لأنه لا مكان للفرح الحقيقي في هذا الوطن وتطبيقا للمثل المصري الشائع " جات الحزينة تفرح ملقتلهاش مطرح " فإنه ليس مكتوبا على ما يبدوا لهذا الشعب الطيب أن يفرح حتى بانتصارات رمزية تغنيه عن هزائم الجوع واللاعدالة وغياب الديمقراطية ، حتى في كرة القدم المتنفس اليتيم الذي يضمد شيئا من الجراح الغائرة لم نفلح وابتلينا بالخيبة والانكسارات لأنها قدرنا دائما وأمورنا تسند لهم دائما هم الذين لم تلد بطن أم مغربية مثلهم ، كيف لا وسلطتهم تطوق أعناقنا ولسنا نرجوا منهم سوى أن يأخذوا الجمل بما حمل ويمكنونا فقط من هامش للتعبير وهامش للفرحة ووقت للافتخار ومنتخب وطني لكرة القدم لا يحطم ما تبقى من قلوبنا المهشمة أصلا . بين2006 و2012 لم يتغير واقع الحال كثيرا ، وتلك القلوب التي بكت بحرقة في غانا هاهي تعاود كفكفة دموعها في الغابون بينما رجال آخرون همهم الوحيد سفرة هنا وطائرة إلى تلك العاصمة وصورة في الملعب مستغرقون في أرائك وتيرة ، وبين السنوات الست جرت مياه كثيرة دون أن يتوفر لنا أطباء حقيقيون قادرون على أن يشخصوا الداء كما يجب ، لم يمتلك أحد الشجاعة ليقترف ذنب قول الحقيقة دون رهبة في زمن الخوف فاستمر المرض في الاستشراء في جسد أنهكته الجراحات التجميلية وواصل الرجال الأفذاد الآخرون الذين تخرجوا من ذات الأكاديمية المحترمة جدا والمحترفة في تعذيبنا في تسيير الكرة وكأن تحكمهم في صنابير مياهنا وفي رقبة كهربائنا لا يكفي ، لكن في زمن سيطرت عليه احتكاماتنا للخطوط الحمراء فضلنا أن نهرب إلى لوم اللاعب و لكنته الفرنسية وقصة شعره الغريبة وصديقته الأوروبية عوض أن نحاكم المسؤول في زمن كثرت فيه الأصنام والمقدسات ، لذلك فالجبن يكون أسلم من الشجاعة في أحيان كثيرة حتى على حساب قول الحقيقة التي باتت جرما يرجم مرتكبه ويلعن بسببه إلى يوم الدين . بين ملايين الشارع وملايين غيرتس ثمة طبعا كثير من الكلام يمكن أن يقال ، لكن اللوم ليس على غيرتس وحده بل اللوم على من حمله على الأكتاف ، من عامله كأمير مدلل وصنع منه ذلك الصنم الذي لا يستطيع أن يحاسبه أحد ، من أعطاه شيكا على بياض يمشي معه مزهوا لا يملك أحد الحق في أن يكلمه وأن يحاسبه ، فبات له الحق أن يحتقر هذا الصحفي ويتهكم على سؤال آخر ويفرض شروطه المرضية علينا ، كيف لا يفعل ورئيس جامعتنا الغير شرعي والذي نزل بالباراشوت لأنه صديق فلان وسليل العائلة الشريفة أقسم عليه وعلى أن لا يأتي بغيره فحتى وهو مدرب لفريق آخرحلفنا على أن نؤجل كل شيء حتى نستقبله بالورود ونفرش له الأرض بساطا أحمر ونطلب من الصحفيين في مؤتمر التقديم أن يكفوا عن أسئلتهم المحرجة وأن يصفقوا له بحرارة وويل لمن عصا ، ألم يصنعوا منه شخصا غير قابل لللمس ؟ لكن مرة أخرى اللوم ليس عليه ، اللوم على من نصبوه فقالوا وقلنا آمين . اللوم أيضا على إعلامنا الرياضي أيضا الذي تعود أن يكذب ثم يكذب حتى يصدقه الناس عملا بالمقولة الشهيرة لجوزيف غوبلز وزير إعلام هيتلر ، إعلامنا الرياضي مع استثناءات قليلة لم يختلف كثيرا عن ما يغرق فيه الإعلام المغربي بصفة عامة من بروبغندا وتزوير وعكس للواقع واستبلاد للشعب ، كان إعلامنا الرياضي يصيح في واد بينما تنطق الحقيقة في واد آخر ، هل كان على إعلامنا الرياضي أن يبيع الوهم ويصنع من فريقنا الكروي بطلا مزيفا في عيون مشجعيه فقط لتغطية العيوب الكبيرة الأخرى التي لا تخطئها العين في هذا الوطن ؟ هل كان على إعلامنا الرياضي أن يخشى البوح بما لنا وعلينا أم أن الظروف السياسية الدقيقة والاحتقان الاجتماعي لا يحتمل خطاب التيئيس ، صور إعلامنا المتحكم فيه والذي لا يملك الشروط الموضوعية لإنتاج خطاب مستقل فوزنا الكروي على منتخب جزائري ضعيف على أنه نصر تاريخي وأن لا أحد يستطيع الوقوف في وجهنا بعد الآن ، فوز اختلط فيه السياسي بالرياضي في ظرف كانت فيه الدولة تدرك جيدا أن الفوز الرياضي يستطيع أن يخدر الآلام ويكسبها بفضله مزيدا من الوقت ويجنبها مزيدا من الحانقين والساخطين الذين فقدوا الأمل في كل شيء ، فمتى كنا نخرج إلى الشارع احتفالا بمجرد الوصول للنهائيات الإفريقية ؟ قد يكون الأمر عاديا أن نقصى وأن يكون الوصول إلى المسابقة القارية أقسى أحلامنا لكن شريطة أن نكون مقتنعين بذلك ويعي جمهورنا مثلا أننا لسنا مؤهلين للتتويج والإنجاز ولا أن نهيء عرسا بدون عريس ونغالط شعبا بأكمله ذنبه الوحيد أنه يصدق بسرعة فقط لأن الصنم يريد ذلك أو لأن خطة التوظيف السياسي للرياضة كانت تقتضي ذلك. أما آن الوقت لنقول لهم ارحلوا ؟ أم أن الحديث عن راتب غيرتس العاطل الأغنى في العالم الذي يمكن أن يوفر ملايين توظف أفواجا من الشباب العاطلين وعن الجامعة التي لا تجمع سوى هواة السفر والمرح يصنف أصحابه في خانة الشعبويين ، هل يحق لنا شيء آخر غير الصمت والاحتراق أجسادا وقلوبا ، مواطن بسيط صرخ في إحدى البرامج الإذاعية الرياضية " على الفاسدين أن يرحلوا وعلى رأسهم رئيس الجامعة وأنا أتحمل مسؤولية كلامي ومستعد لأدخل السجن .... " ، فهناك شعور سائد أن جامعة الكرة التي كانت في عهد العسكر أشبه بوزرات السيادة انضمت اليوم إلى المقدسات التي لا يجب انتهاك حرمتها بلفظ أو تعبير لدرجة يتصور معها مواطن عادي أن انتقادها يمكن أن يقوده إلى السجن . أما آن الوقت لنسقط أصنام الرياضة الفاسدين ؟ الشعب يريد رحيل هؤلاء أيضا الذين حولوا الجامعات الرياضية إلى مزارعهم الخاصة يزرعون فيها ما شاءوا لا أحد يحاسبهم لا حكومة ولا برلمان ولا هم يحزنون في عهد تحدثوا وقالوا عنه يوما أنه يربط المسؤولية بالمحاسبة فما رأينا إلا تعاليا وتكبرا بلغة " من أنتم " ، أم أن لسان حالنا سيبقى " نحن نريد وهم يفعلون مايريدون" في انتظار غودو ربما .