هذه رسالة وصلت إلى بريد علي أنوزلا من ماء العينين لكحل، الأمين العام لاتحاد الصحفيين والكتاب الصحراويين، وفيها يورد يعض ملاحظاته على الربورتاج الذي أنجزه أنوزلا حول رحلته إلى مخيمات جبهة "البوليساريو" بالجنوب الجزائري. ... الأخ علي لقد قرأت ريبورتاجك جيدا، وأعجبتني فيه عدة مقاطع، كما لم ترقني أخرى، ولكنني قرأتها بخلفيتي الصحفية وليست لي أية نية لمحاسبتك أو حتى مناقشتك في الآراء التي أوردتها، ما لم تكن ترغب في ذلك، ببساطة لإيماني وقناعتي بأهمية احترام رأيك في ما كتبت مهما جانب الصواب أحيانا كثيرة. من هنا، أشرت في رسالتي فقط لما يخص الحديث عن اتحاد الصحفيين، وذلك من منطلق الاستغراب لأنني لم أعلم أنك زرت مقر الإتحاد وأنا من قابلك في اليوم الثاني من وصولك، وبعدها مرات مختلفة بتفاريتي المحررة. ولكنني وبعد إعادة قراءة النص علمت أنك قصدت مقر دار نشر لارماتان التابعة لنا هناك، ومن هنا أعترف أنني لم أستحسن إشارتك التي أسيء فهمها من طرف عدد كبير من أعضاء الإتحاد، حيث لم يتوقف هاتفي عن الرنين خلال اليومين الماضيين يسألونني عما دار بيننا وبينك من حديث، وكيف لم تورد أي ذكر لنقاشاتنا (التي تخيلوها) وكنت في كل مرة أشرح لهم سوء التفاهم الذي حصل. ولن أجعل من هذا الموضوع مشكلة في حد ذاتها، ففي النهاية لقد كتبت ما كتبت بحسن نية كما قلت، ولكن علي أن أقول أن أكثر ما استغرب له رفاقنا هو حديثك عن "النقاش هنا يدور حول آخر الأفلام وآخر البرامج الكمبيوترية وعن آخر تقليعات موضة الشباب" وهم يعلمون أننا لا نملك تلفازا في مقرنا، ولا حتى في سكننا، وأننا آخر من يهتم بالموضة؟ المهم، ما في الأمر أنني لا أريد أن أفقد الثقة في صحفي مثلك، أحترم كتاباته وآرائه، رغم أنني لا أشاطرك الكثير منها طبعا. أما وقد أشرت إلى توقعك أن أناقش معك الطريقة التي قاربت بها الموضوع، فعلي أن أقول أنك اخترت الطريقة الأمثل لسرد الرحلة، رغم أنك لم توفق كثيرا في قراءة بعض الإشارات التي مرت عليك أو أنك أهملتها، فمن جهة أستطيع القول أنك أصبت إلى حد كبير في إدراك حقيقة الشعور الجماعي العميق بالغضب الحقيقي والمبرر من الظلم الذي تعرض له "ما يسمى" بالشعب الصحراوي من طرف النظام المغربي، وكيف أن "ما يسمى" بالشعب الصحراوي اضطر للهجرة الجماعية من وطنه تحت قنابل الطيران المغربي يا صديقي، وليس بسبب دعاية "ما يسمى" بالبوليساريو لأن مقاتلي البوليساريو كانوا في تلك الحقبة مشغولين بمواجهة الغزو المزدوج ولم يكن لديهم من الوقت ولا القدرة على نشر الدعايات، كان همهم الأول والأخير النفاذ بأرواحهم وبأرواح من يستطيعوا إنقاذه من المذابح التي تعلم أنت جيدا كيف كانت تجري على قدم وساق على أيدي الجيش المغربي ومختلف الأجهزة المغربية، ولا تحتاج للتأكد من هذا للاستشهاد بما قالته لك "تغلا" لأنها مجرد شاهد عيان عاش هذا الرعب، فهناك عشرات الآلاف من الأبرياء الذين قضوا ولم يستطيعوا أن يقدموا شهاداتهم، ومئات ممن فقدوا إلى الأبد ودفنت مآسيهم معهم، ويكفيك أن تعود إلى تقرير المجلس الإستشاري المغربي لحقوق الإنسان الذي أصدره سنة 2010 ونشره بأكبر قدر من السرية والتمويه لترويجه داخل جدران المجلس الأممي لحقوق الإنسان من أجل تلميع صورة نظام الرباط والقول بأن الحكومة المغربية تحاول التعامل مع ماضيها الفظيع. في ذلك التقرير اعترف المغرب بقتل 352 صحراويا ضمنهم أكثر من 14 طفلا تحت التعذيب.. وما لم يقله أن بعضهم قتل أبشع قتل، وأن بطون حوامل بقرت، ونساء اغتصبن وقتلن، وعوائل دفنت أحياء تحت رمال الصحراء.. أبرياء لم يكونوا على علم بأي شيء ولا علاقة لهم بأي سياسة. وقد تكون لاحظت استعمالي (المقصود) لكلمة "ما يسمى"، لأقول لك أنها غير لائقة أخي العزيز بصحفي مثلك. نحن في موقع الإتحاد مثلا نتوصل ببيانات، وبلاغات إخبارية من نشطاء وفعاليات الانتفاضة بالمناطق المحتلة يستعملون فيها هذه ال"ما يسمى" عند ذكر أي شيء يتعلق بالسلطات المغربية، أو المسميات الأخرى الخ، لكننا نحرص ما أمكننا على حذفها لأنها غير لائقة، ونفضل تسمية الأشياء بأسمائها. كنت سأتقبل أكثر لو قلت مثلا "الجمهورية الصحراوية المعلنة من طرف واحد"، الجمهورية المعلنة من طرف جبهة البوليساريو. على أنني أتفهم حرصك على عدم "الاعتراف" بوجود هذه الجمهورية، لكنني أتساءل هل ينقص استعمال "ما يسمى" بالجمهورية لوصفها من كونها موجودة على الأرض، على الأقل على أزيد من 90 ألف كلم مربع من تراب الصحراء الغربية لا تستطيع أرجل قوات الاحتلال المغربية وطأها؟ وهل ينقص ذلك من حقيقة أنها ورغم صغرها، أو فقرها، أو نقصان سيادتها على وطنها، عضو كامل العضوية في الإتحاد الإفريقي معترف بها من دول عديدة، ولديها سفارات في بلدان عديدة تعاملها كما تعامل السفارات الأمريكية أو الفرنسية أو أي سفارة أخرى؟ ثم قد أتفهم إصرارك على التسطير تحت "ما يسمى" كلما أشرت للجمهورية، ولكن لا أستطيع أن أفهم وجود نفس الإصرار عند ذكر الجيش الشعبي الصحراوي، أو الدرك الصحراوي، أو حتى الرابوني؟ هذه ملاحظة. الملاحظة الثانية، وهي في اعتقادي أكثر خطورة، لمستها حين قرأت هذا المقطع: "وتحولت المخيمات إلى سوق سوداء كبيرة يتم التعامل فيا بكل العملات وبكل أشكال المقايضة بما فيها حتى تلك التي تخص مقايضة الرهائن والمختطفين كما حدث مؤخرا مع الأجانب الثلاثة المختطفين من داخل مخيماتالجبهة."؟ إن من يقرأ هذه الفقرة سيقول مباشرة: "حسنا، يبدو أن نظام الرباط محق في اتهام البوليساريو بعلاقتها بالإرهاب". أخطر من ذلك، الأمر لا يتعلق فقط بالجبهة، بل إن القارئ سيقول أن المخيمات كلها فضاء للجريمة المنظمة، وللتعامل مع المخدرات والإرهاب؟ وهذا لعمري قول لا أساس له من الصحة، وما كان يجدر بك أن تقره وأنت لم تقم في المخيمات لأكثر من 24 ساعة أو ربما أكثر قليلا. الخطير في هذا الموضوع هو بناء مثل هذا الاستنتاج عبر وسم المقاتلين الصحراويين الشرفاء بهذا الوصف وهم مجرد مواطنين صحراويين تطوعوا في فترات مختلفة للوقوف في وجه آلة الدمار العسكرية المغربية التي أتت على الأخضر واليابس في بلادهم. إنك يا أخي وسمت شعبا بأكمله بصفة يستحقها عدد صغير من المهربين الذين هم أكثر عداء للشعب الصحراوي من النظام المغربي، لأنهم أبناء هذا الشعب لكنهم خانوا حاضره ومستقبله وفيهم من يعمل خدمة لنظام الاحتلال وبارونات إجرامه ومخابراته. ويكفيك أن تفكر في من يحرك مصطفى سلمى، أو المحجوب السالك، أو حتى بارونات العمالة الصحراويين بالمناطق المحتلة وبالمغرب. هل تعتقد حقا أن مثل أولئك تحركهم قناعات سياسية؟ ثم إن مجرد الإشارة إلى هذا الموضوع بهذا التعميم العائم، يجعلني أشبه ذلك بمن يصف الشعب المغربي بأنه مجموعات من تجار المخدرات، لأن بارونات المخدرات في شمال إفريقيا وأوروبا يستوردون بضاعتهم من المغرب كما تعلم جيدا، فالمغرب (وهذه معلومات موثقة وليست اتهامات في الهواء) يجني حوالي 15 مليار دولار سنويا من عائدات هذه التجارة الخبيثة، وحين أقول المغرب تعلم جيدا أنني أقصد بارونات الحشيش من مجرمين، ومن أعوانهم في السلطة، بل وهناك من يشير لتورط القصر وحاشيته. بخلاصة، أعتقد شخصيا أنك لم توفق في إشارتك لهذه الفكرة، وكان بإمكانك أن تكون أكثر احترافية لو أشرت إلى التصريحات التي قالها خطري آدوه للإعلاميين بهذا الخصوص، أو تصريحات محمد لمين البوهالي، الذين لم يتوانيا عن إطلاع الصحفيين على حقيقة اعتقال السلطات الصحراوية لمجرمين "يشتبه" في تورطهم في جريمة اختطاف المتعاونين الثلاثة، أما القول: "وبكل أشكال المقايضة بما فيها حتى تلك التي تخص مقايضة الرهائن والمختطفين كما حدث مؤخرا مع الأجانب الثلاثة المختطفين من داخل مخيمات الجبهة"، فأي قارئ سيفهم أن هناك عصابات في المخيم عملها هو اختطاف الرهائن ومقايضتهم؟ وكأننا في مخيم في الصومال. وهذا أخي العزيز مجانب للحقيقة، ولم أرد استعمال كلمة "كذب". ولا أنكر أن هناك في الربورتاج إشارات إيجابية كثيرة، وأنك بذلت مجهودا لنقل الكثير من الوقائع بحياد، رغم أنني اتفق معك أن الحياد كذبة نريد تصديقها، لأنك في النهاية نقلت الحقيقة كما أردت أن تفهمها. فأنت لم تفهم مثلا أن مجرد تنظيم المؤتمر ال13 للجبهة على التراب المحرر لمنطقة تفاريتي هو تكذيب عملي وغير قابل للنقض لدعاية النظام المغربي التي تروج لكذبة سيطرة المغرب على كل تراب الصحراء الغربية. وقد تكون جاهلا لحقيقة تحايل سلطات المغرب على الحقيقة وهي التي تمول جماعات قروية وهمية، بمجالس تستنزف الملايين مدعية أنها جماعة تفاريتي، وغيرها من الجماعات التي لا توجد إلا في الورق في حين هي مناطق يسيطر عليها الجيش الصحراوي. ولم ترد أن تفهم أن الشعب الصحراوي لا يخشى من الحقيقة، وأن السلطات الصحراوية تفتح المخيمات على مصراعيها للصحافة الدولية والباحثين والطلبة، وهو ما لم يتسنى لك أن تعرف أننا نستقبلهم بالآلاف سنويا، ويعملون على مشاريعهم دون قيود، وهو ما تم ضربه من طرف أعداء هذا الشعب بتلك العملية البغيضة شيئا ما. على الأقل، اللاجئون الآن مضطرون للحرص أكثر، وللحذر أكثر في حين كانوا يعيشون الأمان التام. ولم ترد أن تفهم، أن الصحراويين اختاروا العيش في ظروف اللجوء القاسية، بفقرهم، ومعاناتهم ولكن بكرامة لأنهم مقتنعون أنهم ليسوا مغربيين، ولا يمكن أن يقبلوا أن يكونوا كذلك. ليس لاحتقارهم للشعب المغربي، ولكن فقط لأنهم ليسوا مغربيين كما أنهم ليسوا موريتانيين، ولا جزائريين ولا إسبان. فلماذا الإصرار على التعامي عن هذه الحقيقة وأنت أدرى الناس بهذه الحقيقة لقربك من أبناء هذا الشعب، البدوي، الصغير، الضعيف، المتخلف إن أردت ويمكن البحث عما تريد من الأوصاف، ولكنه قطعا شعب يحمل كل مواصفات الشعب، وله حق شرعي، ونفسي، وتاريخي، وأخلاقي، ولغوي، في أن تحترم له خصوصيته كشعب قائم بذاته وذي سيادة على ترابه. ولم ترد أن تفهم، أن جبهة البوليساريو لا تمتلك عصا موسى، ولا سطوة سليمان، لتتمكن طيلة ال 36 سنة الماضية من الإبقاء على اللاجئين وأبناء الشعب الصحراوي في المناطق المحتلة متمسكين بالمشروع السياسي الذي تمثله لولا أن هذا الشعب مقتنع بهذا المشروع. أما إن كان لديك شك في ذلك، فكان حري بك على الأقل أن تعترف إذا بعبقرية هذا التنظيم، لنجاحه في الاستمرار رغم كل الهزات التي عرفتها المنطقة، أليس كذلك. ولم ترد أن تفهم أن مجرد وجود رجال، كهول وشباب مصرين على مواصلة ارتداء الزي العسكري، والبقاء في نواحيهم العسكرية رغم قلة المقابل المادي إن لم أقل انعدامه هو دليل على أن القناعات هي ما يحركهم، ليستحقوا أن يسموا مقاتلين، وليس عسكر أو جنود، فنحن لا نسميهم جنودا قط، وفيهم الشعراء، والكتاب، والمثقفون، كما فيهم البسطاء من الآباء والشباب. وماذا عساي أقول لك أخي علي، غير أن أشجعك على مواصلة مراقبة ضميرك الصحفي والإنساني، وأقول لك في النهاية أنني لا أحاسبك على شيء، ولا أحاكم آراءك، ولم أكن لأكتب لك أصلا لو لم أكن قد توسمت فيك خيرا. كما لا أريدك أن تعتقد أن رسالتي هذه محاولة من أي نوع للتأثير عليك، بتاتا، هي رسالة أردت فيها أن أستجيب لملاحظتك في رسالتك السابقة بأنني لم أناقشك، وأقول أنني لا زلت لم أناقشك، ولم أثر كل ما أستطيع إثارته، بل أشرت وفي الإشارة للبيب كفاية، بأن التاريخ يسجل للرجال مواقفها، كما يسجل علينا جميعا وقفاتنا وليس حيادنا. تحياتي الصادقة