كان يثير انتباهي شغف هذا الصديق بمكالمة الفتيات ساعات طويلة عبر هاتفه النقال،خلال الفترة المسائية بعد أن ينتهي من عمله.ناهز العقد الرابع من عمره،ولم يتزوج بعد،ولربما سوف يبقى هكذا بدون زواج إلى آخر حياته،لكونه أقبر مشاعره الإنسانية الحقيقية، وتولدت لديه ميولات نفسية آلية مزيفة تجاه الفتيات اللواتي يتحدث إليهن كل مساء،ويعيش معهن حياة عاطفية وعلاقات زواج ينسجها من وحي خياله الأثيري،يؤثثها بأحداث عجيبة ومغامرات،ولقاءات تتراءى له في أحلام يقظته المسكونة بمباهج الزواج،وسعادة الحياة الزوجية وأجواء الألفة والصفاء والتفاهم مع شريكة حياته… كان يتحدث إلى جميع هؤلاء الفتيات من خلال مكالمات هاتفية تطفح بعبارات التودد والإعجاب،وتتكرر معظم القضايا والأسئلة والحوارات،وكأنها أسطوانة محفوظة عن ظهر قلب يتغنى بها،ويتلوها بقليل من التعديل وبلمسة الإخراج الملائم لكل واحدة من مخاطباته،فيعدها بأنه سيخطبها من أهلها،ويعقد عليها إذا أرادت ذلك،وتظل تنتظر بلهفة وعوده إلى أن ينقطع حبل التواصل معها،ويعرف بأنه كان فأل خير عليها ومفتاح زواجها من غيره.بينما يستمر هو في مراكمة الأرقام الهاتفية لفتيات ينتظرن فرسان أحلامهن،إلى درجة أنه لم يعد يميز بين أسمائهن وأمكنة إقامتهن. وكان في كل مكالمة يحاول الظهور بمظهر منبسط هادئ،يجمع بين الهزل والجد،ولا يهمه أن يرفع صوته بالحديث،ويسمعه الناس المحيطون به من الأصدقاء وغيرهم،فقد كان يجد في الإشارة إلى الفتاة باسم يختلف عن اسم الأخريات اللواتي ذكر أسماءهن في مناسبات سابقة الاستئثار برضا الجنس الأنثوي،ودليل الرجولة الفحلة… وهو في هذه السن المتقدمة يتساءل معارفه عن الدافع الكامن وراء حصره مشروع زواجه في دائرة خطوبات وأعراس هاتفية وهمية،فلا يجدون من تفسير لكل هذا سوى ملاحظتهم مقدار ما يشعر به من فخر،ومباهاة عند كل مكالمة يجريها مع إحدى زوجات المستقبل حيث يبدو في حديثه شابا مراهقا أو مثل ديك مزهو بعرفه الأحمر القاني،ثم يمتلئ عقله ووجدانه بصور من أوهام وحقائق متخيلة،تنصهر به في بحبوحة من الأنس والإنجذاب إلى الآخر،وتنقله إلى رحاب النشوة والفرح والإثارة بمختلف أنواعها،على أمل ترجمة العلاقات الزوجية الأثيرية إلى حقيقة واقعية في يوم من الأيام…