يحكي الشريط، الذي جرى تصويره في بني مسكين نواحي مدينة سطات والرباط، قصة حياة علي ولد صفية، “البوعار” المهمش الذي يعيش ويأكل من الأزبال والنفايات، إلى حين ظهور مبلغ المليار غير المنتظر الذي سيقلب حياته رأسا على عقب، خاصة عندما يعكف على تغيير حياته المزرية إلى حياة الترف حسب ملخص الفيلم. ويتقمص دور البطولة في فيلم “المليار”، الذي تم اختياره ضمن المسابقة الرسمية للدورة 18 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، الممثل ربيع القاطي، الذي يلعب فيه دور “علي ولد صفية ” حيث يقتات من بقايا فتات الناس وسط مطرح للنفايات. ويجسد باقي الأدوار إلى جانب ربيع القاطي وحسناء المومني، كل من محمد عاطر، الذي منحه المخرج مساحة أكبر في التمثيل السينمائي، وساندية تاج الدين، وعبد الله شيشا، وزهور السليماني، وزهيرة صادق، وعبد الحق بلمجاهد، وعبد القادر ركيكو ومن إخراج محمد رائد المفتاحي. يطرح الفيلم ” المليار” قضية أساسية أساسية كيف يمكن تحويل الاشاعة إلى حقيقة في مجتمع يؤمن بالإشاعات. ينطلق الفيلم من منظر عام شخصية علي ولد صفية “البوعار” وسط قرية منسية.. عاشق للموسيقى ومنبوذ وكريه من طرف سكان القرية.. محب للخير ويتمتع بالكثير من الذكاء وإنسان يحب العمل. ويسلط الفيلم الكثير من الضوء على فئة اجتماعية مهمشة في المجتمع بقالب كوميدي ساخر. تنقسم شخصيات الفيلم إلى شخصيات انتهازية واستغلالية وشخصيات يقع عليها فعل الاستغلال.. رئيس الجمعية وفقيه القرية و مجموعة من السيدات يرغبن في تحسين وضعهن الاجتماعي ويحاولن استغلال فرصة أن ولد صفية الذي تم ترشيحه لنيل جائزة المليار. ولد صفية والمرأة المطلقة التي يعشقها شخصيات غير انتهازية.. تمتاز بالقناعة والرضى عن النفس ترفض الرياء والنفاق المسيطر على مجتمع القرية وتحاول أن تعيش فقط اللحظة ويعمل على مساعدة الأخرين. يقدم فيلم ” المليار” تحليلا عميقا عن ذهنيات مجتمع القرية حيث تنطلي الاشاعة على الجميع دون تحليل ودون نقد وينساق الجميع بحثا عن الوهم. على ولد صفية شخصية مركزية في الفيلم يصور عبر تقابلين أساسين: صورة البوعار.. المحتقر.. وغير القادر على الحديث والمنزوي والمهمش من طرف الجميع رجالا ونساء.. ولد صفية والدته ” شيخة” وهو لا يعرف والده ومحط سخرية وتهكم من طرف الجميع بل كل التهم تلتصق به ويعتبر ندير شؤم. الصورة الثانية صورة البوعار الذي أزاح عنه الهم والغم وغير من مظهره البائس ليبدو في حلة جديدة.. حلة الانسان الوقور الذي يهابه سكان القرية ويقدم الخير بلا انقطاع. يستغل علي ولد صفية فرصة أنه أصبح ثريا ليحقق الكثير مما كان يحلم به. كل نساء القرية اللواتي رفضنه يسعين جاهدات للبحث عنه والتقرب منه زلفى .. رجال القرية وفي مقدمتهم رئيس الجمعية والسمسار.. وهي ثلاث شخصيات أساسية ركز عليها الفيلم بشكل قوي… رئيس الجمعية الذي يظهر في الكثير من صور النفاق حيث يستغل الجمعية وأموالها لأغراضه الشخصية رفقة السمسار والسكرتيرة وتقديم خدمات وهمية والاغتناء عل ظهر الآخرين. شخصية السمسار الحلقة الوصل بين سكان القرية ورئيس الجمعية حيث له قدرة كبيرة على التلون ولبوس أكثر من قناع في أكثر من حالة. يطرح فيلم ” المليار” تصورا وبعمق تحليلي عن مجتمع الفقراء والبسطاء والتهميش وكيفية خداعهم بسهولة حيث يعمل على ولد صفية على استغلال الوضع وتقديم مزيد من الدعم والمساعدة للفقراء والمهمشين ويعكس نظرة عميقة للمخرج عن طبقية صارخة تتسم بالكثير من الفوضى داخل المجتمع المغربي.. طبقية ترزح فيها غالبية مهمشة ومقموعة. ينوع المخرج بين مشاهد بانورامية للقرية و مشاهد الليل حيث تسود الدسائس وحزن ولد صفية وهو يناجي نفسه ويتسلل لرؤية المرأة المطلقة التي يعشقها حد الهوس.. وبين مشاهد النهار حيث يسود النفاق والتحركات وتكثر خطب الفقيه بأدعية حسب المناسبات والطلب وتحركات رئيس الجمعية والقرية دون توقف. هناك لقطات قريبة لوجوه الشخصيات وحركاتهم وإيماءاتهم تعكس صور الخداع والزيف التي يتخبط فيها المجتمع .. مع تعدد زوايا التصوير حسب موضوع الفيلم المعالج.. تصاحبه مع موسيقى شعبية حزينة متقطعة بين الحين والآخر. أجاد الممثل ربيع القاطي الدور بشكل كبير وبسلاسة رائعة في عمليات الانتقال من شخصية ولد صفية المتسخ والمهمش إلى شخصية الرجل الثري المهاب الجانب. في هذا التحول إيمان سكان القرية بالإشاعة و بوهم الثراء والاغتناء على حساب عذابات الآخرين. للمخرج قدرة كبيرة في فن إدارة الممثلين بطريقة احترافية تعكس اختياراته الفيلمية. ويعبر فيلم ” المليار” من الأفلام الجيدة المضمون والتي تقدم نقدا كبيرا للوضع الاجتماعي والسياسي بنوع من السخرية السوداء وظف فيها المخرج كل امكانياته الثقافية والإبداعية وأجاد في إيصال نقل مشاهد مأساوية بقالب ساخر وتهمكي.