احتفل سكان مدينة كلميمة، مساء يومي الأربعاء والخميس تاسع وعاشر محرم، بذكرى عاشوراء. والاحتفال هنا ذو طابع متميز، إذ يتم تنظيم كرنفال متعدد الأهداف والغايات، يتجاور فيه الفرح والفرجة والسخرية والاحتجاج والمطالبة. تطلق على هذا الكرنفال عدة تسميات أمازيغية منها "أوداين ن تعشورت" (يهود عاشوراء) و"مغار قشبو" (الفاعل المقنع) وبويكفوس (قناع الرماد)... وهو كرنفال تقليدي، أقامه الأمازيغ اليهود قديما، ويقيمه الآن العديد من السكان، وخصوصا منهم سكان قصر كلميمة. ينظم الكرنفال، راهنا، أمام "قصر كلميمة"، والمؤسف، هو أن هذه الساحة، التي تستقبل المشاركين والضيوف الذين قدموا من مناطق متعددة من داخل الإقليم وخارجه، ضعيفة الإنارة، متربة مليئة بالأوساخ والقاذورات، وهي، حسب أحد المواطنين، دليل على نوع الخدمات التي تقدمها البلدية للمواطنين بهذه الربوع. ينطلق الاحتفال، حوالي الساعة الثامنة والنصف مساء، بعد تناول طعام يهيأ بالمناسبة، وهو عبارة عن كسكس بالخضر وقديد عيد الأضحى و"الكرداس"، وهذا الطعام نفسه يقدم للضيوف والفقراء والمساكين. بعدها، ينطلق حفل الأقنعة، حيث يخرج الشباب والأطفال في موكب كرنفالي، للقيام بجولة في القصر، بدءا بدروبه وأزقته، وانتهاء بساحته الكبرى، حيث يتجمع جمهور عريض من شرائح متعددة، وكل هذا وهم يرقصون ويغنون على إيقاع آلات موسيقية متنوعة، إذ يضرب البعض على الدفوف والطبول، والبعض الآخر ينفخ في المزامير، بينما يكتفي آخرون بالرقص على إيقاع موسيقى أغان وأهازيج محلية حية أو منبعثة من آلات تشغيل الأشرطة والسيديات، ويرتدون ملابس تنكرية غريبة، أو بالية ويضعون أقنعة. ويستغل المشاركون هذا الكرنفال لتقييم حصيلة عمل السنة الماضية، على مختلف الأصعدة، وانتقاد الأوضاع بشكل ساخر، وذلك، من خلال ترديد أغان خاصة، ويستمر المشاركون في نشاطهم، أمام الجماهير الغفيرة من الذكور والإناث، شيبا وشبابا، حتى ساعة متأخرة من الليل. وحسب بعض من التقتهم "الصباح"، فإن الاحتفال بعاشوراء ينطلق عمليا بالمنطقة منذ مطلع السنة الهجرية، إذ يستقبلها الشباب والأطفال ببعض العادات والطقوس اليومية مثل الرش بالماء، حيث يتراش الشباب والشابات بالماء لترسيخ فكرة أن الماء رمز الحياة والخصب، وتعبير صريح عن الحب. وطقس الماء هذا، حسب البعض، عادة أمازيغية ضاربة في القدم. ومن العادات المحلية المرتبطة بالمناسبة، أن الآباء يقدمون لأبنائهم هدية، صباح يوم عاشوراء، وهذه الهدية تسمى "تكلوت" وهي عبارة عن كيس من سعف النخيل ويحوي بيضة وقطعة "كرداس" وشئا من الكسكس، و"تكلوت" هذه، حسب البعض، ذات وظيفة علاجية... أغلب الأقنعة التي وضعها المشاركون، هذه السنة، كانت بلاستيكية من النوع الذي يباع جاهزا، بينما اكتفى الباقون، بصنع أقنعتهم ولحاهم، كما كان يفعل أجدادهم، من جلد الخرفان أو الماعز، أو يكتفون بصباغة وجوههم بمزيج من الأصباغ والزيوت والرماد. وخلال هذا الاحتفال، لا لغة تعلو على الأمازيغية بلكنة يهودية، ويتداخل الاحتفالي بالمطلبي، والشعري بالمسرحي بالنثري، فتتحول ساحة القصر إلى خشبة حقيقية تتوالى عليها كل أشكال الاحتجاج ضد التهميش والإقصاء الذي تعيشه المنطقة. ودون محرمات، يلقي المشاركون المقنعون خطابات احتفالية تقدم خلالها حصيلة المشاكل والظواهر السلبية، وكل ما لا يرام محليا ووطنيا، كما يوجه بعض هؤلاء نقدا لاذعا لمختلف المسؤولين، رافعين مطالب هوياتية، وحاملين أعلاما أمازيغية ولافتات تعبر عن ذلك صراحة، فيما ينتقد آخرون ويهجون الأشخاص والممارسات غير السوية بالبلدة، من أزبال وأوساخ ومشاكل السقي والنفاق الاجتماعي والسلوكات النسائية المتفسخة وغير السوية، في حين، يرفع البعض شعارات تطالب بدسترة الأمازيغية وترسيمها لغة وطنية، كما يعلن البعض أنهم ليسوا عربا وليس مفروضا عليهم أن يكونوا مسلمين. ولأن الليلة مناسبة للارتجال وحرية التعبير، فإن المقنعين يكسرون "الطابوات" (الجنس، والكذب والنفاق الاجتماعي والظلم والعطالة والفساد والنميمة...) ويشرحون الوجه البشع للممارسات الاجتماعية والثقافية، ويضعون الساكنة أمام عيوبها وهناتها، ويقومون اعوجاجاتها بأسلوب هزلي ساخر. وكما يضحك أصحاب الأقنعة فهم يخيفون أيضا، إذ قد يتوجه أحد المقنعين إلى أحد المتفرجين لينتقده، ويفضح عيوبه وممارساته أمام الملأ، لذلك، فقد لاحظنا، كما في السنوات الخالية، أن جل الفاعلين المحليين، مدنيين ورسميين، لم يحضروا هذا الاحتفال، متحاشين بذلك حرج النقد والسخرية. يذكر أن هذا الاحتفال عرف توهجا خلال السنين القليلة الماضية، بعدما كاد ينقرض، إذ أصبح الشباب المناضلون والفاعلون المدنيون يستغلونه لتحسيس الساكنة المحلية بحقوقها السياسية واللغوية والاقتصادية والسوسيو-ثقافية. وكما في السنوات الفارطة، لمسنا لدى المسؤولين الأمنيين بالمنطقة تخوفا من حدوث أي انفلات أمني بهذه المناسبة، خصوصا، مع الاصطدامات التي يعرفها الفضاء الجامعي، محليا، هذه الأيام، وحضور عناصر من الحركة الثقافية الأمازيغية من خارج المنطقة. والتخوف نفسه عبر لنا عنه بعض الفاعلين المحليين. وبخصوص السبب الذي يحول دون التفكير في خلق إطار يسهر على تنظيم هذا الكرنفال وتمويله والدعاية له والتفكير في الرقي به وإعطائه أبعادا أخرى، اعتبر بعض الفاعلين أن إخضاع هذه المناسبة للتنظيم سيفقدها بعدا أساسيا من أبعادها وهو التلقائية، لأن إخضاعه للتنظيم، حسبهم، سيقيده ويجعله أداة يوظفها المنظمون لخدمة مصالحهم، ما يؤدي إلى قتله، غير أن نقطة القوة هذه تشكل نقطة ضعفه في الوقت نفسه، إذ تجعل الجمهور رهينة في يد المشاركين الذين قد يفاجئونك بما يخطر أو لا يخطر على البال من حيث الأقوال والأفعال، ولعل هذه النقطة هي ما أدى إلى تصادم بعض الشباب والمراهقين الذين كانوا في حالة غير طبيعية خلال الاحتفال، ما يحول دون خروج العديد من الأسر للاستمتاع بهذا الاحتفال الفريد من نوعه، ويدعم العديد من الأصوات التي تعترض عليه بالنظر لأصوله البهودية ولما أصبح يتخلله من ممارسات مخلة بالحياء العام...