بين الفينة و الأخرى تطلع علينا حملات و "هاشتاغات" في الفايسبوك تحدث ضجة و تختفي، هناك حملات لها خلفية سياسية و أخرى لها خلفية اجتماعية أو رياضية، من بين المواضيع التي وجدت لها مساحة مؤخرا رغم ازدحام الساحة بشتى المواضيع من فضائح و أحداث متسارعة، عبارة "لا تتزوج، إجمع المال و سافر". للوهلة الأولى أهملت الصورة الأولى التي شاهدتها، لكن بعد مدة قصيرة تفاجأت من تفاعل الكثيرين معها، منهم من أبان عن إعجابه، و منهم مت تهكم منها، و منهم من حرفها. ظاهرة العزوف عن الزواج من العنوان يظهر أنه في مجتمعنا هناك ترابط وطيد بين الزواج و تبذير الأموال، عندما قرأت هاته العبارة لأول وهلة مباشرة ترجمتها إلى "تزوج و لا تقم حفل العرس و سافر أنت و زوجتك". مؤخرا راجت أيضا و بشكل محدود قصاصة من جريدة أو مجلة مغربية تخبر أن مستوى عزوف الشباب عن الزواج يفوق ال60 في المئة، و تناقضت الآراء و التحليلات حول الموضوع. هاته النسبة لم تصدمني و لم تفاجئني، إن عدنا للأسباب الكثيرة التي تقف خلفها : – أزمة بطالة : في نظري يبقى العائق الأول الذي لا يمكن إنكاره، فلا أرى كيف يستطيع شابين الزواج و كلاهما عاطل عن العمل، تتفاوت الأرقام حول نسبة البطالة حسب المنابر، لكن أكثر الأرقام وردية بتقى قاتمة، و من المقولات التي كنت أسمع جدتي رحمها الله تكررها "الراجل بلا سكة، و المرا بلا رُكَّة، تما الهم تكا" أي باللغة العربية : رجل بكون محراث، و زوجة بدون آلة الحياكة، هذا هو مرتع الهم و الغم. – الخوف من تحمل المسؤولية : من سيمات الأجيال الحديثة، البعد عن تحمل المسؤولية، و هذا الأمر أصبح يتجلى في عدة مستويات، في حين كان آباؤنا يتحملون مسؤوليتهم في سن مبكرا نجد الكثير من الأباء في أيامنا هاته و بدافع الحب و الحرص يحرمون أبناءهم من القيام ببعض المهام البسيطة مثل البحث عن تدريب في شركة، و تسجيلهم في المدارس و الجامعات، دون أن نغفل أن نغفل الثقافة السائدة في المجتمع من تبني لنظرية المؤامرة و إلقاء اللوم على الحال التي نعيش فيها على عناصر خارجية (دون الدخول في التفاصيل). -الخوف من المجهول و تعقيد مراسيم الأعراس: حين ذكرت في النقطة الأولى مسألة البطالة لم أتناس النسبة المهمة من العازفين الذين يحظون بعمل محترم منذ سنوات، و لكنها مع ذلك تعزف عن الزواج. مع كثرة قصص الطلاق السريع التي صرنا نسمعها صار الكثير يتخوف من الزواج، فقد أصبح الكثير يرى الإقدام على الزواج ضربا من ضروب القمار، و خاصة أن الكثير من هاته القصص يسبقها قصة "حب" كبيرة، و مرحلة خطوبة و تعارف طويلة، و أعراس أسطورية صرفت فيها ملايين السنتيمات. تعقيدات مراسيم الأعراس لا تستنزف فقط ملايين السنتيمات، بل هي تسرق من الزوجين أوقات ثمينة و تولد ضغوطات عصبية رهيبة، انطلاقا من إيجاد القاعة المناسبة التي لا تغلق أبوابها بعد منصف الليل، و اليوم المناسب الذي يجب حجزه سنوات قبل موعد الزفاف، و "الدبلة" الفريدة، و الأثواب الجذابة، و الخياطة التي تحترم مواعيد التسليم، و جوق الموسيقى و الغناء الذي لا يكل و لا يمل، و ممون الحفلات الذي لا يشق له غبار و ما إلى ذلك من كلاكيع. ماذا لو ؟ ماذل لو اكتفى العروسين بحفلة عائلية بسيطة يدعى إليها فقط أسرتي العروسين، و يكتب العقد و يتم إشهار الزواج في الشبكات الإجتماعية، و تكون التكلفة الإجمالية للعملية لا تتجاوز الأف درهم؟ بهذا الإقتراح سوف لن تكرهني فقط الفتيات التي تعتبر معظمهن تلك الليلة ليلة العمر، لكنني أيضا سوف أكسب جيشا من الأعداء مكونا من الخياطات و بائعي الأثواب و المجوهرات، و كذلك أصحاب قاعات الحفلات، و الفرق الموسيقية، و مموني الحفلات، و بائعي اللحوم و الحلويات. لكن مع توفير كل هاته الأموال و الأوقات يمكن للشباب أن يتشجعوا على الزواج و التمتع بأموالهم و أوقاتهم خلال "أسبوع" العسل و كذلك لتوفير أساسيات بيت الزوجية.