منذ 9 سبتمبر من العام الجاري، يقبع في سجن عكاشة بالدارالبيضاء فنان الراب الشاب معاد بلغوات الملقب ب "الحاقد". الفنان الذي لم يصدر في حقه حتى الآن أي حكم يدينه، يواجه الحكم بالسجن الذي قضى به حتى الآن 104 أيام بالتمام والكمال... وذلك في حالة إدانته بتهمة مفبركة وهي الاعتداء على بلطجي مسخر من قبل السلطة. ليجد الفنان الشاب نفسه "مورط" في "قضية جنائية"، تافهة تشهد شوارع وأزقة الدارالبيضاء العشرات منها يوميا وأغلبها ينتهي بحفظها لتفاهتها دون أن يحرر محضر بها أو يجر أصحابها إلى السجون. يحدث هذا حتى في حالات ثبوت الأدلة والشهود والحجج، وهو ما لم يتوفر في حالة ملف الحاقد الذي قالت لجنة مساندته في ندوة صحفية عقدتها بالرباط يوم الأربعاء 21 ديسمبر، بأن الملف فارغ، وبأن المحاكمة افتقدت إلى أبسط شروط المحاكمة العادلة التي لم يتم احترامها في محاكمة ما زالت لم تنته أطوارها السريالية. لكن ما لا تثيره هيئة الحكم في هذه القضية المفبركة، هي "التهم الحقيقية"، التي بسببها تم رمي شاب في مقتبل العمر (23 سنة)، وراء القضبان. فالحاقد لم يخرج مسدسه في عز النهار وفي الشارع العام وأمام الملأ ليفرغ رصاصاته بهدوء وبدم بارد في جوف شرطي مرور كما فعل قبل سنتين أحد أصهار الملك، فقط لأن الشرطي تجرأ على الإشارة إلى "سعادته" بالتوقف لأنه لم يحترم إشارة المرور، وتم طي الملف حتى قبل أن يفتح، وما زال كذلك حتى يوم الناس هذا ! سلاح الحاقد المدمر الذي تم ضبطه في حوزته هو كلمات أغانيه، التي تصعب مصادرتها لأنها أصبحت ملكا لآلاف الحناجر التي تخرج كل أسبوع ترددها في مسيرات الغضب في شوارع وأزقة المدن والقرى المغربية المنسية، وتتغنى بها لبعث الدفء في أجسادها النحيفة في الليالي القارسة داخل أزقة أحيائها البائسة... فتهمة الحاقد الحقيقية هي كلمات أغانيه الثورية التي يمتحها من قاموس حيه الشعبي بالدارالبيضاء، وتعابيره التي تسمي الأشياء بمسمياتها بدون محسنات لفضية أو إستعارات بلاغية... انصتوا إلى هذا الفنان الثائر وهو يصدح: المغاربة عيقو قاري ولا خدام كلا يشق طريقو الحاقد كعما رادي و ليوما بالع ريقو ... ممصروطاش ليا نشوف و نبقا طام زام خاصنا نحيدو الخوف كلشي مرديش بنظام حتالين غادي نبقاو ساكتين دايرينو لينا تعطيونا غير الشياطة و نتوما خودو نكعة كونو تمركو يا سراطا ... المغاربا متبقاوش تمشيو تصوتو أيا برلماني غادي إدير بحال خوتو نطلعو الرباط وبأعلى صوت نغوتو عطيونا حقنا بغينا حقنا قبل منفوتو بفلوسنا بغيتو ديرو معانا المزيان هييْ هييْ 2010 وباقين ساكنين في كاريان ... لكن المفارقة هي أنه كلما قلبنا صفحات الجرائد السيارة وأغلفة المجلات الصقيلة، وبدون الحديث عن التلفزة الرسمية، نكاد لا نجد أي خبر عن محنة هذا الفنان الشاب، أو أية صورة له وهو يرفع شارة التحدي والنصر ويضع قبعته على طريقة الشباب الرافض لكل أشكال الخوف والخنوع... ما سنجده على صفحات هذه الصحف والمجلات هي صور مقززة لفنانات مستفزات، فنانات أعوزهن فقر الخيال والإبداع فأصبحن يفتشن عما يجلب إليهن الشهرة بين سيقانهن عندما يكشفن عما تحت تنوراتهن على خشبات المسارح من أجل شهرة مستفزة وزائفة... وبدلا من أن نسمع أصوات مثقفين وفنانين ترتفع من اجل المطالبة بحرية الحاقد، أصبحنا نسمع أصواتا تشبه نقيق الضفادع تدافع عن فنانة مستفزة مثل أحرار فقط لأنها "تجرأت" وكشفت لنا عن سيقانها العارية عري المسمار... أين اختفت أصوات المثقفين اللذين كانوا يحتجون ويعتصمون بمعرض الكتاب من اجل منحهم ألف درهم من أموال الشعب؟ أين ذهبت معارك الكتاب الوهمية من أجل مناصب وهمية في اتحادات وأندية وبيوت... وهمية تحولت إلى وكالات للأسفار العابرة للقارات؟ أين هي ائتلافات "الفنانين" ونقابات "المبدعين"، اللذين يتظاهرون أمام وزارة الثقافة للحفاظ على حقهم في أن يظلوا موظفين أشباح يتقاضون أجورهم الشهرية "السمينة" من خزينة الدولة، ويقضون سنين عمرهم في اللهث وراء عقود شركات الإعلانات، أو في تأثيث البرامج التافهة التي لا تساعد سوى على التسطيح والتحذير... وكل ذلك من أجل كسب المزيد من المال الذي أصبح الكثيرون يصمتون ويصمون آذانهم من أجله حتى لا يقولوا أو يسمعوا كلمة حق؟ ! لكن وسط كل هذا الصمت المتآمر والمطبق، ومن بين كل هذه الأصوات التي خنقها البحث عن المصالح والامتيازات والعقد... حتى فاحت رائحتها الكريهة... وسط نقيق الضفادع هذا ما زالت هناك أصوات شجاعة تدافع عن الحاقد، مثل صوت فنان الشعب الملتزم أحمد السنوسي الذي يلقبه أصدقائه ورفاقه ب "بزيز"... إنه آخر الفنانين الملتزمين الذي ظل ومازال ينزل إلى الشارع وسط الجماهير للتظاهر وسط الشباب، والاعتصام أمام مخافر الشرطة وداخل ردهات المحاكم من اجل المطالبة بحرية الحاقد... ربما لأن "بزيز" بحسه الفني المرهف الذي ظل يجسد نبض الشعب لمدة أربعة عقود يعرف أن في صوت الحاقد استمرار للصوت الثائر الذي ظل هو نفسه يردده مثل "مجدوب" الحرية التي نراها بعيدة ويرونها هم قريبة... قريبة... قريبة...