الآن وقد صوت البرلمان على البرنامج الحكومي الذي ينوي السيد عبد الإله وحكومته تنزيله وفق ما يقتضيه الدستور ومصلحة البلد ،فيا ترى ما هي أهم مرتكزات هذا البرنامج ؟ وكيف تنوي الحكومة القضاء على بؤر الفساد المستشري في مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والقضاء على هذه البؤر التي لدرجة تهدد البلد بالسكتة الدماغية قبل القلبية؟ التصريح الحكومي يقوم على ثلاثة مرتكزات أساسية هي: العمل المندمج والمتكامل. المقاربة التشاركية. - ربط المسؤولية بالمحاسبة. وهي مرتكزات نابعة من روح الدستور الجديد ومن البرامج الانتخابية للأحزاب المتحالفة المشكلة للأغلبية. وهي مرتكزات تتوخى من بين ما تتوخاه "بناء مجتمع متوازن ومتماسك ومستقر ومتضامن ومزدهر يضمن العيش الكريم للمواطنات والمواطنين والرعاية الخاصة للمغاربة المقيمين بالخارج وقائم على الطبقة الوسطى". بهذه الأهداف النبيلة المرسومة بدقة يسعى البرنامج الحكومي التوصل إلى نتائج ايجابية من خلال "خلق الثروة" وتحقيق التضامن بين مختلف الشرائح الاجتماعية عبر محاربة اقتصاد الريع والحرب على الفساد في مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالبلد ،.فساد تسبب في ضياع نقطتين هامتين على سلم التنمية كما يؤكده خبراء الاقتصاد في حزب العدالة والتنمية. ولذلك كان من الأهمية بمكان أن يعتمد البرنامج الذي تعتزم الحكومة تبنيه في الخماسية المقبلة على مقاربة الشفافية المطلقة وربط المسؤولية بالمحاسبة مصداقا للدستور الذي نص في التصدير على مبدأ "الكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم،في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة"(تصدير الدستور).ويمارس هذه المحاسبة المجلس الأعلى للحسابات ،الذي يتولى دور الرقيب القائم على الحكامة الجيدة في تنزيل الشفافية لمالية الدولة. هذا المجلس يستمد قوته من استقلاليته التامة عن أية جهة إدارية كانت أو سياسية بقوة الفصل 159 من الدستور "... الهيئات المكلفة بالحكامة الجيدة مستقلة وتستفيد من دعم أجهزة الدولة ،ويمكن للقانون أن يحدث عند الضرورة ،علاوة على المؤسسات والهيئات المذكورة بعده،هيئات أخرى للضبط والحكامة الجيدة." البرنامج الحكومي الذي تقدم به السيد عبد الإله بن كيران أمام مجلس البرلمان يتشكل من خمس توجهات كبرى هي : 1 تعزيز الهوية الوطنية الموحدة وصيانة تلاحم وتنوع مكوناتها والانفتاح على الثقافات والحضارات. 2 ترسيخ دولة القانون والجهوية المتقدمة والحكامة الرشيدة الضامنة للكرامة والحقوق والحريات والأمن القائمة على المواطنة الحقة وربط المسؤولية بالمحاسبة والحقوق بالواجبات. 3 مواصلة بناء اقتصاد وطني قوي متنوع الروافد القطاعية والجهوية وتنافسي ومنتج للثروة وللشغل اللائق وسياسة ضامنة للتوزيع العادل لثمار النمو. 4 تطوير وتفعيل البرامج الاجتماعية بما يضمن الولوج العادل إلى الخدمات الأساسية خصوصا التعليم والصحة والسكن ،ويكرس التضامن وتكافؤ الفرص بين الأفراد والفئات والأجيال والجهات. 5 تعزيز التفاعل الإيجابي مع المحيط الجهوي والعالمي وتقوية الأداء العمومي لخدمة المغاربة المقيمين بالخارج. وإذا كان المقام في هذا المقال لا يسمح بإدلاء كل الملاحظات على جميع التوجهات ،فإني أرى من الأهمية بمكان أن يرتكز بحث المهتمين والمحللين على التوجه الثاني في المشروع الحكومي ،لما له من ارتباط قوي بانتظارات المواطنين ورغبتهم في رؤية المفسدين وقد نالوا جزاءهم الذي يستحقونه. ولعل من الإشارات القوية التي أرسلها وزير العدل في هذا الشأن من إحالة طبيب وقاضي متلبسين بتهمة الرش ووة والإساءة لمهنتيهما. الكيفية التي استقبلت بها الهيئات الحقوقية والشعبية بالارتياح والتثمين لدليل على رغبة كل المغاربة في الإعلان الفوري للحرب على الفساد. التوجه الثاني إذن من التصريح إذن يهدف إلى ترسيخ دولة القانون تنزيلا لمقتضيات الدستور الذي نص على سيادة القانون وفصل حقيقي للسلط حتى يمكن المحاسبة عند الاقتضاء ،ذلك أن الدستور الجديد ربط المسؤولية بالمحاسبة والحقوق بالواجبات. البرنامج الحكومي يهدف إلى ما يهدف أيضا إلى بناء علاقة وطيدة مع البرلمان ومع المعارضة بتمكينها بما يلزم من أدوات للقيام بمهامها على الوجه الأمثل في البرلمان وفي الحياة السياسية . من الفساد الأعظم الذي يتوجب على حكومة عبد الإله إعلان الحرب الضروس عليه قطع الأرزاق و "حز"الأعناق والحط من الكرامة بسبب سيادة قانون "الوسطاء والسفهاء "بدل القانون المسطر في الدستور. تعطيل الدستور من شأنه أن يدخل البلاد في متاهة ضياع العباد لأقواتهم وكرامتهم التي لن تصان إلا بالمزيد من التأكيد على الحفاظ عليها من خلال تطبيق الحد الأدنى من الأجور المحدد في قاعدة 3000درهم في الشهر لكل مواطن مغربي. وتلك لعمري محصلة المحصلات التي لا ينبغي الاختلاف عليها بل وتستلزم تدخلا سريعا من قبل مفتشي الشغل الذين تقع على عواتقهم مسؤولية رفع التقارير بالمشغلين غير المنضبطين للقرار الحكومي ،سواء أكان في القطاع الخاص أم العام. لكن بؤر الفساد المراد الإشارة إليها هنا هي تلك التي تنخر في جسم" السياسة" والاقتصاد" والقضاء"..فكيف تنوي الحكومة تنزيل الدستور من أجل القضاء على الفساد في هذه المواطن ؟ 1) في السياسة : مهمة الحكومة في هذا المجال ستكون شاقة وعسيرة حين ستفكر في إعادة الاعتبار للفعل السياسي.. فمن جهة عليها أن تعيد الثقة المفتقدة بسبب الخراب الممنهج الذي أصاب العقلية والممارسة السياسية النبيلة في مقتل. فالأحزاب لم تعد سوى تلك الدكاكين الموسمية التي لا تفتح أبوابها سوى في فترة الانتخابات .. وتلك ممارسة مشوهة للعملية السياسية برمتها ،و بعيدة كل البعد عن مغزى إنشاء الأحزاب في ظل الدولة المدنية الحديثة وفق ما سطره الدستور في الفصل السابع بكثير من الوضوح( تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية..) التبرنامج يؤكد على مواصلة إصلاح المنظومة الانتخابية بهدف تطوير آليات المنافسة الحرة والنزيهة . وهذا الأمر يتطلب في المقام الأول إعادة النظر في التقطيع الانتخابي الحالي والمحسوب على العهد البصروي القديم ،الذي لم من أهدافه سوى فرز خريطة مبلقنة لا تفضي إلى بناء أقطاب سياسية واضحة المعالم ،يعرف فيها المواطن الناخب لمن سيسلم القيادة وكيف سيحاسبها فيما بعد. التقطيع الانتخابي المنشود لا بد أن يستحضر الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والحجم الديموغرافي والإثني في كل منطقة انتخابية على حدة. والسياسة التقطيعية لا بد تسهر عليها فعاليات متعددة, ولا يحق لوزارة الداخلية احتكار قرار تقطيع المملكة وفق عقلية أمنية مخزنية بائدة. المنطق الجديد في الدستور يستوجب مشاركة رجال السياسة بكل أطيافهم والهيئات المدنية بلا استثناء والمفكرين والمثقفين وفقهاء القانون وعلماء الجغرافيا تحديدا لما لهم من دراية في دراسة علم السكان والجهات وكذا في الاقتصاد المحلي لكل جهة..ومهمة وزارة الداخلية بالأساس العمل على محاربة سماسرة الانتخابات ومفسديها من خلال رفع التقارير إلى الجهات الأمنية والقضائية خاصة وأن الرهان قائم على الدخول للجهوية المتقدمة وإرساء مزيد من اللامركزية واللاتمركزر هان البلد في تخطي مثالب العهد القديم.. 2) في الاقتصاد: سيكون الشعب المغربي راضيا على أداء حزب العدالة والتنمية وحكومته المتحالفة ،بل ولربما سيجدد الثقة فيها وفي تحالفه المشكل على أنقاض "الكتلة الديمقراطية" التي يبدو أن آخر مسمار في نعشها قد دق وبشكل نهائي عقب التدخل القوي لأستاذ عبد الإله بن كيران أمس أمام أعضاء البرلمان. الرد الذي أخرص به أفواه الخصوم وأثلج صدور العموم لما حوي رده من صدق الكلام ، وعزم النيات في قضاء حوائج الناس برد المظالم ودفع الضرائب واعتماد سياسة الشفافية في كل شيء. الشعب المغربي سيكون راضيا عليها إذا ما قام بتفعيل المحاسبة الدقيقة وإرسال خبراء المجلس الأعلى للحسابات إلى مؤسسات بعينها كانت هيئات حقوقية ونقابية تطالب بفتح تحقيق نزيه وشفاف في الأموال المهدورة في كثير من مؤسسات الدولة ،ودون إغفال التنزيل للبرنامج الحكومي وفق ما تعهد به السيد رئيس الحكومة أمام نواب الأمة. هذا البرنامج الذي يقوم على إجراءات عديدة ومرقمة لأهداف إجرائية قابلة للتحقق على أرض الميدان من أجل" بناء اقتصاد وطني قوي متنوع الروافد القطاعية والجهوية ،تنافسي ومنتج للثروة وللشغل اللائق وسياسة اقتصادية ضامنة للتوزيع العادل لثمار النمو ". الحكومة عازمة على تحقيق نسبة بمعد 5,5% في الفترة الممتدة بين 2012/2016 ونسبة نمو فلاحي بمعدل 6%،كما ستعمل الحكومة على ضبط التضخم في حدود2% وتخفيض البطالة في حدود 8% في أفق 2016 . هذه الطموحات النبيلة مرهونة بإجراءات عملية شجاعة يكون منطلقها ومنتهاها المواطن الفقير الذي بنى آمالاعريضة على هذه الحكومة باعتبارها حكومة إنقاذ وطني بامتياز. وعليه فمن الإجراءات السريعة التي ينبغي على السيد عبد الإله بن كيران وحكومته القيام به قصد إخماد الحرائق في أجساد المعطلين الطرية إيجاد حل سريع لمعضلة الشغل من خلال توظيف الشباب حامل الشهادات في قطاعي التربية والتعليم وكذا الصحة الخصوصيين . فليس مقبولا بعد اليوم أن يستمر قطاع التربية والتعليم الخصوصي الاعتماد في موارده البشرية على أطر القطاع العام. ينبغي أن يتحمل مسؤوليته الكاملة في تشغيل الشباب بل والتفكير في الاستمرار في تكوينهم بعد تخرجهم أيضا وإيجاد الشغل في المرافق الخصوصية الطالبة لهؤلاء الحاملين لهكذا شهادة . وبهذا الإجراء تكون الدولة قد أخلت مسؤوليتها تماما من كل شاب قصد مؤسسة تربوية خصوصية منذ بداية مساره التربوي إلى نهايته. والشيء نفسه يقاس على قطاع الصحة. بل وفي هذا القطاع تحديدا ينبغي أن تكون المراقبة شديدة على من تسول له نفسه التلاعب والاغتناء على حساب آلام الناس .فالحرب على الفساد في هذا المضمار شاق وطويل ،وعلى الدولة استرجاع المجمعات الاستشفائية العمومية إلى ملكيتها ورفع الحجر عليها.فلا نعلم كيف تحولت في ملكية أطباء درسوا في مؤسسات حكومية وبتمويل من الدولة ثم هاهم الآن يحتلون أجنحة استشفائية حكومية حساسة لصالح حساباتهم الشخصية ،كما هو الشأن في جناح أمراض القلب بالطابق العلوي بمستشفى إبن سناء بالرباط، والمستشفى الخيري زايد الذي موله المرحوم زايد بن نهيان من ماله الخاص لفائدة عموم المواطنين المغاربة ثم في النهاية تحول بقدرة قادر لمستشفى خصوصي لا يلجه إلا أصحاب الملايين. وبطيعة الحال لا يمكن أن يستقيم الحال وتتمكن الحكومة إجراء هذه التعديلات والفحوصات وإرجاع الحقوق والضرب على الأيدي المخالفة للقانون إلا من خلال جهاز قضائي قوي ونزيه. غير أن هذا الجهاز نفسه يحتاج إلى صيانة وإصلاح عميق مادام البرنامج يفصح وبصراحة متنهاية في الفقرة الرابعة من الباب الثاني ،باب ترسيخ دولة القانون.فمن أسباب استقرار الملك ودوام السلطان الأمن والعدل والقضاء المستقل. وذلك لوحده يحتاج أن نفرد له مقالا مستقلا في القريب العاجل ،في مزيد من القراءة لمضامين البرنامج الحكومي..