قطعت المرأة المغربية شوطا كبيرا في مسار نضالها من أجل المساواة، واستطاعت بصبر وأناة، وبعد معارك ضارية، واجهت فيها كل أنواع ردود الأفعال المتوقعة من التيار التقليدي المحافظ، أن تنتزع الكثير من المكاسب، لتجعل وضعيتها القانونية مطابقة لوضعها الإجتماعي وفي مستوى ديناميتها الخلاقة وفعاليتها ومشاركتها في كلّ ميادين الإنتاج والعمل. ونجحت الحركة النسائية المغربية في بلوغ هذه الأهداف دون أن تصادم الحسّ الديني للمجتمع، ودون أن تسيء إلى المرجعية الدينية التي استعملت بكثافة من أجل حرمانها من حقوقها، حيث اختارت الموقف السليم المتمثل في استعمال المرجعية الدينية نفسها، واعتماد المواقف المضيئة في التراث الفقهي الذي يغلب عليه التقليد والإتباع والجمود، من أجل شرعنة مطالبها في سياق لم يعُد هو سياق الدولة الدينية التقليدية. كانت العقلية الذكورية انتهازية إلى أبعد حدّ، عندما بدأت تقبل كرها إشراك المرأة في عدد من الميادين، من أجل الكسب المادي، دون القبول بتحسين الوضع الإعتباري للمرأة أو مراجعة وضعيتها القانونية، فللمرأة أن تعمل وتكدّ من أجل القوت اليومي، لكن عليها أن تفعل ذلك باعتبارها ملحقة بالرجل وتحت وصايته، فوجد الرجل في عمل المرأة فرصة لإشباع مطامعه المادية، دون أن يتنازل عن الضوابط الشرعية التي في صالحه، والتي كانت تطابق وضعية المرأة في مجتمع الحريم. لم تسمح منظومة القيم والعلاقات التقليدية للمرأة بنيل حقوقها بوصفها إنسانا أولا، ثم باعتبارها نصف المجتمع، وعاشت تحت رحمة النظرة الذكورية للفقه الإسلامي الجامد، الذي حرمها من التعليم ومن تولي المناصب ومن حرية المبادرة في المجتمع، ومن المشاركة في الإنتاج العام والتسيير والتدبير، كانت نصوص الأحاديث والآيات القرآنية جاهزة محفوظة عن ظهر قلب، وعلى أطراف ألسن الفقهاء، مفهومة على الظاهر ودون أي اجتهاد إنساني، تنتظر المرأة عند كل منعطف، إلى أن اندلعت ثورة النساء العاملات في كل من أمريكا وأوروبا مع نهاية القرن التاسع عشر، وبزوغ القرن العشرين، ليتحول خطابهن بالتدريج ما بين 1911 و 1914 ، من المطالب الخاصة لحقوق العاملات إلى خطاب كوني عابر للقارات، من أجل الحرية والمساواة التامة بالرجل، فشهدت أوروبا مسيرات مليونية للنساء وحدهن ضدّ تاريخ أسود من القهر والإحتقار، تارة باسم الأديان وتارة باسم تقاليد المجتمع الباترياركي، وهكذا يمكن القول إنه لم يوجد من حرّر المرأة في النهاية، غير المرأة نفسها. استطاعت المرأة المغربية بعد نجاحها في ولوج التعليم منذ عقود طويلة، واقتحام كل الفضاءات التي كانت ذكورية محضة، وتولي مناصب المسؤولية والترأس والقضاء والوزارة وغيرها، استطاعت رغم مقاومة التيارات المحافظة، ورغم العودة الشرسة للسلفية المتطرفة أن تنتزع المكاسب التالية عن استحقاق وجدارة: الإقرار بمبدإ المساواة بين الرجل والمرأة داخل الأسرة التي أصبحت تعاقدا بين الطرفين وتحت مسؤوليتهما معا (ما يعني سقوط نظام "القوامة"). المساواة في سن الزواج (18 سنة)، وترك التقدير للقاضي في الحالات الإستثنائية. حق الولاية للمرأة وحق تزويج نفسها. تقييد تعدّد الزوجات وترك التقدير للقاضي في الحالات الإستثنائية. الطلاق لم يعُد في يد الزوج وأصبح حقا للزوجين تحت مراقبة القاضي. رفع التحفظات عن اتفاقية محاربة كافة أنواع التمييز ضد المرأة في المادتين 9 المتعلقة بالجنسية و 16 المتعلقة بالمساواة التامة في عقد الزواج. وبقيت معارك أخرى ومنها المساواة في الإرث، والتي يعضّ عليها المتشدّدون بالنواجد حرصا على مصالحهم الذكورية، معتمدين ما يسمونه "نصوصا قطعية"، وكأن الكثير من النصوص القطعية لم يتمّ تأويلها وقراءتها على ضوء المصالح المستجدة، أو تعطيلها انطلاقا من ضرورات الوقت التي لم تعد تسمح بذلك. ماذا لو انتظرت النساء أريحية "علماء" الإسلام ورأفتهم، أو شهامة الإسلاميين وعطفهم، هل كانت ستنتزع مكتسباتها المستحقة ؟ لننظر ما يقوله من يسمون "علماء" في بعض الدول التي يهيمن فيها فقه القرون الوسطى على الدولة، وينوء بكلكله على المجتمع، مثل دول الخليج والسودان، وهي شهادات أخذناها من الأنترنيت منقولة عن قنوات تلفزية شرقية مختصة في "الوعظ والإرشاد"، وأهديها لنساء المغرب بمناسبة يومهن العالمي، ومن باب التندّر والتنكيت على قوم ما زالوا لم يلجوا عصرنا هذا، وهم "دعاة" و"وعّاظ" أشبه بأهل الكهف، خشنون، بلحى كثة ووجوه مرعبة، وعيون قاسية، وأصوات منكرة، يحتكرون الخطاب الديني ويتصدّرون للفتوى في قنوات تنفق عليها ملايير الدولارات التي لم خصّصت لمشاريع التنمية في بلدان إفريقية لأنقذت ملايين الأطفال الجياع . وطبعا الموضوع المفضل لهؤلاء الشواذ هو النساء، ولهذا تراهم يتفننون في أساليب التعسير والتحريض حدّ الهذيان: يقول أحدهم متحدثا عن ضرورة ضرب النساء:"علينا ان نقرّ بأن هذا من شريعتنا، وأن نذكر الغافلين الجهلة، أن القوم اليوم يعترفون بهذا الإعجاز الموجود في هذه الآية "واضربوهن"، في هذه الآية إعجاز، لأن أصنافا ثلاثة من النساء لا يمكن أن يعيش معهن رجل إلا والعصا على عاتقه". ويقول آخر لا فضّ فوه:" إن الله كرّم المرأة بهذه العقوبة، عقوبة الضرب" !! ويضيف آخر: "أخي الكريم إعلم أنّ زوجتك أسيرة عندك (...) الله تعالى خلق جسم الرجل سبحان الله أقوى من جسم المرأة، وهذا اقتضى أن الرجل يؤدّب زوجته بالضرب، وهي تؤدبه بالبكاء (...) فعندما تؤدب دابّة، المفروض أنك تؤلمها لكي تطيعك، فالجمل لا يفهم إلا بالضرب، والحمار لا يفهم إلا بالضرب" !! ويقول غيره:" الحقوق التي للزوج على زوجته أن يؤدبها إذا نشزت، ما معنى كلمة النشوز ؟ هو رفض طاعته في الفراش، وهو نوع من أنواع سوء الأدب في الخطاب أو معاكسته فيما يحبّ". ويقول آخر وما أمتعه:"الرجل المحترم هو الذي يضرب زوجته بالكيفية التي أمر بها ربّنا". ومن باب العبرة ومن أجل القدوة يقول آخر:"سيدنا الزبير كان يشدّ شعر زوجتيه إلى بعضهما ويضرب الإثنتين ". (كذا!). وكل عام ونساء المغرب بألف خير.