واردات البترول والغذاء قد تفاقم عجز الميزان التجاري انصب اهتمام المراقبين في الأيام الأخيرة، على التوقعات التي تراهن على ارتفاع أسعار البترول والمواد الغذائية في السوق الدولية في السنة الجارية.. توقعات تفضي بأصحاب القرار الاقتصادي والمحللين، إلى استشعار التداعيات التي يمكن أن تكون لتلك الارتفاعات على الاقتصاد المغربي، خاصة أن هذين المكونين ساهما في السنوات الأخيرة في تفاقم عجز الميزان التجاري والضغط على الميزانية العامة بالنظر إلى المخصصات التي ترصد لصندوق المقاصة. لكن ما سيشد الانتباه في السنة الجارية، يتمثل في تأثير الوضعية المرتقبة لأداء المواد الأولية على الأسعار عند الاستهلاك في المغرب بسبب التضخم المستورد. تضخم بعد تراجع التوترات التضخمية في السنتين السابقتين، يرتقب أن يرتفع معدل التضخم، حسب بنك المغرب، ليصل إلى 2.3في المائة في السنة الجارية، مقابل 1 في المائة في السنة الفارطة، و سوف يرتفع مؤشر الاستهلاك في المغرب اعتبارا من الفصل الأول من السنة الجارية، حيث يرتقب أن يصل معدل التضخم إلى 2.3 في المائة، وهو نفس المستوى الذي سيسجل خلال الربع الثاني من السنة، كي يقفز إلى 2.5 في المائة في الربع الثالث من السنة، قبل أن يتراجع إلى 2 في المائة في الفصل الرابع، وهو نفس المعدل الذي سيسجل في الربع الأول من سنة 2010، غير أن بنك المغرب في تقريره حول السياسة النقدية، يشير إلى أن هاته التوقعات أنجزت على أساس الفرضيات الأكثر احتمالا، غير أنه يمكن أن تعرف بعض التغييرات بسبب تأثيرات خارجية، والتي يمكن أن ترفع أو تخفض معدل التضخم، كما تظل تلك التوقعات رهينة بأداء الاقتصاد المغربي خلال السنة الجارية، غير أن المركز المغربي للظرفية، يشير إلى أن تواصل ارتفاع التضخم في العالم سوف تكون له تأثيرات ملحوظة على مؤشر الأسعار عند الإنتاج وبالتبعية على مؤشر الأسعار عند الاستهلاك، بالنظر للضغط الذي يشكله ذلك على الوحدات الصناعية الوطنية، خاصة عبر المخاطر التي ستجابهها على المديين القصير والمتوسط في الولوج للمادة الأولية بفعل الندرة وانفجار الأسعار في السوق الدولية. البترول فيما ذهب المحللون إلى أن أسعار النفط سوف تتراوح بين 90 و 100 دولار في السنة الجارية، صرح عضو في المجلس الأعلى للبترول الكويتي بأن سعر النفط قد يرتفع إلى 110 دولارات، خلال أسابيع بسبب المضاربة، وقد نقل عن «إتش.إس. إتش نورد بنك» في الأسبوع الماضي أن تقلبات أسعار النفط ستتزايد في 2011، لعدم وضوح الرؤية حول وتيرة التعافي الاقتصادي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث أوضح البنك الألماني، أن متوسط سعر النفط الخام الأمريكي سيبلغ 90 دولارا للبرميل في العام الحالي، بزيادة 10 دولارات عن العام الماضي، وأشار «سنتي دايك» محلل قطاع النفط بالبنك، إلى أنه يمكن توقع أن نشهد هذا العام تقلبات أكبر من 2010، حيث لا يستبعد أن تتجاوز الأسعار 100 دولار، و إن كان يتوقع أن تتراجع بعد ذلك، وهو يعتبر أن البلدان الأسيوية خاصة الصين ستكون المحرك الرئيسي للطلب على النفط، غير أنه يشير إلى أن تركيز المستثمرين سينصب كذلك على الولاياتالمتحدة.. تلك توقعات تتحدى السعر المرجعي الذي بنيت عليه توقعات الميزانية العامة للسنة الجارية في المغرب، والذي حددته وزارة الاقتصاد و المالية في 75 في المائة، مما يعني أن فاتورة البترول سوف ترتفع بشكل كبير، حسب أحد المحللين، بما لذلك من تأثير على فاتورة الواردات، علما أن البترول يمثل حوالي 60 في المائة من الفاتورة الطاقية في المغرب، و يبدو أنه في حال تحقق التوقعات التي تراهن على أن ينحصر سعر البترول في السوق الدولية ما بين 90 و 100 دولار، سوف ترتفع الكلفة بما بين 15و25 في المائة قياسا بسنة 2010، بما لذلك من تداعيات على صندوق المقاصة، علما أن وزارة الطاقة والمعادن والبيئة والماء، تتوقع أن يرتفع الاستهلاك الوطني للمواد البترولية في السنة الجارية ب 7 في المائة، بحيث سينتقل من 9.6 ملايين طن في 2010 إلى 10.3 ملايين طن. الغذاء ليست فاتورة البترول الوحيدة التي يتوقع أن تثقل الميزان التجاري المغربي، وقد تفضي إلى ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، فقد تتالت الأخبار غير السارة في الأسبوع الماضي، حول أسعار الغذاء، إلى حد دفع مجموعة العشرين إلى مناقشة خطوات لمعالجة غلاء الأسعار، بينما سعت البلدان المنتجة إلى طمأنة المستهلكين، ويأتي تدافع البلدان في مختلف أنحاء العالم من أجل احتواء أزمة الغذاء وما يمكن أن تفضي إليه من توترات، في ظل تحذير منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة في الأسبوع الماضي، من أن أسعار الحبوب الرئيسية، قد تواصل صعودها، حيث عبر عبد الرضا عباسيان، خبير الاقتصاد لدى المنظمة الأممية، عن قلق المنظمة بشأن غموض اتجاه الأحوال الجوية، وتأثيرها على حجم المعروض العالمي من المحاصيل الرئيسية، في ضوء مستويات الأسعار المرتفعة في الوقت الحالي نتيجة انخفاض إمدادات بعض الحبوب.. تلك وضعية يمكن أن تفضي بالنسبة إلى بلد مثل المغرب، الذي يعتبر عاشر مستورد للحبوب في العالم، إلى ارتفاع فاتورة الغذاء، على اعتبار أن المغرب يلجأ إلى الاستيراد من السوق الخارجي للحبوب أيا كان حجم المحاصيل التي ينتجها في الموسم الفلاحي، بما لذلك من تأثير على واردات المنتوجات الغذائية التي ما فتئت ترتفع في السنوات الأخيرة.. تلك مشتريات يتوقع أن تزيد قيمتها في السنة الجارية، بالنظر لمستوى أسعار الحبوب والنباتات الزيتية والشاي والبن و السكر في السوق الدولية، فالتوقعات تشير إلى أن أسعار السكر سوف تواصل صعودها في المدى القريب بفعل حاجيات تكوين الاحتياطي من السكر وإنتاج الإيتانول وارتفاع سعر عملة البرازيل، وهو البلد الذي يورد للمغرب 100 في المائة من السكر الذي يستورده. الولوج إلى المادة الأولية يشير العديد من المحللين إلى أن ارتفع أسعار المادة الأولية يعزى إلى زيادة الطلب الآتي من البلدان الصاعدة، خاصة الأسيوية منها، التي وصل فيها النمو الاقتصادي في السنة الماضية إلى مستويات مرتفعة، وهذا سوف يخلق نوعا من السباق بين البلدان نحو الحصول على المادة الأولية، وهذا ما يشير إليه محمد التازي، مدير الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة، الذي يؤكد على أنه مع استعداد المهنيين للامتثال للأسعار المرتفعة في السوق العالمية، فهم يجدون صعوبة في الولوج إلى المادة الأولية، وهذا يختبره المهنيون في صناعة الألبسة والمنسوجات، التي تحتل المركز الثاني على مستوى الصادرات المغربية، بعد الفوسفاط ومشتقاته، في سعيهم نحو استيراد القطن، الذي تضاعفت أسعاره في السوق الدولية منذ مارس من 2009، خاصة بعد الفيضانات التي ضربت باكستان والصين والجفاف الذي أصاب البرازيل، وهي البلدان التي تنتج مع الولاياتالمتحدة والهند 80 في المائة من القطن العالمي، بل إن بعض البلدان مثل باكستان والهند تقلص صادراتها من القطن من أجل دعم صناعات النسيج المحلية.. هذه وضعية تجعل من الصعب بالنسبة للمهنيين المغاربة الوصول إلى تلك المادة الأولية في ظل عودة الطلب على النسيج المغربي في الفترة الأخيرة.. ذلك هاجس يمكن أن نصادفه في أنشطة إنتاجية أخرى مثل صناعة الحديد الذي ما فتئت ترتفع أسعاره في السوق الدولية.. غير أن ثمة من يلاحظ أن المغرب يفتقر إلى سياسة للتزود بالمادة الأولية، وهذا ما يشير إليه الباحث المغربي عمر الفطواكي، الذي يشير إلى أن السلطات العمومية تفتقر في المغرب إلى رؤية تخول لها تكوين احتياطي استراتيجي من البترول يتيح لها مواجهة التقلبات التي تعرفها الأسعار في السوق الدولية، ثم إنه ينبه إلى أن التزود بالبترول متروك لشركة «سامير» وهو يعتبر أن هذا التوجه ينطوي على مخاطر كبيرة، حيث يشدد على أن الدول هي التي تتولى في غالب الأحيان التزود بتلك المادة الحساسة، رغم وجود شركات تتولى التكرير فيها.