بالتمعن الحصيف في مختلف الظواهر الاجتماعية الإجرامية، وما يصطحبها من تعاطي المشرع وتعامل القضاء معها، أعتقد أن مسببات ارتفاع منسوب الجريمة بالمغرب، يرتد إلى أمور ثلاثة: ☆ تراجع مستوى التربية: المقصود بالتربية هنا، مفهومها العام الموسع، وهو ما تنصلت منه كل المؤسسات الموكول إليها وضائف تربوية ؛ الأسرة، المدرسة، المسجد، الزاوية، .. إلخ. وهذا أمر مشهود معاين. ☆ اكتظاظ السجون: لما تفشل المؤسسات المذكورة عن أداء وظيفتها التربوية، يلجأ المجتمع، عبر آلية القانون الجنائي، إلى تربية المنحرفين من خلال إصدار أحكام قضائية تقضي عليهم بالحبس أو السجن، حيث يعد السجن -نظريا- مؤسسة تربوية من الصنف الثاني، وهو ما لا يمكن تصوره عمليا ألبتة، وذلك بالنظر إلى الاكتظاظ الذي يحول دون الاضطلاع بتلك المهمة، مما أضحى معه وجوبا بناء مؤسسات سجنية، بقدر ما يبنى من المؤسسات التربوية الأخرى. ☆ تأثر القضاء باكتظاظ السجون: لا شك أن القضاء، بين الفينة والأخرى، يتأثر بواقع الاكتظاظ الذي تعيشه سجون المملكة، ويرنو إلى إصدار أحكام بعقوبات حبسية موقوفة التنفيذ، بدليل ارتفاع نسبة هذه الأحكام مقارنة بالأحكام القاضية بعقوبات نافذة، حيث تشكل الأولى أضعافا مضاعفة للثانية ؛ لدرجة أن كادت بعض القضايا، بالرغم من خطورة الأفعال موضوعها، عنوانا لإصدار أحكام بعقوبة حبسية موقوفة التنفيذ بمجرد تنازل الضحية أو المشتكي عن شكايته. فاجتماع هذه الأمور الثلاثة، يدفع، لا محالة، إلى ارتفاع منسوب الجريمة، بالنظر إلى اضمحلال عنصر التربية بكل أصنافها، مع تساهل القضاء في بعض القضايا تأثرا بواقع السجون الذي تعين رفعه وإصلاحه.