كانت مقاهي وجدة ترتجّ حين تهتز شباك الخصم. ولم يكن الخصم غير فِرق إفريقية واجهت فريق الجزائر في كأس الأمم 2019. كان الوجديون يُجسّدون عمليا مقولة "أنا مغربي إذن أنا جزائري". وكأنهم يحاكون تاريخ محمد بن العربي.. قُدّر للشيخ بوعمامة أن يولد بفكيك وأن يحارب فرنسا على الأراضي الجزائرية، ليُواريه تراب العيون الشرقية. لكن كثيرا من سكان المدن البعيدة يَعجبون لحماسة الوجديين. ولهم أن يعجبوا وقد جهلوا حقائق كاشفة، وإذا عُرف السبب بطل العجب. وكيف لا يتوحد الشعور وقد تَوحّد التاريخ والجغرافيا والثقافة؟ عوائل مشطورة نصفها في شرق المغرب والآخر في الجزائر. وليس بين الشطرين غير تل أو واد أو حقل قمح أو سياج حديدي صُنع بفرنسا كما صُنعت معاهدة للا مغنية. لكن المعاهدة أخفقت أن تُقنع أولاد سيدي الشيخ أنهم غدَوا قبيلتين اثنتين، وظل شرقيهم وغربيهم يعلم علم اليقين أن القبيلة واحدة. لا يكاد يمر يوم دون أن يجمع "بين الجراف" الشتيتين ومَن تفرقت بهم السبل. يلتقي الغادي والرائح فيتبادلان التحية والإشارات عن بُعد. هو مكان لصلة الرحم والتقاط الصور، ولتحدي السياج والخندق. أبت كرة القدم إلا أن تقفز فوقهما معا فتكسر الوهم هنا وهناك. وكل من وقف على ضفة "وادي كيس" يتيقّن أن التضاريس هي نفسها، ليس غير جبل واحد شقه الوادي، وما يزال الشقان يرجوان الالتحام. كان من الممكن أن يسمى المعبر الحدودي الذي صدئت أقفاله "الضفتان" أو "الأخوان"، لكنّ مكر التاريخ أبى إلا أن يسميه "زوج بغال". "طريق الوحدة" في عُرْف مَن يسلكونه طريق الذين يتوجهون من هنا إلى هناك، ومن هناك إلى هنا دون الاضطرار إلى المرور بتلك الحواجز الاصطناعية والإدلاء بجواز السفر. هي الوحدة والسلام.. حلم كل عربي ومسلم. حين يرتفع أذان المغرب بمرسى بن مهيدي (بور ساي) يُفطر ساكن السعيدية. ولقد كان الصِّبْيان في أيام خلت يلهون على رمال الشاطئ وما كانوا يدركون أنهم تجاوزوا الحدود المغربية إلا حين ينبّههم الجندي الواقف على الصخرة. وكيف لهم أن يدركوا والرمال هي هي، والبحر هو نفسه بامتداده وملوحته وزرقته؟ وحين تمطر السماء "ببني ونيف" ينمو نخيلها ونخيل "فكيك" معا. وهل كنا ندرك في زمان مضى ونحن نقطع الوادي على ظهر حمار أننا خرجنا من بلد إلى بلد؟ كل ما كنا نعلمه حينئذ أننا في طريقنا إلى زيارة الأخوال. ولذلك لم يفاجِئ شعارُ "خاوة خاوة، ماشي عداوة" إلا الجاهلين والحاقدين والمتربصين. أما العارفون فيدركون أنه الأصل، كما أدرك أجدادهم أن المعركة واحدة فلم يتخلفوا عن النصر. كان عبد القادر الجزائري ينسحب إلى الأراضي المغربية فلا يجد إلا العون والجوار من بني يزناسن، فلا خذلان ولا نكران. ولم تَلق مجموعة وجدة (Clan d'Oujda) بقيادة العقيد هواري بومدين غير الدعم والسند. وكانت الفتوى السرية تُثَبّت الناسَ أنه لا تصح صلاة لا تمسّ فيها "الجبهة" الأرض في وقت كثُر فيه الخونة والعملاء.كانت "جبهة التحرير الوطني" ساعتئذ تقود ثورة نوفمبر المجيدة. الصورة في مجملها جميلة، لكن مَن تُوحّدهم الكرة قد تُفرّقهم الكرة مرة أخرى. فكم بالحريّ أن تجتمع النفوس وتتآلف القلوب بالكرة ودونها. وأجمل من ذلك التآلفُ والتعاونُ الرشيد، وهل تُغني وحدة الشعور عن وحدة السوق والمصالح والأعمال؟