إذا ما حاولنا، كما جرت العادة، تقييم الحصيلة الأولى لعمل الحكومة الجديدة في أشهرها الأولى، ينبغي أن نتساءل عن مدى تفعيل شعارين كبيرين رفعهما حزب العدالة والتنمية خلال حملته الانتخابية [1]، قبل أن يقود الأغلبية الحكومية، وهما: إسناد مناصب المسؤولية بناء على الكفاءة و دون تمييز، ثم احترام حريات الرأي وحرية الوصول إلى المعلومة. ذلك أن السلطة في المغرب ومنذ استقلاله ، دأبت على تجاهل معايير الكفاءة والخبرة قبل التعيين في المناصب العليا للمسؤولية. إن انعدام الكفاءة لدى صناع القرار من أسوأ الأضرار التي يعاني منها المغرب لأنها تشكل عقبة أمام التنمية، حيث استمر الوصول إلى مواقع المسؤولية العمومية خاضعا في أكثر الأحيان لمنطق المصالح الحزبية أو العلاقات الأسرية، كما استمر وما يزال، إنزال أشخاص كالمظليين القادمين من السماء، ليس لديهم الخبرة أو المعرفة بالقطاع أو المؤسسة التي تُمنح لهم دون مبرر. ولذلك، يمضي المسؤول جزءا كبيرا من ولايته لاكتشاف المجال المعين، محاولا الإحاطة بخصائص مسؤوليته الجديدة، وقد يتخذ قرارات غير ملائمة ثم يغادر منصبه دون أدنى محاسبة. ولكن ذلك لا يمنعه من مواصلة ارتقاءه الاجتماعي لأنه عند نهاية مهمته يحط رحاله في منصب آخر بنفس الأسلوب العمودي وهكذا دواليك، أما العواقب المترتبة على هذا الوضع العبثي فهي من جهة تنامي الشعور بالإحباط و المرارة التي تنتاب أصحاب "الكفاءات" الحقيقية ثم التعثر في سير المؤسسات. انطلاقا من وعيه بهذه المشكلة، اتخذ الحزب المذكور من الاعتماد على المهارات دون تمييز، أحد شعاراته القوية خلال حملته الانتخابية. وبعد الانتهاء من الانتخابات التشريعية، أقدم على الالتزام بشعاره معتمدا على مسطرة شفافة لانتقاء مرشحيه للاستوزار، فاستحق الاحترام على هذا المنهج الجديد. هذه المقاربة الجديدة في المغرب دفعت جزء هاما من المواطنين أن يعتبروا حزب العدالة و التنمية رمزا للأمل. الأمل أن تنتصر الشفافية ويصبح معيار الكفاءة هو الأساس لاختيار صانعي القرار بحيث تنمحي الولاءات السياسية والقرابة العائلية و المصالح المتبادلة كما تنمحي أيضا عوامل التمييز بين الرجال و النساء. و لذلك فإن الحكومة الجديدة لا ينبغي أن تنسى أنها ستخضع للمحاسبة، في نهاية ولايتها، عن مدى كفاءة المسؤولين الذين ستضعهم في المناصب الرفيعة. أما الشعار الآخر الذي استند عليه الحزب الأغلبي خلال الحملة الانتخابية، فهو احترام الحريات خاصة حرية الرأي والحرية في الوصول إلى المعلومة. لكن هذه الحريات سرعان ما تعرضت للانتهاك نظرا لتتابع حالات المنع التي طالت وسائل الإعلام المكتوبة. فقد حظرت الحكومة أحد أعداد مجلة نوفيل أبسرفاتور تحت ذريعة أنه يتضمن رسما مزعوما للذات الإلهية مما يسيئ للديانة الإسلامية، إلا أن سمعة هذا الصنف من المجلات نابعة من جديتها و جودتها، علاوة على كون هذه الأسبوعية تصدر في فرنسا و تستهدف بالأساس جمهورا فرنسيا في بلد يحترم حرية الرأي والضمير وفي مناخ يقبل انتقاد جميع الديانات، المسيحية واليهودية والإسلامية على السواء. إن عدد القراء المغاربة المتوفرين على الإمكانيات اللازمة للحصول على هذا النوع من المجلات لا زال منخفضا جداً نظراً لأسعارها ولتواضع مستوى القدرة الشرائية في المغرب. كما أن نسبة المتكلمين باللغة الفرنسية متواضعة جدا. أما يومية الباييس الإسبانية، فقد خضعت بدورها للرقابة بسبب رسم كاريكاتوري لملك المغرب. كم هو عدد المتقنين للغة الإسبانية الذين يشترون هذه الجريدة ؟ ضئيل جدا! والخلاصة أن الأسبوعية ثم اليومية اللتان خضعتا للرقابة تقتربان من وضع النشرات السرية في المغرب نظرا لقلة انتشارهما. ولذلك فإن الزعم بأنهما سيتسببان في جرح المشاعر الدينية للقراء أو إزعاج ولائهم للملك، يعتبر تبريرا من فصيلة الخيال العلمي. لا ينبغي للحكومة أن تستسلم بسرعة للهلع بل أن تضع نصب أعينها دائماً أن التكنولوجيات الجديدة والإنترنت جعلا قراءة الصحف والوصول إلى المعلومات أمورا مشاعة للجميع، ولم يعد منع تداول الورق كافيا لحجب المعلومة ذاتها بل إن الرقابة تنتج العكس لأن خبر المنع ينتشر بسرعة فيتأجج الفضول وحب الاستطلاع لدى القارئ فيسارع باحثا عن المادة المحظورة. و في المغرب، يكفي التوفر على خمسة دراهم و الولوج إلى الدكان أو المقهى الرقمي. وهكذا فإن إدراك هذا التغيير المجتمعي سيجنب الحكومة الجديدة الوقوع في وضع محرج قد يضر بمصداقيتها مجانا. وفي الختام، فيما يتعلق بحرية التعبير والوصول إلى المعلومات ليس من الضروري أن ننتظر نهاية الولاية لنستنتج أن الحكومة أخلفت وعدها. ولكن ما زال هناك الأمل أن نرى المسؤول المناسب في المنصب المناسب و نقطع مع عادة الإنزال العمودي. هذا الأمل يراود عددا من الناس الذين صوتوا لصالح الحزب طامحين في قدرته على تحسين الحكامة دون أن يشاطروه كل قناعاته الفكرية. نرجو أن لا يتحول هذا الأمل إلى سراب. خبيرة في القانون ومناضلة حقوقية الترجمة من الفرنسية للعربية : أحمد ابن الصديق