الخبير الإعلامي المغربي يحيى اليحياوي اهتدى عشرات المثقفين والمفكرين المغاربة إلى تأسيس مواقع شخصية أو مدونات خاصة بهم تتضمن آراءهم ومقالاتهم الجديدة والقديمة أو بث محاضرات وندوات ساهموا فيها، لكون مجال النشر والتوزيع في المغرب تعتريه مشاكل مستعصية، ولأن الإنترنت أكثر انتشاراً ويسراً من حيث التصفح والولوج. ويرى خبير إعلامي مغربي أن هذه المواقع والمدونات ليست كلها بشكل واحد ولا تحظى جميعها بمظهر جذاب ومضمون جيد، فمنها ما يستحق أن يكون موقعا فكريا وثقافيا لمضمونها الجاد، ومنها ما لا يعرف تحييناً مستمراً ودؤوبا، فصارت أشبه بالجسد الميت مما ينفر القارئ من إنتاجات هؤلاء المثقفين والمفكرين. الجمالية والمضمون ويعتبر الإنترنت بما يقدمه من إمكانية إنشاء مواقع إلكترونية أو مدونات فضاء امتداديا لما هو مكتوب ومُسطر في الكتب والمؤلفات الفكرية والثقافية، حيث بات العديد من المثقفين يلجأون إلى خدمات الإنترنت لنشر كتبهم أو بسط مقالاتهم حتى يتفاعل معها أكبر عدد ممكن من القراء ومبحري الشبكة العنكبوتية. ويرى الخبير الإعلامي الدكتور يحيى اليحياوي أن عملية التقييم الأولى لهذه المواقع تتم وفق مستويين اثنين، الأول يرتبط بشكلها وجماليتها والثاني يتعلق بمضامينها ومحتوياتها؛ فبالنسبة لشكل المدونة أو الموقع، غالبا ما يتم الاحتكام إلى طريقة التصميم واختيار الأبواب والألوان وترتيب المواد واللغة أو اللغات المستعملة، وكذلك دورية التحيين والروابط الداخلية وغيرها. وهي عناصر، يضيف الأخصائي، في جزء منها ذاتية وفي جزئها الآخر موضوعية، إذ لا يعقل مثلا ألا يعمد إلى اختيار البرنامج المعلوماتي المواتي للتصفح، كما لا يعقل ألا يكون للموقع أو المدونة روابط قريبة أو بعيدة وهكذا. وتكون العبرة هنا بجمالية مظهر الموقع أو المدونة وباختيار الألوان والأبواب التي من الوارد أن تثير انتباه المتصفح، وأيضا بسلامة وسلاسة اللغة المستعملة من لدن صاحب الموقع وبانتظام التحيين، وإلا فإن المدونة أو الموقع سيتحول إلى جثة في طريقها للتعفن مع مرور الوقت، حسب تعبير اليحياوي. أما بالنسبة للمستوى الثاني المتعلق بمضمون ومحتوى المدونة أو الموقع، يرى المتحدث بأن العبرة تتم بالاحتكام إلى ما يكتنزه من معلومات ومعارف ومضامين قد تكون ملكيتها لصاحب المدونة أو الموقع، وقد تكون من خلال روابط لها علاقة بصاحب الموقع أو بمجال اهتمامه المباشر. واعتبر اليحياوي أنه لا قيمة لجمالية موقع أو مدونة بدون هذين المستويين، فما بالك بتحيينهما بانتظام إذا لم تكن المضامين غير متجددة، كما أنه لا قيمة للمضامين حتى وإن كانت جديدة ومهمة في صلب تصميم رديء أو بوجود مادة متقادمة وهكذا... وخلص إلى أن الأمثل والأفيد أن يجتمع المستويان معا لتندمج الجمالية بالمضمون ويتحول الموقع أو المدونة بالمحصلة إلى وسيلة يقتنيها المتصفح للاستفادة، ولكن أيضا للسهولة في الإبحار. مواصفات إيجابية وسلبية ويحتضن فضاء الإنترنت عشرات ومئات المدونات والمواقع للمثقفين والأدباء والمفكرين المغاربة بالرغم من أن عدد المدونات أكثر من المواقع المؤسساتية أو الشخصية، غير أن بعضها تتوفر فيها معايير ومواصفات الموقع الثقافي والفكري الذي يحترم أبجديات التواجد على الشبكة، في حين أن بعضها الآخر لا يكترث إطلاقا بتلك المواصفات أو لا يعيرها كبير اهتمام. ويرصد اليحياوي مواصفات مشتركة إيجابية وسلبية تشتمل عليها العديد من مدونات ومواقع المثقفين والمفكرين المغاربة؛ وتتمثل المواصفات الإيجابية في كون التواجد بالشبكة هو مكسب في حد ذاته يشي بوعي هؤلاء بأهمية انتشار الثقافة والفكر على نطاق واسع ودونما حدود أو فواصل. وتعتبر هذه المدونات والمواقع إيجابية أيضا، يردف الخبير، لأن من شأن هذا التواجد أن يشيع ثقافة وفكر مثقفين ومفكرين مغاربة باتوا بفضل الإنترنيت مقروئين بالغرب كما بالشرق.. بالمقابل، تعتري هذه المدونات والمواقع عدة مواصفات سلبية، منها ما سرده الباحث في الإعلام والتواصل كونها مواقع ومدونات قارة لا تتغير إلا قليلا، في حين أنها لا تتغير بالمرة في العديد من الحالات. ويبدو هذا الأمر أقرب للإشهار منه إلى تقاسم المعرفة وتحيين مداها، حيث يبدو كأن هذا أن المثقف أو المفكر يريد فقط أن يبرز أنه موجود وأن له موطئ قدم بالشبكة، على حد تعبير اليحياوي. ومن تلك المواصفات السلبية أيضا أن هذه المدونات والمواقع متقشفة في شكلها ولا تراهن كثيرا على الجمالية والتشويق؛ وتبدو العبرة هنا بالتواجد على الشبكة من أجل التواجد ليس إلا، وهي مسألة غير سليمة بمقاييس التقييم المتداولة. وأخيرا، جل هذه المواقع لا تخضع لعمليات التحيين، بل منها من لم يحين منذ تاريخ إنشائه، إذ تم تناسيه جملة وتفصيلا كأن الأمر عبارة عن غواية محددة بالزمن وانتهت. وهذه أيضا مسألة قاتلة، في رأي اليحياوي، إذ لا قيمة لوجود مدونة أو موقع بالشبكة لا يخضع لتحيين دوري، على الأقل بشكل شهري إذا لم نقل أسبوعيا أو يوميا بزمن السرعة والآنية وكثافة تدفق المعلومات. تقييمات ويدلي اليحياوي برأيه في بعض مواقع المثقفين والمفكرين المغاربة، حيث يرى مثلا أن البروفيسور المهدي المنجرة من الرواد في هذا المجال، ليس فقط لأن صاحبه كان أول من تحصل على اسم نطاق كامل، ولكن أيضا لأنه يقول دائما: الموقع بالإنترنيت كالطفل الصغير يجب رعايته وتتبعه باستمرار. ولهذا السبب كان المنجرة عندما كان في صحة موفورة يقوم دائما على تحيين موقعه بنفسه إما بمادته الشخصية، أو بما توفر لديه من نصوص ومقالات يستقيها من كبريات الصحف العربية والأجنبية، لذلك فموقعه موقع متكامل بكل المقاييس. أما موقع المفكر الراحل محمد عابد الجابري فهو مصمم بجمالية لا بأس بها، لكنه غني من ناحية المضمون وكان صاحبه رحمه الله يزوده بالمادة العلمية بانتظام، سيما بمقالاته الجديدة التي ينشرها بجرائد الشرق العربي. وبحسب الخبير، مكن الجابري متصفحي موقعه من تحميل العديد من كتبه ونصوصه، وأيضا من مواد مجلة "فكر ونقد" التي كان يشرف عليها، وبالتالي فحسب بمقاييس التقييم المعتمدة يمكن تصنيف موقع الجابري ضمن فئة 7 على عشرة. ويعد موقع الفيلسوف والمفكر محمد سبيلا موقعا قارا لا يخضع للتحيين بانتظام، وفيه عناوين ما أصدره الكاتب من مؤلفات ومقالات، لكنها غير قابلة للتنزيل في جزئها أو في معظمها، ثم إن شكل الموقع متقشف للغاية وطريقة تصميمه متواضعة، وبالتالي فهو ضمن صنف ال 5 على عشرة. أما موقع الدكتور سعيد يقطين فمتقشف للغاية ومتواضع المضمون بالقياس إلى ما ينتجه الرجل وما يقوم به من أنشطة وندوات؛ والدليل أنه لطالما سألته يقول اليحياوي عن السر خلف عدم تحيين موقعه منذ بداية الألفية، فكان يجيبني بأنه منشغل، لكنه سيعمد إلى ذلك.