ضريبي. وجمعت مناظرة تلفزيونية “تاريخية” وغير مسبوقة المرشحين ليل الجمعة. وقد ظهر فيها سعيّد (61 عاما) متمكنا من السجال وأظهر معرفة دقيقة بالجوانب التي تهم صلاحياته ان تم انتخابه. في المقابل، ظهر القروي مرتبكا في بعض الأحيان وشدد على مسائل مكافحة الفقر في المناطق الداخلية في بلاده بالاضافة الى تطوير الاستثمار الرقمي في البلاد كأولوياته ان تم انتخابه. ولقيت المناظرة التي بثت على نطاق واسع في المحطات التلفزيونية والاذاعية الخاصة والحكومية متابعة من قبل التونسيين داخل بيوتهم وفي المقاهي وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. الاستثناء تداول نشطاء الانترنت صورة جمعت المتنافسين وهما يتصافحان بعد المناظرة، وكتب أحدهم “هكذا هي تونس الاستثناء” بين دول الربيع العربي. ولرئيس البلاد صلاحيات محدودة بالمقارنة مع تلك التي تمنح لرئيس الحكومة والبرلمان. وهو يتولى ملفات السياسة الخارجية والأمن القومي والدفاع أساسا. ويدعو قيس سعيّد الى تدعيم السلطة اللامركزية وتوزيعها على الجهات ويرفع لواء “الشعب يريد” ويتبنى شعارات الثورة التونسية في 2011 “شغل حرية كرامة وطنية”. كما يشدد سعيّد على “كره الوعود الزائفة”، معتبرا أن “الشعب هو من يتصور الأفكار وهو من يطبقها” للخروج من الأزمات الاقتصادية. الا ان القروي يبدو براغماتيا أكثر ينطلق في وعود انتخابية على اساس ايجاد حل للطبقات الاجتماعية المهمشة مستندا في ذلك على سنوات قضاها في زيارات ميدانية للمناطق الداخلية يوزع مساعدات غذائية للمحتاجين والفقراء. وأفرزت الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد الفائت برلمانا بكتل مشتتة. وتلوح في الأفق بوادر مشاورات طويلة من أجل تحالفات سياسية بينها لأن حزب النهضة” الذي حل أولا ب52 مقعدا لا يستطيع تشكيل حكومة تتطلب مصادقة 109 نواب. ويقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي إن “الرئيس القادم سيواجه صعوبات مع الحكومة والبرلمان”. ويتابع “إذا تمكن سعيّد من الفوز فستصعب عليه عملية اقناع البرلمان بالاصلاحات الدستورية التي يدعو اليها”. ويضيف الجورشي “يجب أن يتفهم (الرئيس المقبل) طبيعة المرحلة القادمة ويخلق توازنا مع من سيشكل الحكومة”، مشيرا إلى أن القروي يقيم “علاقات متوترة مع كتل برلمانية عديدة بما فيها النهضة”. ودعت”النهضة” قواعدها الى التصويت لسعيّد بعد أن أعلن القروي رفضه كل تحالف وتوافق معها مستقبلا واتهمها بالوقوف وراء سجنه. إثر وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي في 25 يوليوز الفائت نظمت في البلاد انتخابات رئاسية مبكرة في 15 أيلول/سبتمبر على ان يتم انتخاب الرئيس قبل 25 تشرين أكتوبر الحالي وفقا لما ينص عليه الدستور التونسي بمدة زمنية لا تتعدى التسعين يوما. وواجهت الهيئة العليا للانتخابات تحدي تقديم الانتخابات الرئاسية على الاقتراع التشريعي عكس ما تم اقراره في البرنامج الزمني الأول. وتجري الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، وهي ثالث اقتراع خلال شهر، بينما ما زالت تونس تواجه تهديدات أمنية من قبل جماعات متشددة ومسلحة تنفذ هجمات استهدفت في السنوات الأخيرة سياحا ورجال أمن وعسكريين وأثرت على قطاع السياحة الذي يمثل احد ركائز اقتصاد البلاد.