يوم الإثنين 19 دجنبر 2011 أجريت أول إنتخابات داخلية بالبرلمان المغربي لاختيار رئيسه، في ظل الدستور الجديد، وأفرزت نجاح السيد كريم غلاب الوزير السابق في ما أصبح يسمى بحكومة تصريف الأعمال، هذا النجاح لم يلق خصوم الرجل السياسيين و خصوم حزبه و خصوم الأغلبية البرلمانية الحالية ، لذلك سمعنا بأن المعارضة في البرلمان ستطعن بعدم دستورية ترشح السيد كريم غلاب لمنصب رئيس البرلمان لأنه يوجد في حالة تنافي... فهل يوجد رئيس البرلمان في حالة تنافي ؟ أكيد أن مبدأ فصل السلطة يقتضي عدم الجمع بين العضوية في الحكومة و العضوية في البرلمان ، لكن المبادئ القانونية لا ترد على إطلاقها بل في أحيان كثيرة تصطدم إما مع مبدأ قانوني مخالف يشكل الاستثناء للقاعدة أو تصطدم بالواقع و الفراغ القانوني فتفتح باب المناقشة و الاجتهاد، الذي من خلالهما سنحاول الإدلاء بالرأي الآتي: معلوم أن اللجوء إلى القضاء لا يتم إلا عن طريق الدعوى، التي لا تقبل إلا أذا تحققت شروطها، وهي الصفة والأهلية والمصلحة، فإن كانت المعارضة المغربية كاملة الأهلية، وصفتها ثابته في الطعن، فيبقى السؤال عن مصلحتها فيه؟ إن الأغلبية البرلمانية إختارت رئيسها ب226 صوت في مقابل 88 صوت، وإن هذا الإختيار هو اختيار سياسي توافقي، مرتبط بإختيارات أخرى، سيكشف عنها المستقبل القريب ، و هذه الأغلبية العددية لن تتغير و إن صرحت المحكمة الدستورية بعدم صحة الانتخابات ، لأن التصويت في هذه الحالة ليس اختيار القناعة كما يحصل في الإنتخابات التشريعية العادية، بل هو مصلحة سياسية أو بالأحرى ظروف سياسية ، ويترتب عن ذلك أن من شأن إلغاء الإنتخابات إعادة انتخاب نفس الشخص على نفس المؤسسة طالما أن حقه لايسقط في الترشح، كما أن التصويت الذي ثم لفائدة السيد غلاب لم يمنع فرصة الترشح أو النجاح عن أي شخص آخر، من شأن الطعن أمام المحكمة الدستورية أن يفتحها أمامه من جديد، و بالتالي لا تكون هناك مصلحة قائمة لهذا الطعن و لأعادة الإنتخابات. أما من حيث موضوع الطعن فينبغي تسجيل الآتي: إن حالة التنافي في القانون هي مسألة واقع ، تقتضي الممارسة الفعلية لوظيفتين أو مهنتين أو نشاطين، يتنافيان بقوة القانون أو بحكم الواقع،ويعني ذلك أن يمارس السيد رئيس البرلمان مهامه كوزير ومهامه كرئيس لهذا البرلمان في نفس الوقت،وهذه الحالة لم تتحقق لأن السيد غلاب بمجرد إنتخابه قدم استقالته لرئيس الحكومة الذي عرضها بدوره على الملك وقبلها، وبالتالي فهو لم يصل إلى حالة التنافي، لأنه لم يزاول المهام الوظيفية في آن واحد في آية من المسؤوليتين ، وبالتالي فالتنافي يتحقق في حالة الممارسة الفعلية لمهنتين يتنافيين،ولايتحقق بالترشح لمزاولة مهنة أو وظيفة تتنافى مع المهمة أو المهنة الأصلية للشخص، فالترشح لمزاولة مهنة معينة لايعني مزاولة تلك المهنة أو التمثيلية، فالمهمة والحالة هذه تكون معلقة على شرط واقف، إن تحقق الشرط، الذي هو في حالتنا إسناد المنصب للسيد غلاب عن طريق التصويت ، ففي هذه الحالة يتعين عليه تقديم استقالته من منصبه الأول من تلقاء نفسه ، قبل البدء في مزاولة مهامه الجديدة التي انتخب من أجلها، خاصة أنه هو الذي اختار ذلك ، و هذا الاتجاه هو الذي يتبناه المشرع المغربي ، حينما يعطي للشخص الواقع في حالة التنافي مهلة 15 يوما من يوم تصريح المحكمة الدستورية ، بوجوده في حالة تنافي، لتسوية وضعيته ، إن لم يكن هو قد استدرك الأمر قبل عرض الطعن أمامها من قبل مكتب البرلمان أو السيد وزير العدل ( يراجع الفصل 18 من القانون المنظم لمجلس النواب) ، و غني عن البيان أن حالة التنافي هي حالة تنسحب على الشخص وليس على الوظيفة أو المهنة التي يمارسها، فالشخص الذي يوجد في حالة تنافي هو الذي يتعين عليه تحمل تبعات ما أقدم عليه من فعل، ما يبرر الجزاء الذي فرده المشرع للشخص الواقع في حالة التنافي ولم يبادر إلى تسوية وضعيته عن طريق الإلحاق أو أي إجراء آخر نظامي، حيث أعطى المشرع للحكمة الدستورية حق إقالته من عضويته ، ويذهب بنا هذا التفسير إلى أن حالة التنافي ليست و اقعة جامدة أو صلبة أو شيئ لايمكن تداركه ، فهي واقعة مرنة يجب أن لا تستمر في الزمن ، وينبغي استدراكها في قريبه . و الحديث عن و جود حالات التنافي في القانون المغربي مرتبط بأجلين قانونيين حددهما المشرع من في30 يوم بالنسبة للحالة التي يصرح فيها المعني بالأمر بوجوده في حالة التنافي و هنا يمنح له هذا الآجال لتسوية وضعيته تحت طائلة إقالته من عضوية البرلمان ، و في الحالة التي ينازع فيها المعني بالأمر في و اقعة و جوده في حالة التنافي ، يعرض الأمر على المحكمة الدستورية كما بينا أعلاه و بعد قرارها بوجوده في حالة تنافي عليه تصويب وضعيته داخل آجال 15 يوما من يوم تبليغه بقرار المحكمة ، و يتضح من هذه المناقشة أن حالة التنافي لا يمكن الحديث عن وجودها إلا بانتهاء هاذين الأجلين معا.