أحم ، وكما تفتتح أختي الأديبة الشاعرة السورية غادة سعيد بعض خواطرها الرائعة وهي العبارة التي ترادف ما نقوله نحن المغاربة: أححححح وتعنيان الرضى بأمر يكرم النفس بطريقة لبقة مرنة ، أتنحنح هذا الصباح لأني فعلتها بل رددتها كثيرا في منامي الليلة الفارطة بعدما دخلت في نوبة سبات عميق أمام شاشة تلفاز مشغلة، نمت متأخرا على غير عادتي ، رأيتني فجأة جالسا إلى أريكة خشبية معصب العينين مقيد اليدين ، بل حتى رجلاي لم تكن تقويان على الحركة فربما كانتا مثبتتين بأغلال حديدية، تداعى إلى سمعي حديث هو أقرب إلى الهمس ، تبينت بصعوبة أنه بلكنة خليجية خصوصا عندما علا صوت أحدهم قليلا فخاطب : ” لا تقطعوه بالمنشار gابل ما تستجويبوه وتحقينوه ” ، الغريب أني كنت في غاية الهدوء والاطمئنان ، كنت أردد الشهادتين وأحمد الله أني سأرحل عن الدنيا قبل والدتي ، هكذا تمنيت أمامها ذات يوم وإن كانت تمانع ، زاد من اطمئناني أنهم سيمكنونني من رؤية وجوههم بعد التخلص مما عصبوا به عينيي وقد فعلوا ذلك بأدب بالغ ، كان الظلام دامسا إلا من إنارة خافتة فوق رأسي مباشرة ، ورجل ضخم البنية عريض المنكبين مفتول الشارب من جانبيه يشبه إلى حد كبير ذلك الممثل الذي تقمص دور معذب عادل إمام في فيلم ” ايحنا بتوع الأوتوبيس ” ، طرحت علي أسئلة كثيرة أهمها تتعلق بنشاطي في العالم الافتراضي وعلاقتي بتنظيم داعش ومعرفتي بأسامة بن لادن واستنكاري لمسيرة ولد زروال وكراهيتي لآل سعود ومعارضتي لدارجة عيوش في المناهج التعليمية ومدى علاقتي بخاشقجي ومعارضتي لبيع الأسلحة للسعودية والتجسس ضد الإمارات ومدى تعاطفي مع بشار الأسد وأردوغان وسلمان العودة والقرضاوي والريسوني ، خلتني في غاية الانتشاء وأنا أجيب كما يحلو لي وكما أريد ، وبين الفينة والأخرى أعزز كلامي بعبارات إنجليزية وعربية فصحى نهلتها من كتاب ” أسرار اللغة العربية ” للنيسابوري ، وفرنسية وفارسية مما جعلت سائلي يرتبك ولا يقوى إلا على فتل شاربه بعصبية بالغة ، كنت أراني بطلا قوميا يستحق كل تلك الهالة ويستحق أيضا أن يقتل بحقنة ويقطع بمنشار ثم يذوب بسائل حمضي أو يلقى في جب عميق ، كنت أعلم أن العالم كله سينشغل بي كثيرا ، وستقيم برلمانات المعمور اجتماعات طارئة عن اغتيالي، وتراجع الدول سياساتها الدولية وعلاقاتها الثنائية فكنت حينها أقطع استرسالي بحنحنة وأعيد ترتيب جلستي وأضع رجلا فوق رجل ، هممت أن أطلب من السجان سيجارة رغم أني لا أدخن ولكن لأزيد من احتقاره وإرباكه ، لكنه أتاني بمنشار يدوي ليهم بتقطيعي وأنا مازلت على قيد الحياة ، تلعثمت وصرت أصرخ : – “هل المنشار مباشرة وبدون مقدمات ؟ أريد أولا سيجارة ، سيجارة ياناس ، حرام ، ايحنا بتوع الأوتوبيس يا خوانا ” . أحسست بيد ترتب على كتفي ، كانت زوجتي تحاول أن تنشلني من منام هو أقرب إلى كابوس قائلة : – ” ما قصتك انت مع داعش والقاعدة والأسلحة وبشار وأردوغان وخاشقجي و السجائر ؟ ” . لقد سمعت زوجتي كل شيء . أحم ، أحححححح لقد أصبحت بطلا قوميا على ذمة الحلم .