خذ بيدي وأخرجني من هذا الغم المخيف، فأنا ما عدت أملك حيلة، ولا عادت بعضلاتي قوة لهش ذبابة عجوز. تفاقم سوء حالي حتى صرت لا أملك سوى التسكع قي شوارع ضاق بها صدري، بل لا أعيش سوى على ما فضل عن قوم لا يفضل عنهم إلا النزر القليل؛ من ثروات البلاد الوفيرة التي أقسمت ألا تنقضي. ما بال هؤلاء القوم؟ الذين قبل أن يتولوا زمام الأمور كانوا يعانقون الفقراء ويقبلونهم، بل وقد يحملونهم على ظهورهم كي يركبونهم في ما بعد للوصول لغاياتهم الدنيئة. أقسم المنتخب المتحايل أن له حلولا لمشاكل العطالة وجوع الفقراء، وتنمية مداخيل المدينة المشفرة. لكنه غدات استوائه على كرسي المنصب! اولانا خلف ظهره، وراح يتراشق بالألفاظ البذيئة مع، باقي زملائه في قبة البرلمان. وإن كنت لا أملك شيئا في هذا الوطن فأنا لا يشرفني أن يمثل المواطنين برلماني لا يعرف أصول التحاور وآداب الحديث، أتعجب كثيرا من استطاعة بعض النواب النوم في تلك الجلبة والهرج والمرج، الذي قد يقض مضجع الأموات في قبورهم. ناهيك عن جهلهم باللغة العربية؛ بالرغم من سيبويه ينصب الفاعل أو قد يجر بما لا يجر به، وقد يرفع المفعول به حتى يكاد يصدق نفسه، بأنه في الأصل كان مرفوعا لولا تلك العنزة اللئيمة التي أكلت حافة الضمة. أنا لا أقول أن كل النواب نوام ولا أن كل النائمين نواب، أعني بكلامي هذا البرلماني الذي خذلنا في أصواتنا التي كانت صرخات فحولها غناء وأناشيد لم يعد يطرب لها الأطفال، أذكر أنه في عز حملته ضمني إلى صدره ووشوش: – أعدك وأمثالك بالشغل. فكيف لا أمنحه صوتي وأصوات عائلتي المعطلة؟. لكني علمت في ما بعد أنه ضم قبلي كل سكان المدينة ووشوش في كل آذانهم كلام ترياقا لكل المواجع. وأن من شيمه الضم والوشوشة الفارغة من أية حقيقة، لكني لم أصدق خيبتي ورحت أطرق باب مكتبه بعد سنوات من تتويجه على رأس البلدية: – صباح الخير سيدي. وضع نظارته على المكتب، أشعل سيجارته الفاخرة، نفخ دخانا ظننت أن عفريتا سيخرج منه، وسيقول لي: – " شبيك لبيك الشغل بين يديك ". لكنه تنحنح وحوقل وقال: – صباح لن يكون بأفضل حال من الأيام السابقة، بل والآتية أيضا. طبعا جئتني بطلب الشغل لأضعه مع باقي الطلبات المتراكمة التي تملأ كل رفوف مكتبي؟. وقبل أن أغادر إلى الأبد مكتبه قاطعته : – لا يا سيدي؛ بل جئت أطلب منك أن تعمل؛ لأنك لست مثلي معطل.