"العبور إلى الحرية" مجموعة القاص الشاب عبد الكريم النهاري ترهص بحصاد قصصي وفير لا سيما أن هذه المجموعة القصصية تضمنت ثمان وعشرين قصة قصيرة إحداها العبور إلى الحرية التي استأثرت بعنوان هذه المجموعة القصصية. وحسناً فعل القاص حين اختار هذا العنوان "العبور إلى الحرية" في عهد يطمح إلى الحرية ويبشر بها ويصبوا إليها وعلى كل صعيد وان كان مضمون هذه القصة يرمز إلى حرية المرأة في ظل الزواج السعيد المبارك من المجتمع. وليست هذه القصة أفضل قصص المجموعة بيد أن عنوانها اللافت يستأهل أن يكون عنواناً للمجموعة البكر للقاص. ولا أود هنا أن اشرح القصص أو أزود القارئ بخلاصات عنها لأن من شان هذا يفسد متعة القارئ بها إلا أنني لمستُ تنوعها من حيث المضامين والموضوعات التي انطوت عليها القصص وتضمنتها حيث عرض القاص من خلالها أكثر من هاجس يخص المجتمع اليمني الناهض وهمومه وطموحاته فضلا عن أن القاص ينوع في مرجعيات شخصياته من حيث انتماؤها إلى التاريخ البعيد أو القريب أو الراهن فضلا عن قصصه على لسان الحيوان حيث يكون الحيوان بطلا لبعض قصصه سعيا صوب الترميز الفني وتفادي المباشرة والتقريرية والتكرار مما يعكس طموحاً مشروعاً من القاص وباتجاه تحقيق الذات والتعبير عن الموهبة الحقيقية والتطلع إلى المستقبل بثقة وريادة أجواء قصصية جديدة. وما ادعوا إليه القاص هنا عبر هذا التقديم هو أن يضبط أداته الفنية واعني بها اللغة إذ يحتاج القاص إلى أن يستكملها وربما يكون للممارسة دور في صقل موهبته وإتقان لغته وان كان القاص على وجه العموم يميل إلى السرد التصويري إذ يرسم صورا حية عبر سرد قصصه الشيق ومن ذلك استهلالة قصته (انقلاب) التي يرد فيها (بزغ الفجر بعد ليلة هادئة قضتها خلية النحل, يوم ربيعي استأنفته أصوات العصافير بعد توقف ضفادع عن نقيقها المتواصل منذ الساعات الأولى من الليل , الخضرة تفترش الحقول وتغلف الجبال , أزهار زاهية تتوج خضرة وتبعث روائحاً تتراقص لشذاها فراشات خلعت عليها الطبيعة زهوها....) ص 40. وإذا كان هذا النص المقتبس وصفيا فان القاص عبد الكريم النهاري يدرك أن الحدث حين يتصاعد فانه يحتاج إلى جملة سردية متوترة تنمو مع نمو الحدث. لمست هذا من خلال أكثر من قصة ومن ذلك على سبيل الاستدلال قصة "عنوسة" التي يرد في سردها (ابتلعت لعابها, كست الحمرة وجنيتها, تصببت عرقا, سقطت عيناها إلى الأرض, تنفست بعمق, أطلقت عيناها الدمع, حبست نحيبها في جوفها, رفعت يدها اليسرى وغطت بها نهديها, اجترت أنفاساً عميقة, جذبت يدها اليمني وسدت على فمها بعد أن بانت خفاياه, كان وقع أقدام الضيوف يتجه إلى الخارج بعد رفض طلبهم الذي قدموا من أجله) ص13. بحيث يتصاعد السرد من خلال الجمل السردية القصيرة المتوترة مع تصاعد أحاسيس بطلة القصة وتوترها وحسبما أظهرها سياق القصة. والمهم من خلال كل ما ورد في هذا التقديم أن يثابر القاص عبد الكريم النهاري وأن لا يتوقف عند هذه المحطة المهمة وهي محطة البدء بيد أنها تبشر بخير قصصي وفير إذا ما تجاوز النهاري هذه القصص في نتاج قادم عبورا إلى الحرفية والمهارة بعد أن عبر إلى الحرية في هذه المجموعة القصصية.