في 27 يونيو 2019، أصدرت شبكة الباروميتر العربي، التقرير القطري للمغرب، وهو عبارة عن استطلاع للرأي العام لعينة ممثلة لمستوى الدولة، خلال الفترة الممتدة من أكتوبر إلى ديسمبر 2018. وقد شمل الاستطلاع صوت الرأي العام المغربي حول الحالة الاقتصادية، الفساد، الثقة بالحكومة، والهجرة، ثم المعتقد الديني، عبر مقابلات شخصية وجها لوجه مع 2400 شخص، في بيوت المبحوثين. وكان هامش الخطأ، بحسب التقرير، 2% ونسبة الاستجابة 55 %. اللافت في نتائج التقرير، هو حالة الغضب في أوساط الشباب، ومعاناتهم من تزايد الإحباط تجاه نقص الفرص الاقتصادية والسياسية. ولعل هذا الوضع هو الذي يفسر ضعف ثقتهم في المؤسسات السياسية مقارنة بالجيل الأكبر. حيث وظف التقرير البعد الديمغرافي لمفهوم الجيل، معتمدا على الفئة العمرية، ليقول لنا أن كلا الجيلين لديهما تدن في الثقة في المؤسسات السياسية، مع ضعف أكثر في الثقة لدى جيل الشباب، مقابل ثقة الأغلبية في مؤسسات الدولة، دون أن يقدم التقرير تفصيلات على شكل أرقام للفارق في الثقة بين الجيلين، مكتفيا بالقول بأن الغالبية العظمى(76 %) يثقون في الجيش، و يثق الثلثان في الشرطة. والشباب أقل إقبالا على الثقة بهذين المؤسستين مقارنة بالأكبر سنا.
بحسب التقرير، يحتفظ الجيل الأكبر من المغاربة بالثقة في مؤسسات الدولة. كما أن مستويات الثقة في المؤسسات السياسية متدنية وآخذة في التراجع، سيما في أوساط الجيل الشاب. وما زالت الثقة عالية في الجيش والشرطة والقضاء. أما فيما يتعلق بثقة المغاربة في الحكومة، قال التقرير أنهم أصبحوا أقل إقبالا بكثير على الثقة بهذه المؤسسة مقارنة بمستوى الثقة في الموجات السابقة من استطلاع الباروميتر العربي. إذ أن 3 من كل 10 أشخاص لديهم قدر كبير للغاية أو قدر كبير من الثقة في الحكومة الآن، مقارنة بالاستطلاعات السابقة لسنوات 2006 و2013 و2016، حيث كانت نسبة الثقة بالحكومة تبلغ تقريبا 4 من كل 10 أشخاص. وتعد مستويات الثقة متدنية بصورة خاصة في أوساط الشباب والأفضل تعليما. إذ أن 17 % فقط ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما هم من يثقون بالحكومة. وهي النسبة التي تبلغ أقل من ثلث نسبة ثقة من تبلغ أعمارهم 60 عاما فأكثر. وبالمثل، فإن أصحاب التعليم الأساسي (37 %) أعلى ثقة بكثير في الحكومة مقارنة بأصحاب التعليم الجامعي (24 %) أو التعليم الثانوي (19 %). وفيما يخص الثقة في البرلمان، ذكر التقرير أن شخصا واحدا فقط من كل 5 أشخاص (21 %) لديه ثقة كبيرة أو بعض الثقة في البرلمان، مقارنة بالربع (26 %) الذين يقولون أن ثقتهم ضئيلة، و46 % أعربوا عن غياب الثقة بشكل كامل. وقد أشار التقرير إلى أنه لم تتغير مستويات الثقة كثيرا منذ سنة 2006، عندما كان 25 % لديهم بعض الثقة على الأقل في البرلمان. ويؤكد التقرير أن الأصغر سنا هم من ينزعون إلى التحلي بمستويات ثقة أقل، إذ تبلغ الثقة أقل من 13 % بقليل في صفوف الشريحة العمرية 18 إلى 29، مقارنة ب 38 % في أوساط من تبلغ أعمارهم 60 عاما فأكثر. بالنسبة للثقة في الأحزاب السياسية، فقد اعتبر التقرير أن هناك نسبة مماثلة فيما يخص الثقة في هذه المؤسسة (18 %)، مشيرا إلى أنه على الرغم من تدني نسبة الثقة، فهذه النسبة قد تحسنت كثيرا منذ 2016(8 نقطة). وكما ذكر التقرير، فمن تبلغ أعمارهم سن 60، فأكثر يثقون بالأحزاب السياسية بمقدار ثلاثة أمثال من يثقون بها في الشريحة العمرية 18 إلى 29 عاما (35 % مقابل 11 %). وتعد مستويات الثقة أعلى بكثير في المؤسسات المكلفة بضمان النظام والقانون. فالغالبية العظمى (76 %) يثقون في الجيش، في حين يثق الثلثان في الشرطة. وتعد هذه النسبة أقل إلى حد ما من مثيلاتها من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأخرى، والشباب أقل إقبالا على الثقة بهذين المؤسستين مقارنة بالأكبر سنا. لكن، رغم انحدار الثقة في مواقف المغاربة تجاه مؤسساتهم السياسية، سيما لدى الجيل الشاب، فقد ذكر التقرير، أن 6 من كل 10 أشخاص يثقون في القضاء. وهو ما يمثل زيادة كبيرة على مدار السنوات الأخيرة، فسنة 2006، كانت نسبة الثقة بالقضاء 37 %، وبلغت 45 % في 2016. وبحسب التقرير، فقد أعربت الأغلبية من مختلف الأعمار على الثقة بالقضاء، وإن كان المغاربة الأكبر سنا هم الأكثر إقبالا على الثقة به مقارنة بالأصغر سنا. هناك تفاوت بواقع 24 نقطة بين الشريحة العمرية 18- 29 سنة ومن تبلغ أعمارهم 60 عاما فأكثر (54 % مقابل 78 %). بهذه الخلاصات لتقرير الباروميتر العربي، تتميز مواقف المغاربة تجاه المؤسسات في المغرب، بسمتين أساسيتين. هما ضعف ثقتهم بالمؤسسات السياسية، مقابل ثقتهم بمؤسسات الدولة، كما تتميز مواقف المغاربة أيضا تجاه مؤسساتهم السياسية، بوجود فوارق في ضعف الثقة بالمؤسسات السياسية بين جيلين، الجيل الشاب ثم الجيل الأكبر. أولا، ضعف ثقة المغاربة بالمؤسسات السياسية مقابل ثقتهم بمؤسسات الدولة تلتقي هذه الخلاصة بخلاصات التقارير السابقة. فبحسب بحث الرابط الاجتماعي بالمغرب، الذي أجراه المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية سنة 2012، احتلت المؤسسات السياسية، الرتب الأخيرة في الثقة المعتمدة في المؤسسات، وذلك من بين مؤسسات عديدة، شملت الجيش، والمدرسة، والجامعة، والإعلام، والشرطة، والمستشفيات، والمحاكم. بحيث عبر 51,8% على أن لديهم ثقة ضعيفة في الحكومة، مقابل 20,8 % فقط عن كونهم يثقون فيها بشكل قوي، وعبر 60,2%، على أن لديهم ثقة ضعيفة في البرلمان، مقابل 13,3% فقط عن كونهم يثقون فيه بشكل كبير. أما الأحزاب، فقد احتلت المرتبة الأخيرة، بحيث عبر 67,2%، عن ثقة ضعيفة، مقابل 7,7% فقط عن ثقة قوية. كما أكد تقرير المؤشر العربي لسنة 2017- 2018، على أن ثقة المواطنين في المنطقة العربية بمؤسسات دولهم هي ثقة محدودة، فباستثناء الثقة التي توليها أكثرية المستجيبين نحو مؤسسات الدولة الأمنية (عسكرية أو شبه عسكرية) والتنفيذية ممثلة بالحكومة، والثقة المرتفعة بالجهاز القضائي، فإن الذين يثقون بمؤسسة الحكومة والمجلس التشريعي، يمثلون نحو نصف المستجيبين أو أقل. كما أن ثقة الرأي العام بالأحزاب السياسية هي ثقة متدنية. وقد حصل المغرب، بحسب هذا التقرير على مراتب متدنية في الثقة في المؤسسات السياسية. ثانيا، ضعف ثقة المغاربة بالمؤسسات السياسية بين جيلين بحسب التقرير، تختلف ثقة المغاربة بالمؤسسات السياسية بين الجيل الأكبر والجيل الشاب فكلاهما لديهما تدن في الثقة بهذه المؤسسات، لكن هي منخفضة أكثر لدى الجيل الأصغر. ورغم أن التقرير لا يقدم لنا تفسيرا لهذه النتائج، لكن عبر قراءة محتوياته، يمكننا فهم تدني الثقة في المؤسسات السياسية سيما لدى جيل الشباب، بمعاناتهم من تزايد الإحباط إزاء نقص الفرص الاقتصادية والسياسية، وحالة الغضب في أوساطهم. كما أن ضعف الثقة في المؤسسات السياسية، سيما لدى الجيل الشاب، قد تكون ناتجة عن عدم القدرة على حل المشاكل المزمنة التي تشمل الاقتصاد، وجودة الخدمات، واعتبار الأغلبية العظمى من المغاربة على أن الفساد قائم في مؤسسات الدولة، إذ يرى (71 %) على أن الفساد قائم فيها إلى درجة كبيرة أو متوسطة. وفي أوساط الشريحة العمرية 18 إلى 29 عاما، يعتبر 81 % أن الفساد قائم في مؤسسات الدولة، ما يزيد ب 32 نقطة مئوية عن تقديرات من تبلغ أعمارهم 60 عاما فأكثر (49 %). وهي تحديات، كما ذكر التقرير، تدفع نحو نصف المغاربة للتفكير في الهجرة من بلدهم، بما يشمل 7 من كل 10 أشخاص بين 18 و29 عاما. وبحسب التقرير، تعد الهجرة وثيقة الصلة بالشريحة العمرية، حيث أن 70 % ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما يرغبون في مغادرة المغرب، مقارنة بالنصف (49 %) في الشريحة العمرية 30- 39 عاما، و22 % في الشريحة العمرية 40- 49 عاما، وأقل من 10 % في شريحة من يبلغون من العمر 50 عاما فأكثر. وكما ذكر التقرير، فمن يرغبون في الهجرة هم أيضا أصحاب التعليم العالي، مقارنة بالنصف (49 %) في الشريحة العمرية 40- 49 عاما، وأقل من 10 % في شريحة من يبلغون من العمر 50 عاما فأكثر. والسبب الأكثر شيوعا لرغبة المغاربة في الهجرة هو الاعتبارات الاقتصادية بنسبة 50 %. ثالثا: محاولة في التفسير بشكل عام، لا توجد دراسات تفسيرية لضعف ثقة المغاربة في المؤسسات السياسية (الحكومة، البرلمان، النقابات، الأحزاب)، مقابل ثقتهم في مؤسسات الدولة. وتظل التفسيرات التي تقدمها التقارير، حول ضعف ثقة المغاربة في مؤسساتهم السياسية، جد مختزلة، ولا تعطنا رؤية مكتملة ومعمقة حول الأسباب. بحيث تتجه نحو ربط ضعف الثقة في المؤسسات السياسية بضعف أدائها، وتعتبر على أن هناك تناغم بين التقييم السلبي لأداء الحكومات من ناحية، وقلة الثقة بهذه الحكومات من ناحية أخرى. كذلك، تفسر لنا هذه التقارير ضعف الثقة بضعف أداء العرض السياسي للأحزاب، وعدم قيام البرلمان بدوره في الرقابة، وضعف تمثيله للأطياف المجتمعية، إلى جانب تقييمه السلبي لأداء السياسات العمومية. إذ تظل نسبة من قاموا بتقييم السياسات الاجتماعية بالمغرب بشكل سيء أكبر بكثير ممن قاموا بتقييمها بشكل جيد، إلى جانب ارتفاع نسبة الرافضين للسياسات الاقتصادية. وأيضا تفسر لنا ضعف الثقة بالاستياء تجاه السياسة، بسبب التصورات السلبية حول الطبقة السياسية، وبسبب ضعف العرض السياسي للأحزاب. إذ تؤكد الأجوبة المجمعة من بحث الرابط الاجتماعي، الصورة السيئة للأحزاب وللرجال السياسيين، والثقة الضعيفة التي يتمتعون بها. قد لا يعبر ضعف الثقة في المؤسسات السياسية فقط عن ضعف في أدائها، وإنما قد يكون ناتجا، بالأساس، عن تداخل بين بنيتين. بنية سياسية، أضعفت هذه المؤسسات، مما جعل المغاربة يفقدون ثقتهم فيها، ترتبط بنشأة الأحزاب السياسية بالمغرب في ظل الانشقاقات، وعدم استقرار جل الحكومات المغربية، وضعف تأثير الانتخابات على السلطة السياسية، إلى جانب تجزيئ واستقطاب النخب. فبحسب مونيا بناني الشرايبي، في أطروحتها (الخاضعون والمتمردون، الشباب في المغرب، Soumis et rebelles, les jeunes au Maroc, 1994)، منذ الاستقلال، والنظام السياسي المغربي يسعى، بشكل منتظم، إلى التكيفات مع المجتمع، ويستمر نفس منطقه المتعلق بلعبة استقطاب وانقسام النخب. وبحسب أمينة المسعودي، في كتابها هوامش التغيير السياسي في المغرب، المنشور سنة 2011، فقد اعترض الأداء الحكومي لجميع التشكيلات الحكومية معيقات وعراقيل حالت دون بروز دور فعال لهذه المؤسسة، تتمثل في الإطار الدستوري وطبيعة وبنية التشكيلات الحكومية. في الوقت الذي قد يفسر فيه ضعف ثقة المغاربة بالمؤسسات السياسية، بعوامل سياسية، قد تبرز البنية الاجتماعية، كعامل أساسي، في فهم الثقة المعتمدة في المؤسسات السيادية. فبالاستناد إلى بعض افتراضات عالم الاجتماع المغربي محمد الشرقاوي، في مقالة له بعنوان” Esquisse d'un tableau sociologique du Maroc، منشورة في كتاب Le Maroc au présent، سنة 2015، على أن الرأي العام المغربي لا يثق في المؤسسات السياسية لأنه يعتقد بالديمقراطية الوصائية، أو بالدور الوصائي للدولة كدولة حارسة، ويعتبرها هي الأنجع في الاستجابة للمطالب والانشغالات الحقيقية للمواطنين. لذلك، فالمغاربة يعطون الشرعية والثقة للمؤسسات السيادية (مؤسسات الدولة/المؤسسات الملكية) لكونها ناجعة، ولا يعطونها للمؤسسات السياسية لأنها في اعتقادهم هي مجرد، ما يسميه الشرقاوي، مؤسسات تابعة، أو بمثابة “الدرع ” لسلطة عليا. ولعل ما يؤكد هذه الفرضية هو تنامي الطلب على الدولة الراعية في مطالب جل الحركات الاجتماعية بمغرب اليوم، وظهورها، في تمثلات المحتجين، كفاعل رئيسي في تلبية مطالبها، في حين تبرز عدم ثقة المحتجين بالمؤسسات السياسية في تلبية مطالبهم على مستوى الخطاب والشعارات. كما يقدم لنا ضعف ثقة المغاربة في مؤسساتهم السياسية، الكثير من الدلالات في فهم التحولات في السلوك السياسي لمغاربة اليوم، سيما لدى الجيل الشاب. فقد يُفسر هذا الضعف في الثقة، بشكل أساسي، ابتعاد الشباب عن السياسة والذين لا يتجاوز انخراطهم في الأحزاب السياسية نسبة 1%، في حين كان الابتعاد عن السياسة في الستينات بسبب القمع ونزع الحماس عن السياسة la dépassionnalisation أو عدم التشغيف بالسياسة الذي كان قد تحقق بعد الاستقلال، مع الضعف المتعلق بالاهتمام بالشأن العام. حيث أنه، بحسب مونيا بناني الشرايبي، في الثلاثة عقود، كان الانسحاب على نطاق واسع، الانفصال، التجاهل، عدم الانتماء إلى مجموعة اجتماعية، سياسية، اقتصادية، وكافة أشكال الإقصاء والعجز. وبسبب القمع كذلك، ظل الشباب في الثمانينات والتسعينات متخوفا من ممارسة السياسة. كما قد يُفسَر الفرق في الثقة بين المؤسسات السياسية ومؤسسات الدولة، باقتناع المغاربة بضعف أهمية المؤسسات السياسية في التجاوب مع أو الاستجابة لمطالب المجتمع، عبر حركاته الاجتماعية، والتي تبرز بشكل مباشر في الفضاء العام، لتطالب بتدخل الدولة الراعية في تلبية مطالبها الملحة. *باحثة في العلوم السياسية بوحدة السوسيولوجيا السياسية جامعة محمد الخامس