“الرسائل المغربية”، عنوان كتاب أشرف عليه الإعلاميان اللبنانيان سامي كليب وفيصل جلول، تم توقيعه ومناقشة مضمونه في ندوة أقيمت يوم أمس الأحد ، بمعرض الكتاب الدولي بالدارالبيضاء. الكتاب الصادر حديثا عن “دار الفرابي” اللبنانية العريقة يجمع بين دفتيه شهادات وقصصا ل 20 كاتبا عربيا على رأسهم الشاعر والمفكر السوري “أدونيس” والمؤخر اللبناني أمين الريحاني.
الدافع وراء الكتاب كان بالنسبة لفيصل جلول وسامي كليب، هو إعادة إحياء الجسور بين المغرب والمشرق، وخاصة أن هذا الأخير غارق في حرائق لا تنتهي، وتعريف المواطن العربي و المشرقي منه بالخصوص بحضارة وتاريخ المغرب التي يجهل عنها الشيء الكثير. الكتاب يروي أحوال المغرب، شؤونه ووقائعه وطيفا من تاريخه، بحيث أن كل كاتب يسرد ما عرف وما حمل من انطباعات خلال زياراته المغربية، و مشرفا الكتاب يؤكدان أن الكتاب لا يدعي اختراع معطيات جديدة، و لا كتابة تاريخ جديد عن المغرب، بل هو نصوص خاصة من حياة وتجارب حولها عشرون كاتبا عربيا لرسائل معرفة وحب وتقدير لمدن المغرب وأهله. من باريس إلى حاضرة الصحراء العيون لم تكن رحلة الصحافي والأكاديمي اللبناني فيصل جلول للعيون عاصمة الأقاليم الجنوبية المغربية عادية، فقد زارها سنة 1985 في عز الحرب التي كانت تشهدها المنطقة، وذلك عندما كان صحفيا في مجلة “اليوم السابع” التي كانت تصدر من باريس. الرحلة كلها بدأت عندما تلقى جلول اتصالا للمشاركة في أحد الندوات الصحيفة التي كان الملك الحسن الثاني متعودا على تنظيمها، ومن قصر الصخيرات الذي حضر فيه الصحافي اللبناني اللقاء الصحفي مع الملك، إلى الصحراء التي جال فيها جلول من العيون إلى السمارة، والمحبس، وأمغالا ، إضافة إلى الجدار الرملي الذي عاينه رفقة الكثير من المواقع العسكرية للجيش المغربي الذي كان في أوج حربه مع جبهة البوليساريو. فيصل جلول يروي في زيارته لجنوب المغرب وصفا دقيقا للقبائل الصحراوية، تاريخها، ماضيها، كما أنه يسرد قصة اندلاع نزاع الصحراء بدءا من التحرر من الاستعمار الاسباني إلى “المسيرة الخضراء” ثم نشوب الحرب. وهنا لا يخفي جلول امتعاضه من أي محاولة لتفتيت المغرب والعالم العربي بشكل عام، فيقول ” يجب علينا الآن و أكثر من أي وقت مضى التمسك بالوحدة الترابية، والحؤول دون تفتيت المفتت، وبالتالي المواءمة بين الخصوصية والوحدة، بحيث يحق للصحراويين الإفادة التامة من كل حقوقهم، كما يحق ذلك لغيرهم من المغاربة في كل المغرب، على أن لا يضمر هذا الحق نيات كيانية وتفتيتية، وهذا يصح على المغرب وعلى جميع الدول العربية”. طنجة ..شفاء من جارة البحرين لا يتمناه المرء من العيون في جنوب المغرب، إلى أهم نقطة في شماله، طنجة التي كتبت عنها الكاتبة والمترجمة اللبنانية نايلة ناصر، وتتبعت فيها خطى الروائيين والفنانين الغربيين الذين سكنوا في المدينة وسكنتهم، من الرسامين الفرنسيين ” هنري ماتيس” و “شارل كاموان” إلى الروائيين الأمريكيين “جاك كيرواك” و”بول بولز”. تتبع خطى طريق “عشاق طنجة” ومعجبيها في عصرها الذهبي، قاد ناصر إلى التعمق أكثر فأكثر في أسواق المدينة” من سوق “الداخل” ، إلى سوق “فندق الشجرة”، ثم أبوابها وساحاتها وأشهرها ساحة “سور المعكازين”، نهاية بمقاهيها وأهمها مقهى “الحافة”، التي راحت فيها الكاتبة اللبنانية تبحث عن طيف الأديب المغربي محمد شكري، الذي لا يمكن ذكر اسمه دون ربطه بمدينة طنجة التي خلدها في روايته الشهيرة ” الخبز الخافي”. سورية من “بادية الشام” هائمة في حب أصيلة أما الشاعرة السورية نوال الحوار فقد اختارت مدينة أصيلة لتكتب عنها، فصدى المدينة وصلها من أقصى المغرب إلى بادية الشام حيث مسقط رأسها “بالقامشلي” عن طريق الروائي السوداني الطيب الصالح الذي كتب نصوصا عديدة عن المدينة في مجلة “المجلة”. أصيلة التي فتنت الطيب الصالح، أوقعت في شراك حبها أيضا نوال الحوار، التي كانت تحل ضيفة على مهرجانها الثقافي السنوي، والتي أكدت في نصها عن أصيلة أن “من يشرب من مائها لا بد أن يعود إليها، ومن يمش في شوارعها لا بد ستسكن أحلامه إلى الأبد، فهي تسلب لب عشاقها فيشمون في أزقتها وكأنهم أطياف متخففون من كل شيء إلا الجمال والنقاء وصفاء الروح الهائمة بين زرقة المحيط وبياض المكان”. القنيطرة ..في مدح مجتمع “المساكين” فاضل الربيعي المفكر العراقي الذي اختار الاستقرار بالمغرب، فضل مدينة القنيطرة التي يعيش فيها حاليا، حتى يكتب نصا خاصا عنها وعن سكانها وخاصة مجتمع المساكين الذي ربط معه شبكة كبيرة من العلاقات. فخلال أيام قليلة نسج صاحب كتاب ” القدس ليست أورشليم” صداقات حميمية مع الحلاق والجزار وحارس العمارة التي يقطنها، ونادل المقهى بجوراه، فالأمر ليس بالصعوبة على مؤرخ أعاد تحقيق التاريخ العبارني ونسف الكثير من الأكاذيب التي روجت لها الدعاية الصهيونية. فاضل الربيعي كان “غرامشيا” إلى أقصى حد في سرده لوقائع حياته في القنيطرة ، فمن المطاعم البسيطة إلى المقاهي والأسواق الشعبية استطاع الربيعي اكتشاف المدينة وتأمل العالم العميق الذي تختزنه. فاس.. جزائرية تبحث عن طيف “عبد الرحمان المجذوب” الشاعرة الجزائرية لويزة ناظور تروي في الكتاب قصتها مع مدينة فاس التي قادها إليها الشاعر والزجال “عبد الرحمان المجذوب” الذي خلف كنزا كبيرا من تراث الأدب الشفوي في شمال إفريقيا. “المجذوب” الذي وصف فاس “بالقول ” الطبخ والرمخ في فاس- والعلم والدين فيها” كان دليل الشاعرة الجزائرية بالمدينة، ففيها راحت تبحث عن طيفه في أبوابها وأزقتها وجوامعها، وفي مطبخا أيضا. ولأن محمود درويش يقول “إن للمدن رائحة” فإن رائحة مدينة فاس حسب لويزة ناظور تختزن عبق التاريخ الأصيل الذي يتداخل فيه الأمازيغي مع العربي والأندلسي. الدا البيضاء ليست فيلما سينمائيا أما مدينة الدارالبيضاء التي كتب عنها الإعلامي اللبناني سامي كليب، فهي ليست بحسبه فيلما سينمائيا في إشارة منه إلى فيلم “كازابلانكا” الشهير الذي صدر خلال الحرب العالمية الثانية في سنة 1942، وأخرجه الأمريكي “مايكل كورتيز”، والذي تمحور حول قصة رومانسية وقعت في أحد مقاهي المدينة علما أنه لم يصور فيها لكنه أكسبها شهرة عالمية. الدارالبيضاء بالنسبة لسامي كليب سيدة تختصر نساء كثيرات ففيها تجد الفقر والغنى متجاورين مع بعض، المحلات الباذخة والماركات التجارية العالمية إلى جانب الأسواق والأحياء والدروب الشعبية وأشهرها “درب غلف”. وفيها أيضا يجد الإنسان مغاربة يحبون العرب ومتعلقين بقضاياه وبخاصة القضية الفلسطينية، وتجد فيها أيضا من يميل أكثر إلى الثقافة الغربية ويفضل الحديث باللغة الفرنسية، ولا عجب في ذلك لأن العاصمة الاقتصادية للمغرب حسب كليب تجمع كل المتناقضات.