قبل ثمان وأربعين ساعة من إجراء انتخابات مجلس النواب في المغرب، بدت الأجواء في مدينة الدارالبيضاء وبحي سيدي مومن الشعبي هادئة خالية من الحماس الذي غالبا ما يسبق عاصفة المنافسات السياسية. في شوارع الدارالبيضاء، الحركة عادية والأجواء هادئة، ولا شيء ينبئ بقرب موعد إجراء انتخابات أرادتها السلطات أن تكون إجابة مسبقة على تحركات الشباب المغربي في سياق ما يسميه الجميع "الربيع العربي". وفي سوق حي سيدي مومن الشعبي الفقير، الذي يبعد نحو 15 كلم عن الدارالبيضاء والذي زرناه صباح اليوم الأربعاء، فإن مظاهر اللامبالاة بانتخابات مجلس النواب ومعالم التذمر من ظروف العيش القاسية واضحة وضوح الشمس. وذلك بالرغم من مبادرة السلطات المغربية ب "تزيين" جدران المملكة بملصقات تخاطب من خلالها الشعب المغربي بلغته "الدارجة" وتدعوه إلى التوجه إلى مكاتب الاقتراع يوم الجمعة، بشعارات منها "نحن الذين نختار ونساهم في التغيير الذي تعرفه بلادنا". "هذا خريف وليس ربيع" فبالنسبة إلى سيدي محمد، وهو سائق تاكسي بالدارالبيضاء في 52 من العمر، ما يجري في البلدان العربية ليس "ربيع" بل هو "خريف". وشدد هذا الموظف السابق في شركة كانت من الشركات المميزة المتواجدة بالعاصمة الاقتصادية للملكة المغربية قبل إفلاسها، على أن "التغيير مفروض من الخارج" وأن "الانتخابات لن تغير شيئا" لا في حياته و لا في حياة مواطنيه. و كثيرون مثل سيدي محمد يؤكدون على "عدم جدوى الانتخابات في المغرب". والذين تحدثنا إليهم في أماكن متفرقة كانوا كأنهم يتكلمون بلسان واحد و بلغة صريحة تعكس حجم اليأس الذي يخيم على حياتهم اليومية. عائشة قالت إنها طالما عانت البؤس والحرمان بسبب فشل المسؤولين السياسيين في حل المشاكل اليومية للمواطنين. "الأهم هو الاستقرار والهناء" هذه الأرملة، التي التقينا بها بدكان في سوق سيدي مومن، يقع على عاتقها همّ كسب القوت لابنها وأخته بعد وفاة زوجها جراء مرض أصابه في ليبيا قبل سنوات. فعملت ولا تزال تعمل عاملة نظافة مقابل راتب شهري يقارب ألفي درهم [متوسط الراتب الشهري يبلغ نحو خمسة آلاف درهم]. وتؤكد أنها لم تتلق الدعم من أي جهة، ما أثار حقدها على المسؤولين السياسيين. وترى عائشة، والدمع يكاد يفيض من عينيها، أن من واجبها أن تدلي بصوتها يوم الجمعة، مضيفة أن "الأهم هو الاستقرار والهناء" اللذان ينعم بهما المغرب معربة عن رضاها الكامل عن الملك محمد السادس. من جهته، تحدث الشاب محمد، بسوق سيدي مومن، طويلا عن فساد الطبقة السياسية المغربية وعدم اكتراثها بشؤون المواطن. وتكلم بحرارة واستياء عن وضع سكان قريته "أسيف (نهر) المال" الواقعة نحو 80 كلم جنوبي مراكش. محمد، 21 عاما، يقول إن السياسيين "يغازلوننا بشدة كل ما حل موعد الانتخابات لكنهم يديرون ظهورهم فور انتهائها ليهتموا بمصالحهم ومصالح عائلاتهم وأقاربهم". محمد يتقاضى ألف درهم شهريا، القسط الأكبر منها يرسلها إلى عائلته الفقيرة في "أسيف المال". إدريس وسيدي محمد سيصوتان للإسلاميين وبالقرب من الدكان الذي يعمل فيه محمد، تحدثنا إلى إدريس، وهو بائع خضار وفواكه يقارب عمره الخمسين سنة. وصارحنا إدريس أنه سيصوت لصالح مرشح "حزب العدالة والتمنية" الإسلامي. لأي سبب؟ "لأسباب أخلاقية" يجيب إدريس والأمل يبرق في عينيه السودوين. أسباب أخلاقية تحدث عنها سدسي محمد، سائق التاكسي، قائلا إن "الفساد هو الذي جعلنا متخلفين"، وهو لم يخف كذلك تفضيله الإسلاميين عن غيرهم. أما مطيع، وهو بائع آخر في سوق سيدي مومن تظهر لحيته من بعيد، فأعلن عن قراره بعدم التصويت يوم الجمعة، مبررا ذلك بقوله: "أنا لا أبالي بالانتخابات ولا بالسياسة"، مواصلا: "ما يهمني هو كسب القوت لأولادي". تركنا سيدي مومن والحي يتساءل هل سيحظى بمستقبل أحسن بفضل انتخابات مجلس النواب؟ لكن، مهما كانت النتيجة، ستبقى عائشة تصارع الحياة ومحمد سيمضي سنوات عديدة في الدكان قبل أن يفكر في الرحيل. الرحيل إلى أين؟. --- المصدر: فرانس 24