أقدم الفنان التشكيلي والمناضل النقابي في مجال الفن مصطفى النافي على عمل قاس جدا تمثل في إحراق لوحاته التشكيلية كأسلوب احتجاجي على ما وصلت إليه وضعية الفنان من تدهور مكشوف. وهذا الأسلوب في الاحتجاج رغم قساوته فإنه يعكس الحالة النفسية المتدمرة التي وصل إليها الفنان مصطفى النافي سواء بصفته كفنان تشكيلي سدت في وجهه أبواب طالما طرقها من أجل نيل حظه في العرض والتحفيز أو كفاعل نقابي قدم ملفات مطلبية لم تنل حظها من الاهتمام. ورغم اتفاقنا أو اختلافنا مع هذا الأسلوب في الاحتجاج فإن هذا الفعل يعكس مدى التدمر الشخصي للفنان إزاء واقع التشكيل وكذا اليأس الذي سيطر على الفنان نتيجة إيمانه بلاجدوى الاستمرار في الأساليب النضالية المألوفة من أجل تحقيق الغايات.. ومن خلال معرفتي الشخصية للفنان مصطفى النافي فإن مبادرته هذه تعتبر صادقة وتعكس الحالة النفسية التي وصل إليها بعدما جرب كل أساليب الاحتجاج من بيانات واعتصامات وكذا تنظيم معرض بالهواء الطلق قبالة قاعة باب الرواح التي منع من العرض بها،وهي مبادرة أيضا بعيدة عن الدعاية والتباهي ولفت الانتباه .. هي مبادرة دافعها اكتئاب إبداعي في أقصى صوره والذي يؤدي بصاحبه للانتحار.وصورة الانتحار هنا هو حرق وإعدام المنتوج الإبداعي رغم ما لهذا المنتوج من قيمة فنية وتاريخية.إنه انتحار إبداعي لأعمال فنية كلفت صاحبها مجهودا وجدانيا وذهنيا وتقنيا كبيرا وحيزا زمنيا مهما من حياة الفنان..هو إعدام أيضا للموهبة الفنية التي أصبحت سببا في معاناة الفنان عوض أن تبوئه المكانة المرموقة التي يستحقها. أعرف بعض الفنانين في بداياتهم الفنية أقدموا على حرق أعمالهم خلال السبعينيات نتيجةتأثرهم بالخطاب الديني السلفى الذي يحرم الإبداع لكنهم ندموا على ذلك الفعل بعد صحوتهم لأنهم مسحوا فنرة مهمة من حياتهم الإبداعية..لكن ،في حالة الفنان والنقابي مصطفى النافي،فالأمر يختلف،لأنه من خلال خطوته القاسية هذه يريد أن يرسل رسالة مضمونها أنه لا جدوى من الإبداع في وطن جعل مثقفيه وفنانيه على الهامش.وطن يعتبر الفن والإبداع من الكماليات ،وطن صارت فيه السمسرة والمحسوبية شعارا لكل المعاملات بما في ذلك الشأن الفني.. صحيح أن الفنان مصطفى النافي أعدم إبداعاته.لكنه بذالك الفعل أشعل نار الاحتجاج ضد التهميش الذي يطال المجال الفني،ولعله بهذا الفعل أيضا ناب على مجموعة من الفنانين المهمشين الذين لم ينالوا حظهم من الاهتمام والعناية. كل التضامن معك مصطفى.