من الصوفية المجمع عليهم، فعنده تلتقي كل الطرق الصوفية، و هو ممن جمعوا بين الشريعة و الحقيقة ، بين علم الظاهر و بين الحقائق الباطنية، بين الفقه و بين التصوف. و يعتبر من العلامات الكبرى في التراث الإسلامي عبر اسهامته الفكرية، الفقهية و الأدبية. . عبد القادر الجيلاني أو الكيلاني (470هج) هو أبو محمد عبد القادر بن موسى عبد الله، يلقب في التراث المغاربي ب"بوعلام الجيلالي".و في الشرق ب"سلطان الأولياء"، و إليه تنسب الطريقة القادرية. إمام صوفي و فقيه حنبلي، قال فيه الإمام علامة السلفية الكبرى الشيخ تقي الدين ابن تيمية: ( وَأَمَّا أَئِمَّةُ الصُّوفِيَّةِ وَالْمَشَايِخُ الْمَشْهُورُونَ مِنْ الْقُدَمَاءِ : (مِثْلُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ وَأَمْثَالِهِ فَهَؤُلَاءِ مِنْ أَعْظَمِ النَّاس..)ِ و لم يذكره مرة واحدة بمعرض نقص و كان دائم التقدير له، على عكس ما يدعيه الآن متحدلقي السلفية السياسية. يقول شيخنا عبد القادرفي أحد مجالسه: "انا زاهد في كلامي وفيكم، و ما دمت على هذا الحال تنتفعون بكلامي و ما دام المتكلم عينه على جيوبكم وحواءجكم لا تنتفعون بكلامه ابدا.زعاق المنافق من لسانه و نداءي عليكم من قلبي..".هذا ما ميز الشيخ منذ خروجه من جيلان ، فقد كان صادقا ، ورعا وتقيا، وفقيها عالما متمكنا، كتابه "الغنية لطريق الحق" يغني قارئه المسلم و يستغني به عن باقي الكتب لمعرفة كل التفاصيل، و المداخل الفقهية ،و الاختلاف في الآراء. انجدب القطب و هو صغير إلى طريق الروح ،و ذلك عبر حكايته عن حضوره لخروج قافلة الحج، فكانت الأشواق الإلهية و الروحية في نفسه إلى الخروج من جيلان إلى العراق لطلب العلم و المعرفة و التحليق في عالم التصوف.و في رحلته هاته كانت له إسهامات شعرية و نثرية صوفية بديعة ،إذ يقول في أحد قصائده: أَوْ فِي الْوِصَالِ مَكَانَهُ مَخْصوْصَةٌ إلاَّ وَمَنْزلَتي أَعَزُّ وَأَقْرَبُ وَهَبَتْ لِيَ الأَيّامُ رَوْنَقَ صَفْوِهَا فَحَلَتْ مَنَاهِلْهَا وَطَابَ الْمَشْرَبُ وَغَدَوْتُ مَخْطُوباً لِكُلِّ كَرِيمةٍ لاَ يَهْتَدي فِيهَا اللَّبِيبُ فَيَخْطُبٌُ و نجد له خطبة جمعة قصيرة و بليغة جدا ، قال فيها: " لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع..و خير ممن كسا الكعبة و ألبسها البراقع ..و خير ممن قام لله راكع .. و خير ممن جاهد للسفر بسيف مهند قاطع..و خير ممن صام الدهر و الحر واقع..و إذا نزل الدقيق في بطن جائع ،له نور كنور الشمس ساطع.. فيا بشرى لمن اطعم جائع " ثم صلى بالناس. قام شيخنا بحركة تجديدية في بث روح الإيمان وفتح مدرسته ببغداد معتمداً فيها على الوقف الخيري ، تغذية وسكن لرواد المدرسة، ثم انطلق رواد المدرسة في سائر أقاليم العالم الإسلامي وعلى نفس المدرسة نهجاً وممارسة، فتحوا قرابة "400" مدرسة، وكان الشعار هو "لكلّ مذهبه الفقهي والفكري وهدفنا واحد هو تحرير القدس من نير الاحتلال الصليبي" الذي جثم عليها قرابة "90" عاما. و في أبرز نصوصه النثرية ما سماه الغوثية نجد: " قال الغوثُ الأعظمُ، المستوحشُ من غير الله، المستأنسُ بالله: قال اللهُ تعالى: ياغوثَ الأعظم. قلتُ: لبيك يا رَبَّ الغوث. قال: كُلُّ طَوْرٍ بين الناسوت والملكوت فهو شريعةٌ وكُلُّ طَوْرٍ بين الملكوت والجبروت فهو طريقةٌ وكُلُّ طَوْرٍ بين الجبروت واللاهوت فهو حقيقة" ً و من مقالاته الرمزية نجد له مجموعة من الإشارات عن الولاية قالهاو هو على المنبر منها: " يا زُهادَ الأرض:ِ تِقدمُوا، خَربُوا صوامِعكُم واقرَبوا مِني، قَد قعدتُم في خَلواتِكُم مِن غيرِ أصلٍ ،فما وقعتُم بشيء تقدَموا رحمكم الله والقُطوا ثِمارَ الحِكم. . لا اُريدُ مجيئَكم لي بَل اُريدُه لكُم ،فأنا سَيفي مشهور وقوسِي موتورٌ ونِبالي مفوقةٌ وسهامي صائِبةٌ ورُمحِي مُصوبٌ وفرَسِي مُسرج،ٌ أنا نارُ الله الموقَده أنا سلابُ الأحوَال أنا بحرٌ بلِا ساحِل أنا دليلُ الوقتِ أنا المتكَلمُ في غيري.. انا المحفوظُ انا المحظوظُ انا الملحوظُ ،يا صُوام يا قُوام اقبِلوا إلى أمرٍ من أمرِ الله انا أمرٌ من أمرِ الله ..فَيا بُنَياتِ الطَريق يا رِجال يا أبطَال يا اطفَال هَلُموا وخُذوا عَني ،عن البحرِ الذي لا ساحِل له يا أهلَ الارضِ شرقاً وغربا، ويا أهلَ السماءِ قال تعالى (ويخلقُ ما لا تعلمُون ) أنا مِما لا تعلَمون.. أنا لُبٌ بلا قِشر فَلا تقيسُوني على احد، ولا تقيسوا احد عليَ". توفي الإمام الجيلاني ليلة السبت 10 ربيع الثاني سنة 561 ه،جهزه وصلي عليه ولده عبد الوهّاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه، ثم دفن في رواق مدرسته،صنف مصنفات كثيرة في الأصول والفروع وفي أهل الأحوال والحقائق والتصوف، منها ما هو مطبوع ومنها مخطوط ومنها مصوّر، منها: إغاثة العارفين وغاية منى الواصلين. أوراد الجيلاني. آداب السلوك والتوصل إلى منازل السلوك… و غيرهم