استشهاد 5 صحافيين بقصف نفذه العدوان الصهيوني في غزة    إسرائيل تقتل 5 صحافيين في غزة في قصف لسيارتهم التي تحمل رمز الصحافة    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    "الجديدي" ينتصر على الرجاء بثنائية    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"لا كراسيوسا " المعركة التي أعادت العرائش إلى مسرح التاريخ العالمي
نشر في بوابة القصر الكبير يوم 08 - 03 - 2017

تبدو المعارك التي شهد رحاها وادي اللوكوس كثيرة ومتنوعة فبعد ان عملنا على استجلاء ما خفي من معركة العرائشيين ضد الاسطول النمساوي و توقيع معاهدة استرياك. سنحاول ان نميط اللثام عن تفاصيل معركة تكاد تكون مجهولة لدى المغاربة لعدم اهتمام مصادرنا التاريخية بها والاكتفاء ببعض الشذرات الشحيحة بالنسبة لتلك التي ذكرت المعركة، وبإشارات سريعة كما نجدها عند احمد ابن القاضي في كتابه "لقط الفرائد" وكذلك المؤرخ محمد الكراسي صاحب ارجوزة "عروسة المسائل فيما لبني وطاس من مسائل" والنص الذي تركه لنا الحسن الوزان المعروف ب "ليون الافريقي" في كتابه "وصف افريقيا" . وقد كانت هذه الواقعة نتيجة لأول محاولة برتغالية جدية للتوغل داخل الأراضي المغربية، فالى حدود سنة 1489 كان البرتغاليون يكتفون بالحصون والمدن الساحلية، وقد استهدفت المحاولة التحكم في مجرى نهر اللوكوس و التمركز على حدود مدينة القصر الكبير التي كانت تعتبر القاعدة الهجومية الخلفية للمغاربة ضد التواجد البرتغالي باصيلا و طنجة. والاستيلاء عل السهول الممتدة على طول مجرى النهر لضمان التمويلات الغدائية للمدينتين المحتلتين بشمال المغرب نظرا لما أصبحت تشكله المدن المحتلة بالشمال المغربي من عبئ على خزينة الدولة البرتغالية حيث اشار المؤرخ لانوي وفان دير لاندر في كتاب "تاريخ التوسع الكولونيالي للشعوب الاوروبية " الى ان المدن المغربية الاربعة المحتلة بشمال المغرب كانت تستهلك عشر مداخيل البرتغال، فكانت محاولة تشييد مدينة، حسب بعض المؤرخين، او تشييد حصن حسب آخرين في أعالي مصب نهر اللوكوس او "الاستيلاء على مدينة صغيرة قديمة " كما اورد ذلك الحسن الوزان في موسوعته وصف افريقيا، كمحاولة من الرتغاليين لفك الحصار الاقتصادي عن مستعمراتهم و تجديد ارتباط المدن بضواحيها و التحكم في السهل الخصب و محاصيله.
1- دواعي احتلال جزيرة "لاكراسيوسا"
اختلفت المصادر في تحديد الموقع المسمى المليحة او لاكراسيوسا حسب التسمية البرتغالية، لكنها اتفقت ان الموقع كان يوجد بين مدينة العرائش والقصر الكبير، صادف الاستيلاء على المليحة و الجلاء عنها عهد الملك البرتغالي خوان الثاني " 1481-1495′′ الذي يوافق بالمغرب عهد مولاي الشيخ ابي عبد الله محمد الشيخ الوطاسي مؤسس دولة بني وطاس " 1471-1496′′ وقد تمكن الشيخ محمد هذا من توقيع معاهدة سلام لعشرين سنة وقعها اب الملك البرتغالي خوان الثاني مع محمد الشيخ. الا ان الضربات الموجعة التي كانت تتلقاها المدن المحتلة كطنجة وأصيلا انطلاقا من مدينة القصر الكبير جعلت الملك البرتغالي "دون خوان الثاني" يفكر في تشييد قاعدة عسكرية تقطع الطريق على هجومات المغاربة على أصيلة وطنجة بالتمركز بأعالي مصب نهر العرائش، استقر البرتغاليون سنة 1489 في المليحة " la graciosa".بغرض تأسيس قلعة ، لكن ظروفا عديدة حالت دون ذلك ولم يتمكنوا من إتمام عملهم خلال الأشهر القليلة التي مكثوا هناك " من مارس الى غشت " فقد وصلوا اليها في البعثة الأولى في اسطول مكون من اربعة مراكب خرجت هذه البعثة ترجيحا في شهر مارس 1489 بقيادة الجنرال كاسبار جوسارت مكونة من 160 رجلا في مهمة بناء حصن عسكري في أعالي مصب نهر اللوكوس و بتتبع تقدم الاحداث نجد عند متم شهر يونيو انه كان بالمليحة حوالي 500 جندي برتغالي بجزيرة المليحة وذلك حسب ما أورده الباحث طوماس غارسيا فيغيراس في هذا الموضوع .
2- رد الفعل المغربي
على اثر ذلك تحرك الجيش المغربي تحت قيادة ملك فاس الشيخ ابي عبد الله محمد الشيخ الوطاسي وأخيه مولاي يحيى واخذوا مواقعهم حول الموقع بأربعين الف فارس ومشاة لا عد لهم، واعتقدوا انهم سيخضعون الموقع بسهولة نظرا لقلة عدد البرتغاليين فهاجموا الموقع بقوة ومن كل الجهات، وحاصروا النهر عبر الضفاف لعرقلة أي مجهود للنجدة او التموين فأرسل الملك البرتغالي تعزيزات قادها احد جنرالاته في 1000 من الرجال استطاعوا بفعل مدفعيتهم واستماتتهم من جعل المغاربة يلجؤون لحصار الموقع، فرغم التفوق العددي للجيش المغربي الا ان الحنكة العسكرية و الآلات الحربية المتطورة التي كان يتوفر عليها البرتغال بموقع المليحة اضطرتهم الى اعتماد اسلوب الحصار الطويل الأمد، بعد ان كادت حركة الامير الوطاسي ان تفشل بسبب " الرمي المستمر للمدفعية البرتغالية الكثيفة المرعبة " حسب ما ذكره حسن الوزان في كتابه السالف الذكر. وتعزو الرسالة التي وجهها ملك البرتغال الى البابا- والتي سنعود الى ذكرها بعد قليل- صمود ثلة صغيرة من الجند البرتغالي في وجه العسكر المغربي الى "خبرة البرتغاليين في الدفاع عن الحصن الذين عرفوا كيف يعززونه بسور وخندق وحائط منحدر مشرف على الخندق، واضعين حوله مدافع وآلات أخرى بالإضافة إلى المجانيق " وكتب في نفس السياق طوماس غارسيا فيغيراس " لما رأوا- المغاربة – الخسارة التي تسببها أسلحة النصارى وطلقات النار الثائرة قرروا محاصرة الموقع من بعيد" فلجا المغاربة الى قطع النهر بحاجز قوي مملوء بالأحجار تحت القلعة قريبا من مصب النهر وصار النهر بذلك غير صالح للملاحة بالنسبة للسفن الكبيرة والصغيرة فوقع اليقين بعدم إمكانية النجدة من جهة البحر" وتطلعنا الرسالة السالفة الذكر والتي بعثها ملك البرتغال الى البابا "انوصانت الثامن" والتي نتوفر على نسخة منها من تعريب الدكتور احمد بوشارب، نجد نفس الرواية بتعديلات طفيفة حيث تقول الرسالة ان: "المسلمين استقروا على ضفتي النهر فسدوا وقت الجزر بالحجارة نهر العرائش الذي كان يسمح وقت المد بوصول الزاد الى قصرنا لان النهر غير عميق ببعض الأماكن خصوصا في الصيف ووقت الجزر، كما حصنوا كل ضفة بحائط متين من الحجارة والخشب حيث وضعوا على كل جانب آلات موجهة نحو النهر ومنعوا السفن من الدخول اليه وحالوا بذلك دون وصول الزاد الى جنودنا" مما يدل على ان الرواية الرسمية البرتغالية استقرت على امر واحد. وبالالتفات الى المصادر المغربية القليلة التي أوردت أخبار هذه الواقعة نقرا عند الحسن الوزان المعروف بليون الإفريقي ما يلي : " لكن بعضهم نصحه – أي نصح الملك الوطاسي – بان يأمر بصنع تحصينات من الخشب في وسط النهر على مسافة نحو ميلين من سافلة الجزيرة، وقطعت الأشجار المجاورة تحت حماية هذه التحصينات. وبعد قليل من الوقت وجد البرتغاليون ان مدخل النهر قد سد في وجوههم بجذوع أشجار ضخمة بحيث لم يعد باستطاعتهم الخروج بأسطولهم " تشبه الخطة التي ذكرها الوزان هنا الخطة الحربية التي سيستعملها سكان العرائش لمنع الاسطول النمساوي من التقدم في نهر اللوكوس لاحقا سنة 1829 غير ان مسالة استعمال سد من الحجارة التي ذكرها الملك في رسالته الى البابا و أكدها الباحث طوماس غارسيا فيغيراس سيذكرها كذلك محمد الكراسي المصدر المغربي الذي عاصر المعركة والذي ارخ لها من خلال ارجوزته حيث قال :
وكانت من ذا الرئيس الحبيب راى سديد ردهم جليب
ان قطتع الوادي بجعل سلل من قصب و بالصخور تمتلي
انزلها بعمل التثبيت وقطع الوادي بلا تثليت
وامتنع الطلوع بالجفان فأيقنوا بساعة الخسران
عمل في ذاك و شدا العملا وفوق سرجه الصخور حملا
حتى اذا أبطل قصدا و علا أبطل للكافر ما قد أملا
مما يؤكد لجوء القوات المغربية الى استعمال الحجارة لصنع هذا السد، وأمام هذا الوضع استنفر الملك البرتغالي قواته واصدر عفوا عاما عن الهاربين الذين يذهبون للخدمة ضمن "اسطول العرائش" كما اسمته المصادر البرتغالية فخرج اسطول للنجدة بقيادة القائد ايريس داسيلفا الذي لم يفلح في اجتياز السد الحجري الذي أقامه المغاربة عند مصب نهر اللوكوس بالإضافة إلى المناوشات الشرسة للجيش المغربي.
3- الاستعجال الى المفاوضات و توقيع الهدنة
يرجع حسن الوزان دخول الملك الوطاسي في مفاوضات مع الجانب البرتغالي الى انه "فكر في انه سيعرض للخطر ارواح كثيرة من رعاياه" و تأكد له ان النصر رغم إمكانيته القائمة الا انه " سيكون ثمن هذا الانتصار خسائر جسيمة، فدخل في مفاوضات مع قائد الاسطول" وتجمع المصادر البرتغالية الى ان قرار الملك البرتغالي الحضور بنفسه لانقاد حاميته بالمليحة اثار رد فعل الملك الوطاسي فقدم مقترحات لرفع الحصار شريطة الانسحاب من المليحة، وكان جواب القائد داسيلفا اشتراط خروج الجميع سالما باسلحته و مدافعه و خيوله، وفي الرسالة التي ارسلها الملك البرتغالي الى البابا انوصانت الثامن المشار اليها انفا والتي نشرها الدكتور احمد بوشارب في كتابه " وثائق ودراسات عن الغزو البرتغالي و نتائجه" نقرا ان سبب الجلاء عن المليحة بالنسبة للبرتغاليين يعود الى سببين اثنين اولا "اغلاق النهر في وجه المراكب البرتغالية ومنع المحاصرين الذين كانوا داخل الحصن من التوصل بالمساعدة، اما السبب الثاني فيكمن في "تفشي الحمى نظرا لكثرة المستنقعات الشيء الذي دفع بالمسؤولين بالجلاء عن الحصن" ويشير فيغيراس حقا الى المرض الذي الم بالقائد المسؤول عن موقع المليحة خوان داسيلفا وقيادة الحملة بعد ذلك من طرف دون خوان رودريغيز دي سوسة" و يفيدنا محمد الكراسي في الأسباب التي يمكن اعتبارها حاسمة في استعجال الملك الوطاسي امر المليحة وعقد الهدنة مع البرتغاليين، حيث أشار في أرجوزته الى الفتن الداخلية خصوصا عصيان قبائل الشاوية.والتي كانت وراء استعجال الملك الوطاسي عقد الهدنة وتوقيع معاهدة صلح المليحة حيث قال:.
وكان للسلطان ضد خالفه شاوية وغيرها مخالفة
فخاف ان ابطا شهر اخر عواقبا لا مثلها يؤخر
و يبدو ان الظروف لعبت دورا كبيرا في توقف المشروع البرتغالي وانتهاء امر المليحة على ذاك الحال حيث اجتمع الطرفان للتفاوض بعد هذه الواقعة بقرية تشميس وهي مدينة ليكسوس الاثرية قرب مصب نهر اللكوس وتم إمضاء المعاهدة يوم 27 غشت 1489 وتوارب المصادر البرتغالية حين تقدم انسحابها من المليحة على انه انتصار البرتغاليين رغم ذلك بعد حصولهم على تنازلات ترابية كبيرة فبالاضافة الى ما كان بايدي البرتغاليين تنازل لهم اللك المغربي عن اراضي اخرى خصبة حيث يفهم من سياق الرسالة السالفة الذكر ان المعاهدة مع ملك مملكة فاس لا تجعل حدا للنشاط العسكري البرتغالي بل تسمح لهم بمتابعة الحروب التي اعلنوها على الاسلام به. وكان كل ما اعترفت الرسالة به هو تبادل الرهائن، اما المصادر المغربية القليلة التي ذكرناها تؤكد على هزيمة البرتغاليين وذكرت انهم ارغموا على تقديم فدية مهمة مقابل سماح الملك الوطاسي لهم بالانسحاب الا انها اشارت الى ان الملك الوطاسي لم يكن مستعدا للاستمرار في الحصار حتى الانتصار النهائي على برتغالييي المليحة واذا كان الحسن الوزان المعروف بليون الافريقي قد سكت عن الأسباب فان صاحب محمد الكراسي صاحب عروسة المسائل كما راينا يرجع الاسباب الى الفتن الداخلية.
4- مدينة العرائش والعودة الى مسرح التاريخ
لكن ما راعنا و نحن نتتبع اخبار هذه الواقعة التي لم يرد ذكرها ضمن المتون التاريخية المغربية الكبرى هو غياب مدينة العرائش في هذه المرحلة التاريخية ويطرح السؤال هنا بالحاحية كبرى: لم لم تلعب العرائش أي دور عسكري في معركة "لاكراسيوسا"؟ فلولا الإشارات البرتغالية القليلة التي تسمي نهر اللوكوس بنهر العرائش، وخصوصا الرسالة التي استعنا بها هنا والتي بعثها ملك البرتغال خوان الثاني الى البابا "انوصانت الثامن" لاعتقدنا جازمين ان مدينة العرائش لم تكن قد بنيت بعد وهو الأمر الذي وقع فيه المؤرخ المغربي الكبير عبد الوهاب بنمنصور عند تحقيقه لمخطوط محمد الكراسي "عروسة المسائل" التي اعتمدناها كمصدر لهذه الدراسة حيث قال هذا المحقق الكبير والمؤرخ الفذ " العرائش لم تكن موجودة آنذاك" بدون تثبيت او تحقق. ونحن بالمقابل نميل الى الاعتقاد ان العرائش انذاك كانت خالية من السكان بعد التهديدات الجدية التي كانت تتلقاها من البرتغاليين بعد احتلال اصيلا، و تنازل محمد الشيخ عنها للبرتغاليين سنة بعد معاهدة اصيلا سنة 1471 وفي ذكره للمليحة واحداث المعركة، يقول الحسن الوزان الملقب بليون الافريقي في كتابه الموسوعي الكبير وصف افريقيا الجزء الاول الصادر عن منشورات الجمعية المغربية للتاليف و الترجمة و النشر سنة 1980 صفحة 233 " في الوقت الذي كانت فيه طنجو و اصيلا خاضعتين للمغاربة كانت العرائش كثيرة السكان ، لكن بعدما سقطت هتان المدينتان في يد النصارى غدت العرائش مهجورة الى ما يقرب من عشرين سنة من ايامنا هذه " و بالعودة الى تاريخ تاليف كتاب "وصف افريقياط الذي الفه الحسن الوزان بايطاليا بطلب من البابا ليون العاشر والذي يوافق سنة 1526 فان مدينة العرائش اعيد بناؤها او تعميرها بداية القرن السادس عشر بعد ان بقيت خالية لمدة ما يناهز الاربعين سنة، و ليست مدينة العرائش وحدها التي أخلاها سكانها بل كذلك مجموعة من التجمعات السكانية على مجرى نهر اللوكوس كالمليحة ونارنجة، و أكلا، والحمر، وغيرها. و يؤكد هذا الزعم هو عدم قيام البرتغاليين بالاستيلاء على مدينة العرائش كمحطة استراتيجية ضرورية لإمكانية الاستيلاء على جزيرة المليحة، بالإضافة الى سكوت المصادر البرتغالية والمغربية عن اية عملية مقاومة للبوارج الحربية التي كانت تمخر في اتجاه الوادي من البحر، بل حتى الخطة الحربية للسلطان الوطاسي لم تشمل تحريك الآليات الدفاعية لمدينة العرائش على اعتبار إشرافها المباشر على مدخل الميناء مما يفسر خلو العرائش آنذاك من أية قيمة حربية ولم تكن تشكل أي تهديد عسكري للملاحة البرتغالية بمصب نهر اللوكوس لذا بحث البرتغال عن مكان متقدم في النهر يقطع الطريق على مؤن مملكة فاس الحربية عن مهاجمة اصيلة و باقي الثغور ..طنجة و القصر الصغير و سبتة. وفي تتبعنا للاخبار التي ذكرها برناردو رودريغيز وهو مواطن برتغالي ترعرع بمدينة اصيلا و كتب حولياته بدقة بالغة وبتفاصيل كثيرة غطت الاحداث الحاصلة من سنة 1508 الى سنة 1535 حيث لا نجد ذكرا لمدينة العرائش الا عرضا ودون أهمية تذكر، بل ان حضور بني كرفط كتجمع سكاني كبير بالمنطقة كان لها دور كبير في الحروب ضد البرتغال. وتشير عملية توقيع معاهدة السلام بعد معركة المليحة بموقع تشميس او شميس وهي التسمية المغربية لمدينة ليكسوس يشير الى غياب أي نواة معمارية بمدينة العرائش انذاك لعقد اجتماعات من هذا الحجم بين ممثلي الدولتين. وفي نفس السياق احمد بن خالد الناصري في كتابه الاستقصا لأخبار دول المغرب الاقصا" المجلد الثاني، عند حديثه عن احتلال البرتغال للثغور المغربية " و استحوذ عدو الله –يقصد البرتغال – على بلاد الهبط و ضايقهم بها حتى انحازوا إلى الأمصار المنزوية عن الأطراف والقرى النائية عن السواحل" مما يؤكد شمول ظاهرة اخلاء المدن و التجمعات القريبة من مناطق الاشتباك مع البرتغاليين. لا شك ان الوطاسيين بعد معركة المليحة انتبهوا لأهمية اعمار العرائش وتحصينها و هو الامر الذي سيقوم به لاحقا ابن محمد الشيخ الوطاسي الملك محمد الملقب بالبرتغالي حيث ستلعب مدينة العرائش منذ ذاك التاريخ دورا رياديا على مسرح التاريخ العالمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.