كان يجلسان قبالتي في مترو الحي الراقي بالمدينة الضخمة الذي كان يتحرك بهدوء رغم الظهيرة التي تفرض سطوة لهبها على البشر والامكنة احدهما شاب رفيع يرتدي قميصا نصف كم مشجرا وعلى صدره تبدو سلسلة فضية اللون تتوسطها قطعة ذهبية غير واضحة القسمات كان ممسكا بيد علبة سجائر أجنبية حمراء اللون وفي الاخرى هاتف محمول من طراز حديث للغاية يصدر رنات مطعمة بموسيقى غربية يتردد صداها في أرجاء عربة المترو أما الثاني فكان يرتدي قميصا بكم طويل أبيض اللون ولا تسكن صدره سلسلة لكنه يبدو متوترا الى حد ما. كان حديثهما هامسا فلم اتمكن من التقاط اطرافه كنت انا بمفردي في المقعد المواجه لهما أعاني من طرقات صداع يصيبني في هذه المدينة بين الوقت والآخر حاولت الامساك بمفاصل الرأس خاصة المنطقة التي تحاصرها طرقات الصداع لكن النتيجة جاءت عبثا كالعادة. وسرعان ما ارتفع نقاشهما وأصابته بعض الحدة كدت أطلب منهما السكوت حتى لا يتفاقم صداع الرأس الذي أخذ يتمدد الى اطرافها لم احاول ان انتبه الى ما يقولانه بالضبط غير أنني التقطت طرفا من همس أحدهما: هل شاهدت هذه الجميلة؟ انها مدهشة تكاد تدفعني الى معانقتها أو على الاقل محادثتها فعيناها مسكونتان بفضاء من الزرقة مهيب وقسمات وجهها تصب رحيقها النوراني في النفس فتقيم فيها الهدأة فطلب منه الثاني ان يترك له مجالا ليقترب من الفتاة التي يبدو انها لاحظت همسهما فقررت على الفور الابتعاد عن العربة فحاول الاول ان يركض خلفها لكنها سرعان ما غابت في الزحام وعندما اقتربت المحطة الاخيرة للمترو سارعت الى مغادرته بعد ان حل قدر من الرعب على قسمات وجهها عوضا عن السكون وعندما تهيأت لمغادرة المترو استمعت للثاني يطلب من رفيقه سرعة النزول ومزاحمة الهابطين الى رصيف المحطة حتى يلحقا بصلاة المغرب التي حان وقتها في المسجد القريب.