مزكيدة: لْعَرْبِي اجْرادْ صمت الفراغ ورحلة بلا راحِلَة
زايدجرو/بوابة قصر السوق
كان حديثي سابقا حول شخصية أحساين بوشقيفة: الرجل الذي عنّفه الزمان و طاله ظلم النسيان ،إلا مِن بعض النُُّتَفِ التي تختزنها الذاكرة الفردية والجماعية دون أن يُسجل القارئ موقفا معاديا زمن الحفر بين ثقوب تاريخ أبى الرحيل ،حيث ترك دمنا عليها ندوب موشومة، تلوح بكوثر الأصل على حياة مستمرة ستعرف نهايتها في زمن قد يطول أو يقصر ،إنه زمن التلاقي عبر التناجي وعبر الأرواح التي لم يجد العلم تفسيرا لها ،لأنه انحصر في التفسير المادي للأشياء . الشخصية الثانية التي وددت الوقوف عندها هي شخصية لْعَرْبي جْراد : شخصية صامتة ،منكمشة ،منعزلة ،منغلقة اتخذت بين الدكاكين بالمدخل الثاني لقصر مزكيدة بيتا ومستقرا لها ،لم يسبِق لي أن دققت النظر في مُحياه ،لأنه ذو طبع مخيف في الظاهر ،تؤانسه الخفافيش والجرذان والعقارب ،وكل المخلوقات الليلية التي تأقلم جسمه معها ، يرتدي في الغالب عباءة سُريالية فيها رقع من كل الألوان : الداكنة بأشكالها والمفتوحة بأنواعها ، وزادها الوسخ والبقع السوداء وغبار المارين والدواب التي تحمل أمتعة ألوانا بيْن بيْن ،فبدت العباءة لوحة تشكيلية عالمية لا يستطيع بيكاسو ولا ليونار دودافنتشي أن يأتيا بمثلها .
تراه يداعب نارا باهتتة وأنت تقطع الدكاكين التي شَطَّب غبارها بمكنسة من جريد النخيل على بكرة الصباح ، تشم رائحة دخان قدر وغريب ، تختلس النظر نحو الأعلى فترى قدحا من الطعام تَكَرم به عليه أحد من أهل البلد القريب سكنهم من الممر، قد يكون طعام جود من عسو وَمبارك أو احْدَى حمو، رحمة الله عليهما او أسرة أخرى حَنّ قلبها عليه في غبش ليلة متفردة بقساوتها ، يأكل طعامه بيد تُسافر ذات اليمين وذات اليسار ، يُزاحم اللقمة باللقمة غير عابث بروث الدواب ولا بحركاتها ، تنضم إليه الأشباح ، تحوم حوله في الظلام فلا يتوجس منها غير الخير ، يظهر عليه العطف والإشفاق أو ربما نخال ذلك حين نتوسم فيه الخير اتقاءا لشره كما نعتقد ، يمسح بيديه الأرض في الظلام ثم يمرر ما يعلق بهما على وجهه ، كأنه بَدَّل ماء الوضوء بتراب الأرض ، هل يُصلي ، فإجابتي بالتأكيد رجم بالغيب لأنني كنت آنذاك ضعيف التدين ولا أزور المسجد اعتقاد مني أنه للكبار فقط ، يتقلب من جنب لجنب ، قلق ولا نوم ،سهر ،أفكار خيالات ،الأرض تستره يمارس حلمه في اليقظة ، ينام جالسا مقردا ، يستيقظ باكرا يمتلئ ضيما ،يخرج في اتجاه" لَكْصيرة" مسرعا يتبع طريقاً طويلاً ملتفاً ومتعرجاً ، وممتلئاً بلغة صامتة تفوق في بلاغتها الكلام ، نترك بل نُفرغ له الطريق للمرور، فلا يتأخر ويعود مسرعا ،لا أهْل.. لا أطفال....لا أصدقاء .لا زاد، لزمان أو مكان. يقتات على الصبر.. كيف يقضي حوائجه الكبرى والصغرى و المتوسطة لست أدري ...وحتى لا يزل لساني عن الصواب ، سأسكت عن الكلام غير المباح بإشارات حسية، وإعمال خيال، وإيماءات أعين........فمن هو لْعَرْبِي اجراد ؟ ومن أين أتى؟ وكيف سار، الله أعلم .... وإلى شخصية أخرى إن شاء الله. والسلام عليكم .