عبد العالي بن تهامي طبيب جراح في هولندا، يبلغ من العمر ثلاثين ربيعا، ابن عامل مغربي مهاجر. منذ العام الماضي بدأ حلم عبد العالي الطفولي يتحقق تدريجيا، حلمه في أن يساعد فقراء بلده الاصلي. ذهب قبل فترة للمرة الاخيرة في هذا العام الى المغرب لاجراء عمليات جراحية بالمجان للفقراء هناك، الرحلة المقبلة ستكون في ماي العام المقبل. يبدو متعبا حين يكون قد انتهى للتو من ألقاه ندوة جمعت الأطباء الجراحين من شمال المغرب بمدينة طنجة المغربية. حلم الطفولة وبصوت ناعس، يعود بذاكرته الى الوراء، الى ايام الطفولة، قائلا: "وأنا طفل صغير، كنت أذهب مع والديّ كل سنتين إلى المغرب لقضاء العطلة الصيفية. لقد كانت بالفعل عطلة على الشاطئ، ولكن ما كان ذلك ليعميني عن رؤية فقراء، مرضى وعاجزين عن تلقي العلاج. تعلق هذا المشهد بذاكرتي إلى الأبد، وكان الدافع الأساسي الذي ألهمني لأن أصبح جراحا وأساعدهم بالمجان. والآن حين أرى ابتسامة تعلو وجوهم بعد أن أكون قد قدمت لهم يد المساعدة، ينتابني شعور غامر بالرضا". الندوة التي انتهى منها عبد العالي، تلت أسبوعا من العمليات الجراحية المجانية بعيادة الريف في مدينة تطوان، وأسبوعا آخر من دورة تدريبية للأطباء الجراحين في طنجة، تطوان والعرائش. كانت تلك مبادرة عبد العالي بن تهامي، الذي يعود للمرة الثالثة إلى المغرب لإجراء عمليات جراحية للفقراء بالمجان. أخذ معه هذه المرة فريقا كبيرا من الجراحين الهولنديين الذين ساعدوه في إجراء العمليات والذين لقنوا الجراحين هناك تقنية جراحية حديثة في جراحة الفتاق ليست معروفة في المغرب بعد،وهو ما اعتبره الجراحون تجربة غنية جدا. كرم ميد " كوني مغربيا وعشقي للجراحة أيضا، كانا السبب في تأسيس مؤسسة كرم ميد، فقد كان حلمي منذ الصغر أن أصبح جراحا وأساعد أهلي وناسي، وقد تحقق الحلم بمؤسسة كرم ميد"
ويقصد عبد العالي بأهله وناسه فقراء المغرب، بلده الأصلي. بادر عبد العالي بن تهامي قبل سنتين بتأسيس مؤسسة كرم ميد، بغرض تقديم المساعدة الطبية لفقراء بلده من خلال المؤسسة. كان في البداية وحيدا، لكن سرعان ما التحق به جراحان من أصل هولندي ومن اساتذته في الجراحة الذين ساندوه في مشروعه وابدوا استعدادهم لتلك المساهمة الخيرية. ولا تزال المجموعة تتسع باستمرار لدرجة أنه أخد معه حوالي عشرة جراحين هذه المرة إلى المغرب، وكلهم من أصل هولندي. مشروع فريد ويعتبر المشروع فريدا من نوعه إذ لم يسبق أبدا أن ذهب فريق من الجراحين الهولنديين إلى المغرب لإجراء عمليات جراحية بالمجان للفقراء هناك. تعمل مؤسسة كرم ميد مع جمعية خاصة بالأطباء في المغرب. تشرف الجمعية على استقبال الفقراء المرضى الذين يتوافدون على المصحة وتختار منهم من هم في حاجة إلى جراحة مستعجلة في جراحة العظام، جراحة الفتاق، جراحة الأسنان وجراحة التجميل من آثار الحروق مثلا. وحين يصل عبد العالي من هولندا مع زملائه إلى المغرب، يستقبل المجموعة المختارة، ويقرر ما يجب فعله. أما المرضى الذين لم يسعفهم الحظ ليكونوا من ضمن المختارين، فيُضرب لهم موعد آخر، إذ ان عبد العالي وفريقه يذهبون مرتين في السنة إلى المغرب لإجراء العمليات، مرة في الربيع ومرة أخرى في نهاية السنة. " نحاول ان نرى مرة أخرى كل المرضى الذين سبق وأجرينا لهم العملية في المرات السابقة. إذا تعافى المريض، قد لا يأتي إلى الموعد المحدد، إذ يشعر بالاطمئنان إذا اختفت أعراض المرض. لكننا في كل الأحوال نرى من هؤلاء حوالي 90%". حكاية النجار وقد اسعد عبد العالي كثيرا من الفقراء وحين يحكي ذلك لزملائه الهولنديين، يتحمسون لأن يذهبوا معه ويساعدوه في إسعاد المزيد منهم. إلا أن أكثر واحد أسعده عبد العالي كان شخصا فريدا. " كان نجارا، وهو من أتذكره دائما. تعرض لحادث عمل، فقد فيه إبهامه وجزء من سبابته، فأصبح عاجزا عن العمل ولم يعد من معيل لأسرته. في ماي 2007، أجرينا له عملية. وضعنا ما تبقى من سبابته مكان الإبهام ولحسن الحظ نجحت العملية تماما وتعافى النجار، وعاد إلى عمله وإعالة أسرته من جديد. هذا هو المريض الذي أتذكره دائما وأتذكر كم أسعدناه بالعملية تلك". " تحقق حلم طفولتي وهذا اسعدني جدا. أتمنى لو أصبح مثالا لكل الاطفال الذين يرغبون حقا في تحقيق حلمهم". ويستعد عبد العالي ليعود مرة أخرى في ربيع السنة المقبلة الى المغرب، لاسعاد المزيد من الفقراء المرضى.